مجلة الرسالة/العدد 769/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 769/الأدب والفن في أسبوع

ملاحظات: بتاريخ: 29 - 03 - 1948



حول جوائز فؤاد الأول الأدبية:

قالت (أخبار اليوم) إن الأدبيين الكبيرين إبراهيم عبد القادر المازني وتوفيق الحكيم أرسلا إلى معالي وزير المعارف خطابا نشرت نصه، وهما يقولان فيه إنه قد بلغهما أن كتباً لهما قدمت إلى مسابقة لنيل جائزة فؤاد الأول، ويرجوان استبعاد هذه الكتب، حتى يقولا: (وإن إقحامنا في مباراة للجميع نزاحم فيها بالمناكب ناشئة الأدباء والمؤلفين فيما يستحقون من تشجيع، ليظهرنا بمظهر فيه مجافاة للذوق ومنافاة للمروءة).

وأود أولا أن أقول إن جوائز فؤاد الأول الأدبية لا تمنح لفائز في مسابقة وإنما تمنح لخير كتاب أو كتب ظهرت في السنوات الخمس الأخيرة؛ وينص مرسوم إنشاء هذه الجوائز على أن اللجنة تبحث فيما تختاره من الإنتاج وما يقدم إليها من أصحاب الإنتاج أو غيرهم من الهيئات التي ينتمون إليها.

وأقول ثانياً إن جوائز فؤاد الأول ليست مباراة لناشئة الأدباء والمؤلفين، وأستطيع أن أقول استنتاجاً من فهمي لوضعها الرسمي: إن من سمنح الجائزة سواء أكان واحداً أو أكثر لا يمكن أنه يقل مستواه الأدبي عن طبقة الأستاذين المازني وتوفيق الحكيم. . . . فلهما أن يطمئنا على مروءتهما وعدم مجافاتهما للذوق.

وقد فرغت اللجنة من مهمتها في يوم الأربعاء الماضي وقد علمنا أنها اقتصرت في منح الجوائز هذا العام على الدراسات الإسلامية الأدبية.

الذوق الأدبي عند الطفل:

ألقى الدكتور إبراهيم سلامة الأستاذ بكلية دار العلوم، محاضرة عن (الذوق الأدبي عند الطفل) يوم الخميس بمعهد التربية للمعلمين، بدأها بقوله: الأدب في آخر تحليله فكرة مصورة تزجيها عاطفة. فعناصره ثلاثة: الفكرة والصورة والعاطفة.

ثم قال لا بد لنا من أن نرجع بالأدب إذا بحثنا عنه في الطفل إلى العاطفة. كما لا بد من مجاراة بعض علماء النفس الذين يمثلون الطفل بالرجل البدائي الذي تحركت في نفسه المشاعر أول شئ، وكان أتجاه عاطفته نحو المعبود، وإذا تلمسنا الأدب في تلك الأزمنة البعيدة ألفيناه عند المقربين إلى الآلهة من الكنهة والسحرة فهم القادرون على التعبير عواطفهم بالكلام الذي ينمقونه ويزوقونه ليكون مخالفاً لكلام سائر الناس، ومن السهل أن نتصور حلقة من هذه الحلقات البدائية المقدسة، فنتصور إنشاداً وغناء وتوقيعاً وتصنيفاً ودورات متعددة مقسمة بين الكلام والحركة، ففي هذه الحلقات كان الرقص والغناء والموسيقى تعبيرات عن العاطفة عامة وعن العاطفة الدينية خاصة.

فالطفل في المرحلة الأولى من طفولته لا نستطيع أن نعتمد غي إيقاظ ذوقه الأدبي إلا على الناحية العاطفية والرقص والغناء والموسيقى نافعة في تكوين الذوق الأدبي لا بد أن ننتقل من الرمزية الحركية إلى الرمزية الكلامية أي إلى إنشاد وإلقاء وغناء، فالأناشيد الجمعية المغنية والموقعة على الموسيقى نافعة جداً في هذه المرحلة. وأن يقظة الذوق الأدبي عن طريقف النثر صعبة حتى في الكبار، فليست لنا وسيلة لهذه اليقظة الأدبية مع الصغار إلا بالأناشيد والموسيقى وأختيار العبارات الانفعالية الراقصة.

ثم قال الدكتور: إن طبيعة الطفولة طبيعة أدبية، فالطفل يقول لأمه أحبك كما يقول الشاعر لحبيبته، بل الطفل أرقى أحياناً من أبن أبي ربيعة الذي أحب الرباب (عدد النجم والحصى والتراب) وأحب الطفل لأمه (قد السكر وقد العسل والشكولاته؛ فالطفل أديب بطبعه وذوقه والمعلمون يفسدون عليه هذا الذوق. وهو يخاطب الجماد ويناجيه، فالطفلة تخاطب دميتها ويخاطب الطفل كلبه ويكلمه ويسأله ويجيب عنه، كما يخاطب الشعراء الديار والأطلال. وكلاباريد يقول: إن الطفل وهو يلعب يحلم وعيناه مفتوحتان، والشاعر إذا شعر كان في شنبه غيبوبة، والشاعر الحالم أرقى الشعراء. ولكن هذه الفنية الأدبية في الطفل لا تلبث إن تختفي بعد الثامنة لاشتغاله بالقيم اللغوية في الألفاظ ولهجرة اللغة الحرة الطبيعية التي نشأ عليها إلى لغة كلاسيكية ليس في قاموسه منها الا قليل، والمأزق هنا ضيق ليس فيه الا منفذان، إما ضياع القيم الوضعية للغة، وإما ضياع اللغة الأدبية للطفولة التي لا يعبأ فيها بالقيمة اللغوية، والمعلم اللبق من يستبقي لغة الطفل فيعد لها بدل أن يميتها ويميت معها كثيراً من العواطف والأحاسيس اللغوية والتصورات الفنية.

الشعر بين حاضره ومستقبله.

استمعت مرة اخرى يوم الجمعة الماضي إلى الأساتذة شوقي أمين وكامل عجلان ومصطفى حبيب، يتحاورون في إذاعة الشرق الأدنى العربية، وكان موضوع الحوار (الشعر العربي بين حاضره ومستقبله) وقد اختلفت آراؤهم ونظراتهم إلى حالة الشعر الحاضرة، فعجلان يحمل على شعرائنا الأحياء حملة شعواء ويقول إنه قلب نظره بين الشعراء بعد شوقي فلم يجد نفسه إلا ملتفتاً نحو شوقي، حتى يقول إن شوقي هو ماضينا في الشعر وحاضرنا والمستقبل غيب. ويرى أن شعراءنا لم يكونوا هم أصحاب السبق في تصوير حياتنا وخوالجنا وآمالنا في الفترة الحاضرة، وأن موقفهم يكاد يكون موقف المتخلف عن الركب.

وينكر شوقي أمين أن ترمي قرائح الشعراء بالعقم أو بعده، ويرى أن شوقي بمكانته التي نالها كان من عمل الظروف الخاصة به، ولو أتيحت هذه الظروف أو أشباهها لغيره من الشعراء لرأينا شوقيين كثيرين، ويتخيل أن المجتمع الأدبي كأنما أراد حداداً على شوقي فلم يفسح المجال لشعرائنا المعاصرين كي يغنوا غناءه ويقوموا مقامه؛ ويقول إن واجبنا هو أن نتيح لناشئتنا مختلف المناهل الثقافية والأدبية، ونمهد لكل ذي نزعة أن يجد له متنفساً، وبهذا التيسير والتمهيد تتكشف العبقرية ويظهر العبقري، وسيشق لنا ذلك العبقري أفقاً نتطلع إليه معجبين، وترى فيه المثل الأعلى.

ولا يرى حبيب أن الظروف وحدها أو الطبيعة وحدها تستطيع أن تخلق شاعراً نابغاً وعبقرياً، بل ثمة عوامل أخرى ترجع إلى الهبة أولا ونفاذ البصر والبصيرة ثانياً هي التي تعين على خلق الفنان. وليست البطولة العبقرية وقف على الأبهة والعظمة، فكثيرون من الأبطال شعراء وغير شعراء قد ذاقوا مرارة المنبت وعاشوا حياتهم في شظف، ومع ذلك تركوا تراثا خالداً من الأدب والمجد. ويقول لعجلان: أنت تتحامل على الشعراء، فما زلنا نقرأ لمحات من الحياة في شعر أبناء هذا الجيل، ولعلنا نظلمهم إذا قلنا إنهم متأخرون عن السابقين لأننا في مثل هذا الحكم نصدر عن مقاييس فرضنا فيها الثبات، مع أن المقاييس تتغير والحياة تسير، حتى إن معظم الشعراء والأدباء الآن ما يزالون ينسجون على منوال الأعصر الحالية في الشعر والأدب، ولذلك فإن إنتاج قرائحهم لا يملأ نفوسنا نحن الشباب، والناس يريدون أن يسمعوا شيئاً عما جد في الوجود وأثره في الحياة، فاعذروا الشعراء إن هم لم يصادفوا هوى في نفوس الشيب لأنهم يستحدثون، ولا في نفوس الشباب لأنهم لم يبلغوا بهم ما يريدون والذنب ذنب العصر لأنه لم يستقر.

السينما الثقافية في خدمة الشباب.

تعمل إدارة خدمة الشباب بوزارة المعارف في إعداد بعض الرسائل التثقيفية التي ترمي بها إلى إفادة الشباب وأستغلال أوقات فراغهم فيما تميل اليه نفوسهم من الهوايات الأدبية والفنية.

وقد بدأت بأختيار طائفة من الأفلام الثقافية لعرضها على جمهور من طلاب المدارس الثانوية، وقد أعدت لهذا العرض حجرة كبيرة بدارها في شارع سليمان باشا.

وقد أختارت تلك الأفلام من الإنتاج السينمائي الجيد، ومما يؤسف له أنها لم تجد فلما مصرياً واحداً يمكن أن يسمى ثقافياً. . وقد عرض في هذا الأسبوع فلم (إجازة الأسبوع المفقودة) لشركة بارا مونت، و (حياة مدهشة) لشركة راديو، و (البداية أو النهاية) لشركة مترو. وستعرض أفلاما أخرى في الفترة القادمة إلى أوائل مايو. ثم تنتظر حتى يفرغ الطلاب من الأمتحانات وفي العطلة الصيفية توسع الإدارة مدى نشاطها ليشمل لتيسر من الوسائل كما يشمل أكبر عدد ممكن من الشباب، فلا يقتصر الأمر على العدد القليل الذي يختار الآن من المدارس.

والواقع أن إدارة خدمة السباب تعمل الآن في دائرة ضيقة جداً، فليس كل الشباب هؤلاء العشرات الذين يترددون على دارها في القاهرة، يوم تستطيع أن تمد أسبابها إلى الشباب في أكثر جهات القطر، يصح لها أن تغتبط بتأدية رسالتها.

الإذاعة وأنتاج السباب.

كانت إدارة الإذاعة قد كتبت إلى إدارة خدمة الشباب التي قامت بتنظيم المهرجان الأدبي والفني للشباب ترجو منها أن تبعث اليها ببعض الإنتاج الفائز في المهرجان من أناشيد وتمثيليات إذاعية لإذاعتها؛ ولم تذكر إدارة الإذاعة أنها ستدفع أجوراً لأصحاب هذا الإنتاج. فرد عليها الأستاذ عبد الله حبيب وكيل إدارة خدمة الشباب بأن الوزارة أجازت هؤلاء الشباب بجوائز أدبية وجوائز مادية قليلة على قدر ما سمح به (الأعتماد) وأن الإذاعة تتمم لهم التشجيع إذا منحتهم أجوراً على ما تريد إذاعته لهم، فإذا رأت ذلك فإن الإدارة ترسل إليها ما تطلب من ذلك الإنتاج ولكن الإذاعة لم تجب ولعلها تنظر في الأمر؛ ولا شك أن أحد إنتاج الشباب لإذاعته بالمجان ليس من العدل، كما أنه ليس من العدل ولا من الحزم أن تقتصد محطة الإذاعة وتدخر لتستطيع أن ترضي كبار المطربين والموسيقيين الذي يتحكمون فيها على حساب الشباب الذي هم أحوج إلى التشجيع والى أن يجنبوا شيئاً من ثمرات قرائحهم ومواهبهم.

الفن المعاصر والفن المصري:

كانت وزارة المعارف قد استقدمت جماعة من كبار الفنانين الفرنسيين والأسبانيين، لغرض طائفة من إنتاجهم في الرسم والنحت ولإلقاء محاضرات بمدرسة الفنون الجميلة العليا؛ وأقامت معرضاً لصورهم وتماثيلهم بدار الجمعية الزراعية الملكية، هو معرض الفن المعاصر. وقد تفضل جلالة الملك بزيارة هذا المعرض، وفي خلال هذه الزيارة الكريمة قال جلالته للمشرفين على المعرض: هل يمكن إقامة معرض مصري كهذا؟ وكانت هذه رغبة سامية ولفتة بارعة من جلالة الفاروق. ولا شك في أن الوزارة ستعمل على تحقيق ذلك.

وقد وافقت هذه الإشارة الملكية هوى كثير من الفنانين المصريين الذين كانوا يشكون من أموالهم ويوجهون النقد إلى استدعاء الفنانين الأجانب وبذل الأموال لهم، مع أن لهم أي المصريين - إنتاجاً لا تقل قيمته الفنية عن إنتاج هؤلاء الأجانب. ومما يذكره بعضهم أن أستدعاء هؤلاء الفنانين كان بوساطة مليونير مصري معروف له شغف بهذا الفن، وهم من أصدقائه. .

ومما لوحظ في معرض الفن المعاصر أن الرسوم واللوحات كتبت عليها أسماؤها وموضوعاتها بلغة أجنبية، ولم تكتب حتى بجانب الأجنبية - باللغة العربية. وهذه ظاهرة يؤسف لها أشد الأسف، وخاصة أن هذا المعرض تنظمه الحكومة المصرية التي تفرض اللغة العربية في مكاتباتها، فكان يجب على الأقل أن يترجم المكتوب باللغة الأجنبية إلى العربية ويكتب في أوراق منفصلة تعلق بجوار الصور والتماثيل.

(العباسي)

-