مجلة الرسالة/العدد 775/نامي. . .

مجلة الرسالة/العدد 775/نامي. . .

ملاحظات: بتاريخ: 10 - 05 - 1948



للأستاذ إبراهيم محمد نجا

نامي فإن الليل قد جاَء ... ومضى النهار، وكان ضوضاَء

والنهر نام، فلم يعد ماَء ... لا. . بل ملاكا رائع الطهر

نامي لدى صدري؛ ففي صدري ... دنيا من الأنغام والشعر

إن كنت أنت خميلة الزهر ... فأنا الهزار يهيم بالمطر

واستقبلي حلم الصِّبا العذب ... فيه تطير عرائس الحبِّ

هو صورة لنوازع القلب ... ما أروع الصور التي تغري!

إني سأقضي الليل سهرانا ... أرعى الصبا غضَّا وفينانا

لا. . . لا تخافي لست سكرانا ... إني بدأت أُفيق من سكري

لا بأس إن قبَّلت يا ليلَى ... ثغراً يضيء بنوره الليلا

أترين أني آثم؟ كلا ... ليست أثاماً خمرة الثغر

لا بأس إن داعبت يا ليلَى ... (كأسين!) ما أغلى وما أحلى!

أنا إن لعبت فلم أزل طفلا ... لعب الطفولة غير ذي وِزْرِ

قومي فإن الفجر قد لاحا ... والبلبل الغرِّيد قد راحا

يستقبل الأنوار صداحا ... ويطير من زهر إلى زهر

والزهر داعبه الندى فصحا ... واهتز في أوراقه فرحا

قد خلته في غصنه قدحا ... في كفَّ أَغيدَ مائِل الخصر

وسرى النسيم مُنى وأفراحا ... تشدو فيشدو الكون أوراحا

وتثير عطر الزهر فوَّاحا ... فإذا الوجود يفيض بالسحر

هذا الصباح يبث في نفسي ... دنيا من الأفراح والأُنس

هاتي المدام، وقربي كأسي ... أو قربي شفتيك من ثغري

قومي اسمعي أنغامي السَّكْرى ... تذكي الحنين، وتبعث الذكرى

قد أرسلتها نفسي الحيرى ... لتذيع ما بالنفس من سِرّ

قومي نطر في أفْقنا السامي ... أنشودة من وحي أحل ذهب الظلام، وتلك أنغامي ... تهتز بين أشعة الفجر

قومي نغني غنوة الحب ... فو الربا الريانة العشب

ما بال هذا الواله الصب ... لا يستقر اليوم في صدري؟!

ما باله كالطائر النزق ... طال الحنين به إلى الأُفُق؟

تمضي الحياة به على قلق ... من ذلة الحرمان والأسر!

قومي اسأليه الآن في عطف ... ماذا تريد؟ وما الذي تُخفي؟

سيجيب: أمنيتي التي تشفي ... هي قبلة من ثغرك البِكْر

هي قبلة تُهدي إلى نفسي ... أمل الشباب، وبهجة العرس

وتنير مثل أشعة الشمس ... فيذوب فيها كالندى عمري

ساعي البريد

للأستاذ شفيق معلوف

ساعي البريد وما ينفك منطلقاً ... وكل باب عليه غير موصود

يسعى بأكداس أوراق مغلفة ... تفوح منهن أطياب المواعيد

خلف النوافذ أجفان مشوقة ... إليه تخفق من وجد وتسهيد

بدا فهز عقود الغيد مقدمه ... هز النسيم لحبات العناقيد

كم قبلة من فم العشاق يحملها ... علي يديه ويهديها إلى الغيد

يا ساعياً بابتسامات توزعها ... على الشفاه بلا منٍّ وترديد

كم وجه أم عجوز إن برزت له ... لم تُبق من أثر فيه لتجعيد

تلقي إليها كتاباً إن يصب يدها ... شدته باليد بين النحر والجيد

كأن كل غلاف منك ملتحف ... بابن إلى صدر تلك الأم مردود

وكم وكم رقعة كالحظ مشرقة ... وهبتها كل كابي الحظ منكود

يا واهباً كل بشرى حين جدت بها ... راحت تكذب عنك الفقر بالجود

أبعدَ بذْلك فينا ما بذلت نرى ... عينيك في مأتم والناس في عيد

لو تعلم الناس يوماً أنها سلخت ... أيامها البيض من ليلاتك السود! شفيق معلوف