مجلة الرسالة/العدد 777/الربيع الخالد. . .

مجلة الرسالة/العدد 777/الربيع الخالد. . .

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 05 - 1948



(إلى جيش النصر الظافر. . . في فلسطين)

للأستاذ أحمد أحمد العجمي

ليس الربيع لنا دوحاً وأنهاراً ... ولا غناء وأنداء وأزهارا

ولا رُبى مرحات الأيك وارفة ... كجنة الخلد آصالا وأسحارا

ولا نسيما تحس الغيد نفحته ... عطراً ولفحته في القلب إعصارا

ولا أهازيج أطيار تسيل كما ... سال الندى عبقاً من كف آذارا

بل الربيع الموشى في مباهجه ... روح الحياة بدا كما لنبع ثرارا!

روح تغلغل في الدنيا فبد لها ... بالجدب خصباً وبالظلماء أنوارا

يرى على الأرض أشجاراً وأودية ... وفي السموات أطيافاً وأطيارا

وإنما هو سر لا قرار له ... وإن تبلج أزهاراً وأقمارا

أرى الربيع شباباً ضاحكاً نضراً ... كالبحر مصطفقاً والنجم سيارا

فإن توارى شتاء فهو أجنحة ... تهيم في الأرض إقبالاً وإدبارا

وتقتنيه الصحارى في بواطنها ... تشكون صدىً ثار في أعماقها نارا

فيعتلي السحب يزجيها ويوسعها ... رعداً وبرقاً فيهمي الغيث مدرارا!

وللطبيعة إحساس تحس به ... نور الدجى وترى للجهر أسرارا

ليست زهور الروابي في خمائلها ... إلا قلوباً وأسماعاً وأبصارا!

وللطبيعة أسرار يبوح بها ... فم الربيع عشيات وأبكارا

تفيض بالبهجة الكبرى مواكبه ... أُنسا وبشرا وأضواء وأعطارا

منذ يراه ربيعاً واحداً ألقاً ... وقد تعدد أطواراً وأوطارا؟

لكل نفس ربيع في قرارتها ... رأته رأياً ولم تبصره إبصارا!

والعين لا تبصر الأكوان حالية ... إلا بنفس ترى الأوكار أفكارا!

ورب ذي بصر أعمى البصيرة لا ... يرى بشائر حسن هز (بشارا)

إذا رأى الشمس والأقمار سافرة ... فقد رأى حجباً شتى وأستارا

وأنت يا فتنة للقلب آسرة ... يا روضة من رياض الخلد معط يا صورة لربيع الحب مؤتلقاً ... ندى وندّاً وأزهاراً وأثمارا

أرى بعينك لي سحراً وساحرة ... وفي محياك لي خمراً وخمارا

أنت الحياة التي تجلو الربيع لنا ... يعانق الشرق إجلالا وإكبارا

وما الربيع سوى الحرية انبعثت ... في الشرق عزماً على الأعداء جبارا

ليعلم الغرب أن الشرق ناجزه ... بالنار ناراً وبالبتار بتارا!

حتى نجدد للتاريخ سيرتنا ... مهاجرين كما كنا وأنصارا

وما فلسطين إلا الجنة اقتربت ... لمن يذيق (اليهود) النار والعارا

هيا إليها على أشلائهم لنرى ... معنى الربيع وجيش النصر جرارا

العرب كم رفعوا للحق ألوية ... ومصركم حررت بالسيف أمصارا