مجلة الرسالة/العدد 777/خواطر مسجوعة:

مجلة الرسالة/العدد 777/خواطر مسجوعة:

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 05 - 1948



الحكمة

للأستاذ حامد بدر

قيل لِمض لمْ تطل في مقالك؟ قلت وما عيب ذلك؟. إن المعنى العزيز، في اللفظ الوجيز، كالحسناء الرشيقة، في الحلة الأنيقة. والمعنى الضئيل، في اللفظ الطويل، كالجسم الغث، في الثوب الرث. وقد تأتي الحكمة في كليمات، ولا تأتي في صفحات. كما يجزل لك السخي العطاء، ولا يشعرك بعناء. ويثقلك الشحيح بمن طويل، لو يعطيك القليل!

فالحكمة درس كبير، في أوجز تعبير، يمليه قلب بصير، ويؤيده تجريب كثير، فتعجب من سطور، تتيه على الشذور، لأنها أغنى من الكتب، وأغلى من الذهب، ينبعث نورها من حلك المداد، كنور القلب ينبعث من السواد. فخذ من الحكمة ثراء كبيراً، (ومنْ يُؤتَ الحكمةَ فقدْ أوتي خيراً كثيراً)

أجل في الحكمة ثراء، يفتقر إليه الأثرياء، ونور لا تغني عنه سعة البصرين، ولا أشعة القمرين. ثراء يملأ الجنان، بالرضا والإيمان، ونور تتضاءل عنده الأنوار، وتنكشف أمامه الأسرارن فقلب الحكيم غني بما فيه، عامر بما يحويه، وعينه نافذة وإن لم تكن نجلاء، وحسبك أبو العلاء!

والحكيم إن فكر ارتقى، وأن عبر انتقى. فالحكمة بنت الفكرة العالية، في العبارة الغالية، بل هي من الأدب غايته، ومن البيان آيته. وكثيراً ما تمتُّ إلى الشعر بلحمة، (وإن من الشعر لحكمة) إلا أنها ليست حكما لطبع جائز، ولا وحياً لشعور ثائر. بل تجيء عند هدوء النفس، واعتدال الحس، بعيدة عن عسف الغلواء، بريئة من سرف الأهواء.