مجلة الرسالة/العدد 778/أحرب تشب أم ثورة تقمع؟
مجلة الرسالة/العدد 778/أحرب تشب أم ثورة تُقْمَع؟
للأستاذ نقولا الحداد
في أخبار الأمس أن الجامعة العربية طلبت إلى هيئة الأمم المتحدة الاعتراف بدولة عربية في فلسطين. فإن كان هذا الخبر صحيحاً فهو مثل قولك: إن الولايات المتحدة الأمريكية طلبت من هيئة الأمم أن تعترف بدولة أمريكية في أمريكا. فلا أصدق أن الدول العربية طلبت الاعتراف بدولة موجودة من زمان!
إن الدولة الفلسطينية كانت موجودة قبل الانتداب البريطاني، وقد جاء الانتداب البريطاني اعتداءاً عليها فكتم أنفاسها. فلما انتهى الانتداب، أو تنازلت عنه بريطانيا، عادت الدولة العربية الفلسطينية إلى كيانها الطبيعي، فلا معنى لمطالبة الجامعة العربية لهيئة الأمم بالاعتراف بدولة عربية في فلسطين، لأن هذه الدولة كانت موجودة قبل أن توجد هيئة الأمم، بل قبل أن توجد عصبة الأمم المؤحومة التي فرضت الانتداب، فلا داعي لأن تعترف بها هيئة الأمم الآن، وإلا فعليها أن تعترف بدولتي إنكلترا وفرنسا اللتين خرجتا من الحرب السابقة دولتين كما كانتا!
وتحرير الخبر أنه لما وقعت الحرب الكبرى السابقة اتفق الإنكليز مع المغفور له الشريف حسين، على أن يشترك معهم في محاربة الأتراك، حتى إذا تم النصر لهم كانت البلاد العربية المتخلفة عن الدولة العثمانية دولة عربيةقائمة بنفسها تحت حكم الشريف حسين كملك عليها.
وقد برَّ الشريف بوعده، ودفع بجنوده إلى ساحة القتال مع الإنكليز وحارب الأتراك. ثم تمَّ النصر للحلفاء - ولولا معاونة العرب ما انتصر الإنكليز. لأن العرب كانوا العنصر الفعال في تلك الحرب - ولكن الإنكليز لم يبرٌّوا بالوعد، بل نقضت بريطانيا وعدها بخيانة فاضحة، إذ تقاسم الإنكليز والفرنسيس ميراث الدولة العثمانية في الشرق العربي، وتولت فرنسا الانتداب على سوريا ولبنان، وإنكلترا على فلسطين (ومعها شرق الأردن) والعراق. وبقى الملك حسين ملكاً في الحداز كما كان من قبل. وكان من طغيان الانتداب الإنكليزي إعلان وعد بلفور الشيطاني بوطن قومي لليهود وما تلاه من تدفٌّق اليهود على فلسطين وتسليم بريطانيا لهم زمام الطغيان في البلاد كما هو معلوم، وليس غرضي من هذه الفذلك أن أبسط مكر بريطانيا وفظائع الصهيونين. وإنما غرضي أن أثبت أن الدولة العربية في فلسطين كانت موجودة كنتيجة للحرب الكبرى الأولى. وإنما لؤم السياسة البريطانية خنقها وترك للصهيونيين الحبل على الغارب في استعمارها. ولما سقط الانتداب البريطاني الذي كان جائماً على صدرها تنفست ونهضت على قدميها. إذن لا داعي لأن تطالب الجامعة العربية هيئة الأمم بالاعتراف بها. بل على هيئة الأمم أن تلتمس من الدولة العربية أن تعترف تها (أي بالهيئة) وأن تضمها إليها كعضو شرعي أصيل فيها.
أما اليهود الذين فتحت بريطانيا لهم صدر فلسطين لكي يكون لهم وطناً قومياً فهم دخلاء غرباء جنساً ولحماً ودماً وروحاً ونفساً وقلباً وكبداً الخ. فالدولة التي أعلنوها وطالبوا الدول بالاعتراف بها، إنما هي دويلة مزيفة ملفقة، دولة تمثيلية. فهي كما لو قام السوريون واللبنانيون في أمريكا يُعلنون دولة سورية لبنانية لهم، فما قيمة هذا الإعلان؟
فلما زال كابوس الانتداب البريطاني عن صدر فلسطين عادت الدولة الفلسطينية إلى كيانها، وإذا باليهود الدخلاء يدعون حصة في المملكة الفلسطينية العربية. ثم يثورون في سبيل الحصول على هذه الحصة ولذلك قام العرب يقمعون هذه الثورة
إذ ما يسمونه حرباً في فلسطين ليس بالحقيقة حرباً، بل هو قمع ثورة صهيونية خسيسة لئيمة نجسة (جوبيم بلغتهم). ولولا أن الانتداب الإنكليزي أظفرهم بعنق فلسطين، ويسر لهم استعمارها وملكهم حقوق العربفيها، وحرم العرب حقوقهم لما أمكنهم أن يستفحلوا هذا الاستفحال، وأن يستعدوا هذا الاستعداد للقتال كأنهم عالمون أنهم سيصطدمون يوماً من الأيام مع العرب. وقد جاء هذا اليوم.
وقد أدرك العرب اليوم أنهم لا يحاربون يهود فلسطين فقط بل هم يحاربون يهود العالم كلهم وكل من هم تحت ضغط اليهود المالي وضغطهم السياسي. ولذلك يبذلون النفس والنفيس هنا وفي أمريكا وغيرها لكي يؤيدوا هذه الدولة المزيفة.
وغريب أنهم وهم في جميع ممالك العالم متألبون لإنشاء دولة صهيونية شيوعية يستنكرون على الدول العربية أن تعاون شقيقتها فلسطين المغلوبة على أمرها، ويطلبون من هيئة الأمم أن تنهى الدول العربية عن مساعدة هذه الشقيقة.
وما انبرت الأمم العربية لهذه المساعدة، إلا لأن برنامج الطغيان الصهيوني شامل لجميع دول الشرق الأوسط، ولاسيما الدول العربية. فكيف لا تنبري إذن؟
وفي التاريخ أمثلة عديدة على معاونة الدول بعضها لبعض إذا أحست أن الخطر مقبل عليها. في أوائل هذا القرن استجار أهل كوبا من ظلم الأسبانيين المستعمرين، فهبت الولايات المتحدة الأمريكية لإنقاذ الكوبيين من ظلم الأسبان بحجة أن هؤلاء جيرانهم فلا يطيقون أن يسمعوا أنين جيرانهم ويبقوا صامتين. فحاربت أمريكا أسبانيا وخلصت كوبا من بين براثنها، ثم ردت لها استقلالها. فإذا كانت أمريكا تجير كوبيا بحكم الإنسانية والجوار، أفلا يجب على العرب أن يهبوا لإنقاذ فلسطين من براثن الصهيونيين، والصهيونية خطر عليهم جميعاً
الحمد لله، إنه ليس لهيئة الأمم قوة برليس دولي تنفذ قراراتها بالقوة، وإلا طغى الظلم واستفحل الاستبداد وقتل الحق بيد برومان ما دام هذا المغفَّل تحت سلطان شرذمة تمولين يعدونه بالدعاية له في الانتخاب إذا أيدهم في طغيانهم.
والحمد لله، أن الشعب الأمريكي شعر أن ترومانهم يتهور بمصلحتهم وهو ألعوبة في يد اليهود، إذ اتضح لهم صبح الحق وهو انتصار العرب في جهادهم المقدس. . .
نقولا الحداد