مجلة الرسالة/العدد 792/الكتب
مجلة الرسالة/العدد 792/الكتُبُ
1 - أعلام الشعر الفرنسي وطرائف من آثارهم
تأليف الأستاذ العوضي الوكيل، والسيدة س. عبد الرزاق
صبري
هذا كتاب يحتوي على إهداء وتمهيد وتراجم ومختارات:
فالإهداء - كما كتبه الأستاذ العوضي - (إلى حضرة صاحب المعالي الأستاذ إبراهيم دسوقي أباظه باشا. منذ عامين سميت ابني الثاني باسمك وكأنه كتاب أرفعه إليك، وهاأنذا أرفع هذا الكتاب إليك وكأنه ابن أسميه باسمك) وعجب فالباشا أهل لما أهدي إليه لما يسبغه على الأستاذ من فضله وتقديره ووده أولا، ولأنه يحسن فهم الكتاب المهدى إليه ثانياً، فهو أديب مطلع على كثير من الآداب العربية والغربية، والمؤلف بهذا الإهداء يصطاد عصفورين بحجر واحد. فهو بهديته يعلن بره واعترافه بالجميل لموليه، ويقدمها لمن يقدرها قدرها.
والتمهيد قصير: يتضمن (تعريفات) موجزة بأسماء النزعات الأدبية الواردة في كتابه: كالكلاسيكية والرومانتيكية والليريكية والبرناسية والرمزية، وهذه التعريفات غير منطقية لأنها غير جامعة ولا مانعة، ولا توضح الفوراق الحاسمة بين نزعة وأخرى من النزعات الأدبية مع أن التوضيح هو المقصود.
والتراجم والمختارات هي الجزء الرئيسي في الكتاب والمترجمون خمسة: أولهم ألفونس دي لمرتين (1790 - 1869م) صاحب رواية روفائيل التي ترجمها الأستاذ الكبير أحمد حسن الزيات من الفرنسية إلى العربية ترجمته العالية المشهورة، وقد اختار له المؤلفان قصيدة عنوانها الوحدة , فترجماها شعراً ثم نثراً. وثانيهم فكتور هوجو (1802 - 1885م) صاحب رواية البؤساء التي ترجمها الشاعر المصري المرحوم حافظ بك إبراهيم ترجمته العالية المشهورة أيضاً. وقد اختار له المؤلفان قصيدة عنوانها (الضمير) فترجماها نثراً وشعراً، وقصيدة عنوانها (واترلو فترجماها شعراً وعقبا عليها بشروح موجزة لبعض الأعلام الواردة فيها.
وثالثهم الفريد دي فيني (1797، 1863م) وقد اختارا له قصيدة عنوانها النفير في قرابة ثمانين بيتاً، ومهداً لها بتصوير القصة التي بعثت عليها كما حدثت والفرق بينها وبين صورتها محرفة في القصيدة وأتبعاها بتفسير قصير لبعض أعلامها، وترجما له أيضاً قصيدة عنوانها (موت الذئب) شعراً ونثراً. ورابعهم ألفريد دي موسيه (1810 - 1857م) صاحب رواية (اعترافات فتى العصر) التي ترجمها المرحوم فليكس فارس، وقد اختار المؤلفان للشاعر قصيدة عنوانها (ليلة مايو فترجماها شعراً في قرابة تسعين بيتاً، ثم ترجماها نثراً، وقدمها لها مقدمة قصيرة تصف الحالة التي كان عليها الشاعر حين نظمها.
وخامسهم بول فرلين (1844 - 1896) وهو أقل الأعلام حظاً من الدراسة والمختار، فدراسته وقعت في ثلاث صفحات ونصف صفحة، ولم يختر له المؤلفان غير قصيدة واحدة عنوانها (الخريف) ترجماها في ثمانية أبيات.
ومن هذا العرض نفهم ما في العنوان من مبالغة، فإن (أعلام الشعر الفرنسي) ليسوا خمسة فحسب، والخمسة المترجمون كلهم من شعراء القرن التاسع عشر وحده، وليسوا مع ذلك كل (أعلام الشعر الفرنسي) فيه. ويلاحظ أن دراسة الأشخاص واضحة جيدة، وأسلوبها شبيه بالأسلوب الإنسكلوبيدي فهي تعريفات خفيفة تتناول ظواهر الأشخاص ولا تنفذ إلى ما وراءها.
كما يلاحظ أن القصائد المختارة سهلة قريبة التناول في (صورتها العربية) ولا أستطيع الحكم على الترجمة من حيث أداؤها للأصول الفرنسية (وهي ما يعول المؤلفان عليه) إذ لا علم لي بها. ولكنا نستطيع أن نقارن بين الترجمتين الشعرية والنثرية للقصائد التي ترجمها المؤلفان: شعراً ونثراً معاً. والمفهوم لي أن الترجمة النثرية أدنى إلى الأصل، فإن الناثر أكثر حرية وقدرة على التزام الأصل من الشاعر، إذ لا تتكاءده عقبات الوزن القافية التي تتكاءد الشاعر فتضطره في بعض المراحل أن يحيد عن الطريق قليلا أو كثيراً ويظهر أن الأمر مع المؤلفين كذلك.
وهذا مثال لم أتكلف في اختياره: فهو صدر القصيدة الأولى لأول الأعلام كما رتبوا في الكتاب وعنوان القصيدة (الوحدة) للمرتين، والمثال قد اجتمعت له ثلاث أوليات: والترجمتان للمؤلفين: قالا شعراً:
(أسرح الطرف في الوادي الذي انبسطت ... أمام عيني ووجداني مرائيه
والشمس تسبح نحو الغرب في طفل ... وقد جلست حزين الفكر عانيه
في ظل (صفصافة) أمست كهولتها ... تذرو الشجون على الوادي وما فيه
أرى هنا غالباً في وحدة عجب ... مشرداً وكأن القلب في تيه)
وقالا نثراً، والنثر والشعر يتقابلان، فهما ترجمة لشيء واحد:
غالباً. . . على الجبل. . . وفي ظلال بلوطة معمرة
أجلس ساهماً حزيناً والشمس في ساعة الغروب
أسرح الطرف هنا وهناك في رحاب الوادي
الذي انبسطت أمام عيني لوحاته المختلفة)
وهاك ترجمة نثرية أخرى لهذه الفقرة بقلم أستاذنا الكبير أحمد حسن الزيات:
(جلست محزون القلب مستطار
اللب على قلة الجبل وتحت ظل السنديانة
العتيقة، أشيع شمس النهار وهي تغرب
وأسرع بصري في وجوه السهل وهي تتغير:)
2 - شعراء وأدباء في جيش الفاروق
تأليف الأديب محمود عيسى الضابط بالجيش المصري
قرأت هذا الكتاب مغتبطاً فخوراً؛ فكاتبه ضابط بالجيش المصري الباسل، وسكرتير تحرير مجلته، وقد عرض في كتابه تراجم تسعة أدباء وشعراء من ضباط جيشنا الأحياء - متعهم الله بالعمر الطويل العريض - وأورد في تراجم بعضهم نبذاً من آثاره شعراً أو نثراً مع الإشارة إلى أعماله التأليفية. . وهذا الكتاب آية على اهتمام من ضباطنا بالشعر والأدب إلى جانب عنايتهم بالكتابة في فنون الحرب ورجالها ومعاركها قديماً وحديثاً.
ويظهر من فهرس كتب المؤلف المنشور في آخر كتابه هذا أنه غير (حديث عهد) بالتأليف، فله قبل هذا الكتاب عشرة غيره: منها ثلاثة قصصية وسبعة في قادة الحروب ومعاركها القديمة والحديثة وأدواتها، ومن هذه العشرة أيضاً سبعة استقل بتأليفها وثلاثة اشترك معه فيها البكباشي عبد الرحمن زكي أحد من ترجم لهم في هذا الكتاب.
وإذاً فلا علينا إذا لم نبذل من (المحاباة) في حساب مؤلف (قديم) كصاحب هذا الكتاب (كل) ما نلزم أنفسنا تقديمه منها للمبتدئين والشداة، ولا علينا أيضاً ألا نعده (ضيفاً) في جماعة المؤلفين بعد هذه الآثار الكثيرة مع أنه ليس مؤلفاً محترفاً كالمنقطعين للبحث في الحياة. هذا الكتاب يشتمل على إهداء وتعريف للناشر بالمؤلف وتسعة فصول في تسعة ضباط بجيشنا المصري: فأما الإهداء فإنه (إلى راعي السيف والقلم حضرة صاحب الجلالة الفاروق المعظم) ولا غرابة فهو عنوان ولاء من ضابط أديب لراعي سيفه وقلمه، والكتاب كله في تعريف (شعراء وأدباء في جيش الفاروق) كما كتب في العنوان.
وأما تعريف الناشر بالمؤلف فصفحة عنوانها (هو) وصف فيها المؤلف (شكلا) وكشفه (كشف نظر) وعرفه فيها بأنه اشتغل بالأدب في الرابعة عشرة من عمره، وأنه يقرض الشعر ويكتب القصص، وأنه في خلقه (مستقيم) ينأى بنفسه عن إغراء المرأة حتى استأثرت به أخيراً (قديسة) تراه يفنى في تقديسها فهو تعريف (تقريري) للقراء أن يفهموا منه ما يفهمون كما يفهمون. وأما المقدمة ففي الصلة بين الجندية والأدب وفيها يقرر المؤلف أن الجندي إنسان عاطف كسائر الناس لا وحش شغوف بالدماء، وأن القتال بغيش إليه حين يكون أداء الواجب، وأن الأدب والجندية لا يتنافران، وفي هذه المقدمة (صرخات في الهواء)، وإذ يحاول المؤلف فيها تزييف أوهام لا قرار لها في عقل يحسن قراءة الأدب.
وأما الفصول التسعة، فقد تحدث في كل منها بضابط من هؤلاء الضباط التسعة: اللواء عبد المنصف محمود باشا، والبكباشيين عبد الرحمن زكى، وعبد الحميد فهمي مرسى، ومحمد عبد الفتاح إبراهيم، والصاغين محمود محمد الشاذلي ويوسف السباعي، واليوزباشيين حسين ذو الفقار صبري وسيد فرج، والملازم الأول مصطفى بهجت بدوى، وهم على هذا الترتيب في الكتاب تبعاً لرتبهم العسكرية لا لشيء آخر مما يقدمه على سواه غير (الرسميين) في التقدير.
ويلاحظ بلا عناء أن المؤلف في هذه التراجم عامة (كثير السخاء) فيما يسبغه على مترجميه من (فضل ونبوغ)، وهو - مع هذا السخاء الكثير - لا يقدم للقارئ من آثار (إخوانه) ما يبرر (سخاءه الغامر) حتى يكون له من ذلك (بعض الشفاعة) عند من يحبون من القراء (المجاملات المعقولة) في حدود (العدل) فضلاً عن القراء المتزمتين الذين يبخلون بثقتهم حتى تقدم إليهم البراهين الناصعة الكافية على كل ما يطلب إليهم الثقة به من أحكام.
فالمؤلف في بعض التراجم يكتفي بالكلام في أخلاق المترجم وأطواره في المعيشة والجندية، ويسكت عن إيراد شئ من آثاره وهو في سائر التراجم يورد للمترجم (نماذج) ولكنها (متواضعة) غالباً، فإذا حاولنا تلمس السبب لم نجد أمامنا إلا فرضين: فإما أن لهؤلاء المترجمين (نماذج عالية)، ولكن المؤلف لم يحسن الاختيار، وإما أنه لم يجد لديهم نماذج خيراً مما ذكر، ولعل أول الغرضين أصح ولو في بعض التراجم لا كلها، ولقد اطلعنا على آثار بعضهم فقرأنا لهم نماذج خيراً مما وجدنا في هذا الكتاب ولا سيما اليوزباشي سيد فرج والبكباشي محمد عبد الفتاح إبراهيم.
قال المؤلف في مقدمة فصوله معرفاً بها: (هذه صورة سريعة التقطتها عدسة المصور لطائفة من الشعراء والأدباء الذين يحتويهم جيش الفاروق آثرنا أن نعرضها في هذا (الألبوم) دون (رتوش). . .). والحق أن في هذا التعريف كثيراً من الصدق فالتراجم (صور سريعة)، ولولا ذلك لكان من الممكن أن تكون الصور أبرز وأثبت، ولقد طبعت صور منها على (ورق نشاف)، فجاءت مضطربة الوضع، حائلة الألوان، مطموسة المعالم، وقد استعمل (المصور) في استكمال بعضها كل مهارته الفنية، وكل ما لديه من أدوات الزينة لوضع (الرتوش)، ومن أجل ذلك، ولحسن ظننا بالمصور القدير لا نزال ننتظر (إعادة) هذه الصور على حقيقتها بلا (رتوش) أو مع (رتوش) خفيفة لا تخفى الحقائق، فالغرض من التعبير التوضيح لا التعمية، ونطمع في إضافة (صور) جديدة توضع جميعاً في (ألبوم) جديد حتى تكون جديرة لوجه الحق بالتسجيل والحفظ، ومؤلفنا أو (مصورنا) أولى من يقوم بهذه المهمة، وما هى بالمهمة العسيرة على (مصور) مثله طال عهده (بالتصوير)، والله يوفقه إلى خدمة مليكه وإخوانه وبنى وطنه.
(القاهرة)
محمد خليفة التونسي