مجلة الرسالة/العدد 795/الأدب والفن في أسبوع
مجلة الرسالة/العدد 795/الأدب والفن في أسبوع
للأستاذ عباس خضر
حب الرافعي:
تلقيت في هذا الأسبوع خمسة أعداد من مجلة (الإحسان) التي أصدرتها في هذا العام الجمعية الخيرية الإسلامية بحلب وهي زاخرة بالموضوعات الأدبية والاجتماعية، يشرف على تحريرها الأستاذ حسنين حسن مخلوف المفتش بوزارة المعارف المصرية والمنتدب استاذاً بالكلية الإسلامية بحلب، وهو من الأدباء الذين يستهلكهم التعليم، وقد رأيت له بالعدد الثاني فصلا عنوانه (في مجلس الرافعي) أتى فيه على محادثة جرت بينه وبين الرافعي، افضى - أي الرافعي - اليه فيها أنه يحب الآنسة (مي) وأنها هي التي أوحت اليه ما كتب في فلسفة الحب والجمال. وذكر الأستاذ أنه قال للرافعي في هذه المحادثة: (أكبر ظني أنك قرأت كثيراً من الأدب الأوربي المترجم في الحب، وعرفت أنه كان سبباً في شهرة الأدب في العالم تصوير العواطف الإنسانية ممثلاً في المرأة، ولقد استفاض هذا الفن ممزوجاً بالفلسفة الاجتماعية التي سرها إيحاء المرأة؛ فأردت أن تحدث في اللغة العربية حدثاً جديراً لم يبرع فيه أحد في اللسان العربي على هذا النحو الأوربي العميق؛ فتعلقت بأذيال هذه الكاتبة الأدبية وكان بيتها منتدى يجتمع فيه العلماء والأدباء في مصر. حضرت مجلسها ثم شغلت بها نفسك لتكتب هذا النوع من أفانين العشق، وكتبت إليها وما بها بأس أن تكتب إليك، فطرت فرحاً بهذا الحب حتى تخيلته حباً خالصاً إليك وتفلسفت ما شئت في تصوير العواطف منها واليها) وقال الأستاذ مخلوف تعقيباً على ذلك: (وعز علي الرافعي أن أصور حبه على هذا النحو وأدور به في هذا المنحني، فلم يحدثني عن حبه بعد ذلك وكان يحدث به الناس).
ويظهر من ذلك أن الأستاذ مخلوف، وهو من تلاميذ الرافعي يرمي إلى إبداء رأى في حب الرافعي، فيقول بأنه حب مصنوع يقصد منه إلى إحداث لون من الإنتاج الأدبي.
وكان على مقربة مني وأنا أقرأ مقال الأستاذ مخلوف، صديقي الأستاذ كامل محمود حبيب، وهو ايضاً من تلاميذ الرافعي، فدفعت اليه المجلة، وقرأ المقال، ثم نظر إلى ونظرت اليه وأنا أتوقع معارضته لرأي الأستاذ مخلوف، وإذا هو يضيف شيئاً آخر، قال: لقد ك الرافعي متديناً شديد التمسك بالدين، وكان يشعر من هذا بجفاف قلبه، فأراد أن يرقق قلبه بالحب، وأن يرقق أسلوبه بقراءة القصة الحديثة (الطويلة والقصيرة) وأراد أن يشعر الناس بهذه الرقة بالكتابة في الحب على أسلوب فحسب، بل كذلك في اللغة، إذ كانت تظهر على أسلوبه المسحة الإسلامية المستمدة من القرآن الكريم والحديث الشريف.
هذان رأيان في حب الرافعي لتلميذين من تلاميذه، والرأيان - كما يرى - يتجهان إلى غاية واحدة، هي أن الرافعي لم يكن صادق الحب. ولمن شاء بعد ذلك أن يقول إن ما كتب الرافعي في تصوير العواطف وفلسفة الحب والجمال، ينقصه (الصدق الفني).
فهل عند أحد من سائر تلاميذ الرافعي شيء في هذا الموضوع؟. . .
مجلة الإذاعة:
قالت مجلة الإذاعة المصرية: (يدور البحث في دور الإذاعة العالمية وفي الإذاعة المصرية في هذه الأيام حول سؤال على طرافته خطير نطرحه على مستمعينا ليشتركوا معنا في دراسته وتبين وجه الحق فيه: هل تكون مهمة الإذاعة مجاراة ميول الجمهور أم رفع مستوى الذوق العام؟) ثم قالت إن قسم الرغبات بدار الإذاعة المصرية مفتوح الباب لما يقول المستمعون في هذا الشأن.
وأقول إن هذا البحث لا يحل مشكلة إذاعتنا، لأنها ليست ناشئة من مجاراة الإذاعة لميول الجمهور أو من عملها على رفع مستوى الذوق العام، ولو كان الأمر كذلك لرضى عنها الجمهور إن كانت تجارية، أو رضى عنها المثقفون إن كانت مرتفعة عن ذوق الجمهور. والواقع أنها لا ترضى عامة الجمهور فيما تزعم أنها تقدمه ملائماً لهم، ولا تنال رضا الخاصة بما تزعم أيضا أنه للخواص.
إن القائمين بأمر الإذاعة ليسوا من ذوي الأختصاص، وأكثرهم محمول عليها من المهن الأخرى، ويلي مناصب هامة فيها من وصل إليها بغير الكفاية، والعناصر القليلة الصالحة فيها هم بعض الشباب الذين ليس بيدهم شيء من القيادة وأكثرهم الذين تقدمهم الإذاعة يعرفون الطريق إلى توثيق صلاتهم بأولئك المشرفين؛ ومثال هذا العلاقة بين مؤلفي التمثيليات والبرامج الخاصة وبين المخرجين، فالأولون من خارج الإذاعة، والآخرون من موظفيها. ويعرف المؤلف أن (جواز) مؤلفه أن يخرجه فلان أو يقال إنه أخرجه. وينشأ من كل ذلك تقديم غير الصالح على الصالح والتكرير الذي يمل من الحسن ويزيد السخيف سخفاً.
تلك هي العلة الحقيقية في إذاعتنا المصرية، وهي ما يجب أن يعالج اولاً. أما مسألة النزول إلى مستوى الجمهور أو رفع الذوق العام، فتأتي في المرتبة الثانية. على أن هذه المسألة إن كانت تبحثها إذاعات البلاد المتقدمة في الثقافة والتعليم فلأن لها عندهم موضوعاً، لأنهم يتجاذبون الرأي بين مسايرة الجمهور في ثقافته العادية وبين الارتفاع إلى مستوى ذوي الثقافات العليا، أما عندنا فالجمهور عامي والغالبية أمية، فهل تكون مهمة الإذاعة (الدردشة) مع العامة والإبقاء على انخفاض الذوق العام. . .؟
ذكرى سيد درويش:
كان يوم الأربعاء 15 سبتمبر الحالي يوم ذكرى الموسيقى المصري الخالد سيد درويش، وقد مضى على وفاته ربع قرن فأحتفى بهذه الذكرى معهد الموسيقى الشرقي بالإسكندرية إذ أقام في مساء الأربعاء حفلة نقلتها الإذاعة إلى المستمعين. وذد كان من حسنات هذه الحفلة ما تضمنته من قطع غنائية وموسيقية من فن سيد درويش، فكانت خير تحية لذكراه وأفصح دليل على استحقاقه الخلود، وإن قصر القائلون في ذكراه فقد وفى نفسه بنفسه.
لقد جعل سيد درويش الموسيقى والغناء فناً معبراً مصوراً له موضوع، بعد أن كان مجرد أصوات للتطريب، واستوحى الببئة وعبر عنها وارتفع بذوقها. وأحس إحساس الفرد الممتاز بالآم الجماعة وآمالها فجمع في الهتاف بها بين القوة والجمال، وأثبت بعبقريته الفذة أن الفن الحقيقي هو الذي يحيي النفوس وهو يمتعها.
لقد ردد القائلون والكاتبون في ذكرى سيد درويش مآثره وأعماله فقالوا إنه أذكى الثورة سنة 1919 بأناشيده وألحانه، وإنه أدى على المسرح تمثيليات موسيقية كان لها أثر في الوعي القومي والتوجيه الوطني. ونحن الآن نسمع ذلك ونتلمس في حاضرنا ما يشبهه، فنأسى للرجوع إلى مجرد التسلية والتلهية، وانحصار التجديد في تصوير المشاعر المترفة.
ثلاثة عبروا عن الشعب وخاطبوه فأثروا فيه: سيد درويش في الموسيقى، وحافظ إبراهيم في الشعر، والمنفلوطي في الكتابة، وقد عاشوا جميعاً في الربع الأول من هذا القرن، أوائل في منحاهم ولم يتكرروا.
عاشوا بأدبهم وفنهم مع الشعب، أخذوا منه موضوعاتهم، ولم يبعدوا عنه بالأداء، بل جذبوه بالطلاوة والسهولة، والروح التي يشعر بها ويجدها فيهم. لم يترفعوا عليه، ولم يبتذلوا بالنزول إليه.
وحظ الوطن بأولئك الثلاثة وإن كان كبير القيمة إلا أنه قليل العدد، لأنهم ثلاثة من عشرات الأدباء والفنانين البارزين، وهذا مع حاجة الوطن إلى ما يلائم العصر من لون إنتاجهم الديمقراطي في الأدب والفن.
شهر اليونسكو:
أشرت في الأسبوع الماضي إلى الخطة التي وضعتها اللجنة الثقافية لجامعة الدول العربية لتنظيم مظاهر النشاط الثقافي والعلمي والأدبي والفني في خلال المدة التي يجتمع فيها مؤتمر اليونسكو ببيروت والتي يطلق عليها (شهر اليونسكو).
وأذكر اليوم أهم مقترحات اللجنة التي ألفت لتنظيم شهر اليونسكو، وقد تمت الموافقة عليها:
تدعو اللجنة الثقافية جميع الحكومات العربية لمشاركة لبنان في تنظيم المعارض والحفلات الفنية وسواها من المظاهر الفكرية والثقافية التي ستقام في بيروت أثناء أنعقاد مؤتمر اليونسكو بها. وتعد الحكومة اللبنانية معرضاً علمياً يمكن نقله بعد أنتهاء المؤتمر إلى أي بلد عربي يرغب في ذلك. ويقام معرض تشترك فيه جميع الدول العربية يقسم إلى ثلاثة أجنحة، جناح للتربية، وجناح للفنون، وجناح للمطبوعات والمخطوطات والصحافة العربية.
وتنظم الحكومة اللبنانية سلسلة من ثماني محاضرات تلقى بالفرنسية أو الإنجليزية؛ وتختار - إذا أمكن - محاضرين عن كل قطر عربي بالاتفاق بينها وبين الحكومات لموضوعي الحضارة العربية، والنهضة الحديثة في الشرق العربي.
وتقرر إحياء ليلتين عربيتين بالموسيقى والغناء والرقص، تحيي لبنان واحدة، وتشترك البلدان العربية في إحياء الثانية. وتنظم الحكومة المصرية حفلة مسرحية، وتعرض بعض الأفلام العربية الجيدة التي تصور مظاهر الحياة العامة في الشرق العربي. وطلبت الحكومة اللبنانية بوساطة اليونسكو بعض الأفلام العلمية والتربوية والثقافية من أوربا وأمريكا.
ذكرى ابن سينا:
وقد تقر أيضاً في أجتماع اللجنة الثقافية بلبنان، أن يحتفل بمرور ألف سنة على مولد ابن سينا. وتتخذ لذلك الوسائل الآتية:
1 - حصر مؤلفات ابن سينا ورسائله الموجودة في مكتبات مصر والأقطار العربية الأخرى وتركيا وإيران وبلاد الغرب. ثم تقوم الإدارة الثقافية للجامعة العربية بأخذ صور فوتوغرافية لها، فإن تعددت النسخ أخذت صورة أحسنها، فإذا أجتمع للإدارة الثقافية صور المخطوطات غير المطبوعة من مؤلفات ابن سينا، استخرجت منها نسخاً بعدد الأقطار العربية والتركية والإيرانية وأهدت إلى كل قطر مجموعة منها تودع خزائن خاصة في دور كتبه تخليداً لذكر ابن سينا وإظهار لعظمته.
2 - تعهد الإدارة الثقافية إلى لجنة من المختصين، بنشر آثار ابن سينا نشراً علمياً.
3 - تعهد الإدارة الثقافية إلى لجنة مختارة، بفحص خير الأبحاث التي كتبت عن ابن سينا في اللغات العربية والفارسية والتركية واللغات الغربية، وترجمة ما لبس بعربي منها إلى العربية وجمعها في كتاب تنشره الإدارة الثقافية.
4 - إعداد مهرجان عربي يقام في إحدى عواصم الدول العربية، ويعد له باستكتاب المختصين أبحاثاً عن حياة ابن سينا وآثاره، ويلقى بعض هذه الأبحاث في المهرجان ثم تجمع وتطبع وقد رؤى أن أليق العواصم لهذا المهرجان بغداد، فاستقر الرأي على إقامته فيها.
5 - إنشاء مؤسسة تذكارية علمية تخلد ذكرى ابن سينا في الطب والفلك وغيرهما من العلوم وتنشط الحركة العلمية العربية المعاصرة.
6 - إقامة معرض في المهرجان تعرض فيه آثار ابن سينا المطبوعة والمخطوطة لهذه المناسبة.
من طرف المجالس:
نحن اليوم في جلسة نسائية بين مطربة بيرة وسيدة أخرى قالت الأولى للثانية وقد خلا المجلس إلا منهما: - من هذه الست المكتئبة المتشحة بالسواد؟
- هذه الست فلانة. مسكينة. . . . كانت متزوجة أحد القضاة ومات، وتزوجت فلان بك ومات، تزوجت. . . فقاطعتها مكملة: مات! ثم تمصصت شفتيها وقالت: كل من عليها فان.
عباس خضر.