مجلة الرسالة/العدد 795/من الأقاصيص القصيرة:

مجلة الرسالة/العدد 795/من الأقاصيص القصيرة:

مجلة الرسالة - العدد 795
من الأقاصيص القصيرة:
ملاحظات: بتاريخ: 27 - 09 - 1948



الخوخ

للكاتب الروسي تولستوي

لما فرغ القروي (تيكو كوزميت) من جولته في المدينة، قفل راجعاً إلى منزله يحمل في إحدى يديه صرة صغيرة. فلما بلغ إلى صحن الدار نادى أولاده ثم قال لهم:

- انظروا يا أطفال ماذا بعث العم (إفريم) إليكم.!

فهرول الصغار إليه ثم توسطوه، بينما كان - هو - منصرفاً إلى فض الصرة لإخراج محتوياتها؛ فلما تم له ذلك، صاح (فانياُ) - وهو طفل صغير في نحو السادسة من عمره:

- تأملي يا أمي التفاح الجميل، كم هو رائع في احمراره!

فعقب (سيرج) - الابن الأكبر - على الفور:

-. . . بعيد عن الظن أن يكون هذا تفاحاً يا (فانيا)؛ جرب أن تتحسس ملمسه. . . ألا ترى له أثر ملمس زغب الدجاج في يدك! عندئذ قال الأب:

- إنه ليس تفاحاً يا ولدي. . . إنه فاكهة تسمى (الخوخ) أعتقد أنه لم يسبق لكم أن رأيتموها من قبل! إليك يا امرأة أكبر الخوخات؛ أما هذه الأربع، فأنها لكم يا أولادي!

وفي المساء، سأل (تيكو) أبناءه جميعاً كيف وجدوا الفاكهة الجديدة فأجاب (سيرج)، الابن الأكبر:

- لقد وجدتها سائغة المذاق جداً يا أبت، حتى لقد أزمعت غرس نواتها في آنية، لعلها أن تنمو وتثمر يوماً. . . وتصبح شجرة خوخ جميلة، تدر علي - في سخاء - مثل هذه الخوخات المستحبات! فتبسم الأب ثم قال:

- ربما كنت (يا سيرج) في قابل أيامك زرعاً كبيراً!

وقال الصغير (فانيا): أما أنا يا أبت، فقد وجدتها بالغة اللذة، فارطة الحلاوة، حتى لقد طلبت إلى أمي أن تعطيني نصف خوختها! أما النواة، فقد ألقيت بها! فهز الوالد رأسه ثم قال:

- إنك ما زلت بعد غريرا يا صغيري!

وقال الأبن الثاني فازيلي):

-. . . لما ألقى (فانيا) بالنواة. . . سارعت فالتقطتها، وقد وجدتها شديدة الصلابة، ولك لم أيأس. . . وعالجت كسرها حتى أفلحت في ذلك أخيراً، وكم كان اغتباطي عظيماً يا والدي، إذ ألقيت داخلها لوزة لها مذاق البندقة! أما خوختي، فقد تدبرت أمرها برهة، ثم اخترت أن أبيعها على أن آكلها، مجتزءاً باللوزة الظريفة. . . . مأكولاً لذيذاً!

فضحك الأب ملياً لمقالة (فازيلي) ثم قال:

- إن الوقت لم يحن بعد لتبدأ أعمال التجارة يا فازيلي!

- أتراك تستعجل امتهان الحرفة التي تؤثر يا صديقي!؟

خيم الصمت برهة، ألفت بعدها (تيكو) إلى (فولوديا) - أبنه الثالث - ثم قال مستغرباً:

-. . . وأنت يا (فولوديا). . . لم تحدثنا كيف وجدت مذاق خوختك!؟

-. . . لا أدري يا والدي!

- لا تدري! كيف؟ إنك لم تأكل واحدتك إذن؟ فأجاب (فولوديا): لقد حملتها إلى (جوشا) إذ علمت أنه مريض طريح الفراش؛ فلما دخلت عليه، وجلست إلى جواره، لم يفعل سوى أن ظل يتأمل الخوخة معجباً، فعرضت عليه أن يأخذها، لعلها أن تعجل شفاءه، بيد أنه رفض. . . ورفض في إصرار؛ فلم أجد حيلة لفسره على أخذها، إلا أن أتركها، وأنا - منصرف من عيادته - على نضد صغير متاخم لوسادة الرأس في فراشه. وقد وضعتها ثمة. . . في رفق، ودون أن يشعر؛ ثم حييته انصرفت. .!

عندئذ جاش صدر الأب تأثراً لهذه العاطفة الكريمة، وقال في نبرة ناعمة حانية وهو يربت على كتف أبنه:

- إنك يا (فولوديا) كملك رقيق الحس. . . . نبيل المشاعر.!

عبد العزيز الكرداني.