مجلة الرسالة/العدد 797/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 797/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 10 - 1948



اصطلاحات فنية:

في افتتاحية الرسالة (ع 795)، عبر الأستاذالجليل الزيات عن ألـ بـ (اليبرْشية)؛ ولقد كنا نؤثر لو أن الأستاذ الكبير أصطفى لفظ (الرئاسية) ترجمة لهذا الاصطلاح الفني، متمشياً في ذلك مع فقهاء القانون المصرين الأعلام. .

وفي اعتقادنا أنه لفظ مناسب تماماً لمفهوم الـ أجمله الأستاذ في هذه الكلمات: (النظام الإداري الذي يقضي بتدرج المناصب في العمال والأعمال والتبعات، فيبدأ الأمر بالأصغر فالصغير، ثم ينتهي إلى الكبير فالأكبر).

ولقد يكون من المفيد - في هذا المجال - أن نشير إلى أن هذه (الرئاسية) هي اسلوب النظام الإداري الموسوم بالمركزية وهو نظام بمقتضاه تنعقد السلطة الإدارية بيد الحكومة المركزية، بينما لا يصير لما عداها من الهيئات والشخوص المعنوية الإقليمية أو المصلحية، سلطة جوهرية محسوسة الأثر بالقياس إلى سلطانها الواسع الكبير.

وعلى العكس من ذلك نظام (اللامركزية) الذي يتضمن أقتطاع (بعض) من هذه السلطة - بداءة -، وفي حدود رقابة خاصة - بمباشرة وظيفتها الإدارية الإقليمية أو المصلحية.

وإذا كان الشىء بالشىء يذكر - كما يقولون - فقد يجمل بنا التنبيه إلى (لَبْسِ) تقع فيه الصحف هذه الايام، حين تعبر عن النظام الإداري القائم الآن بوزارة المعارف المصرية - وأعني به (اللا وزارية) بـ (اللامركزية)

وهو (لْبسُ) أدى إليه الأعتقاد - خطأ - بأن ترك المراقبين والمفتشين ونظار المدارس ومن إليهم من الرؤساء الإداريين بالأقاليم، يبتون نهائياً - في بعض أحوال خاصة - في شئون وظيفتهم الإدارية، دون الرجوع في ذلك إلى مكاتب وزارتهم القائمة بالعاصمة. . . يعني أن الأسلوب المختار في الإدارة في وزارة المعارف المصرية هو الأسلوب اللا مركزي

وقد فات هذه الصحف، أن الشرط الأساسي والجوهري لقيام (اللامركزية)، هو أن تستمد الهيئات الإقليمية سلطاتها المحلية من طريق الانتخاب لا التعيين، وأن يكون الانتخاب - غالباً على الأقل - في تكوين الهيئات. فأين هذا من النظام القائم الآن في هذه الوزارة، والذي لا يعدو أن يكون (صورة مخففة) من المركزية المطلقة (الوزارية يطلق عليها - أي على هذه الصورة المخففة - في الاصطلاح الفني لفظ: (اللا

وهكذا يتضح من هذا البيان أن النظام المعمول به اليوم في وزارة المعارف المصرية، هو نظام مركزي في صورة مخففة (لا وزارية)؛ وعلى ذلك. . . فمن الخطأ - فنياً - إدماجه في دائرة اللامركزية.

عبد العزيز الكرداني

(الرسالة) آثرنا كلمة الييررشية كما آثر من قبلنا كلمات

الديمقراطية والأرستقراطية والتيوقراطية الخ. . لأن كلمة

الرياسة وأشباهها لا يؤدي المعنى الكامل الرفيق للفظ الأجنبي

إلا بقوة الوضع وكثرة الاستعمال وطول الزمن.

يدعو إلى الإسلام

ورد لي خطاب عن يد مجلة الرسالة من الأديب أحمد عادل يثني فيه عليّ لما أكتبه في الرسالة عن الصهيونية وفلسطين ثم يدعوني إلى الاسلام، فأشكر له هذه الدعوة لأنه طبعاً يريد بها لي الخير. ولكنني عجبت من أنه يختصني بهذه الدعوة، وفي البشر نحو 1500 مليون نسمة ليسوا مسلمين فهم ايضاً خليقون بدعوته. فهل يظنني حضرته ملحداً أو وثنياً؟ لا. يا عزيزي. إن لي ديناً لا يقل عن الإسلام في فضائله. دع ما يلابسه في بعض الأحوال والأزمان من ترهات رجاله، كما يلابس كثيراً من عقائد البشر. في أمريكا طائفة نصرانية يقال لذويها (الموحدون) فهي تنبذ من المسيحية كل ما هو غير معقول كالتثليث والمعمودية الخ. . ويعتنقها جلة أهل العلم والفضل وتتمسك بتعاليم المسيح التي تصلح لكل امة من ملل العالم كقوله: أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى من اساء إليكم. أغفروا للمذنبين إليكم الخ. ربما قابلها في القرآن الشريف ما في سورة (فصّلت).

فإنا إلى حد ما، من هذه الطائفة. وقد جمعت عقيدتي في مطلع قصيدة للشيخ نصيف البازجي في كتابه مجمع البحرين: الحمد لله الصمد ... حال السرور والكمد

الله لا إله إلا ... الله مولاك الأحد

لا أمّ للهِ ولا ... والدُ له ولا ولد

أول كل أول ... أصل الأصول والعمد

الحول والطول له ... لا درع إلا ما سرد

إلى آخرها كلها من هذا الطراز العاطل (لا نقط في حروفه) والاستاذ أحمد عادل بارك الله فبه يحثني على قراءة القرآن الكريم. فليعلم أن عندي مصحفين. وقد قرأت القرآن كله وقرأت بعض سوره مراراً. وأومن بكل فضائله ومحامده، ولكنني لا أرى لماذا أنادي باعتناقي الإسلام ولي من العقيدة الدينية العالمة ما أتمنى أن يكون لملايين غيري حتى لجانب من المسلمين أنفسهم. وربما كنت أقرب إلى الإسلام من كثيرين من المسلمين. فليطمئن أخونا أحمد أني لست بعيداً عنه لا كثيراً ولا قليلا. اللهم إذا كان أعتقاده نظيفاً من الخرافات والترهات

بقيت بعض نقط أخرى في كتابه لا محل لها في الرسالة فإذا أنبأني بعنوانه كاتيته بها.

نقولا الحداد

حول حب الرافعي:

قرأت في العدد من (الرسالة) كلمة بسط قائلها فيها رأيي الأستاذتين حسنين مخلوف وكامل محمود حبيب في حب الرافعي.

والرأيان يرميان إلى أن حب الرافعي لم يكن صادقاً - كما قال صاحب الكلمة - وليس في هذين الرأيين جديد، فقد قرأنا من قبل رأي تلميذ من تلاميذ الرافعي لعله أقربهم إليه وهو الأستاذ محمد سعيد العريان، وقد أورد رأيه هذا في كتابه عن الرافعي فقال: (إن الحب عند الناس هو حيلة الحياة لإيجاد النوع. ولكنه عند الرافعي هو حيلة النفس إلى السمو والإشراق والوصول إلى الشاطئ المجهول. . . هو مادة الشعر وجلاء الخاطر وصقال النفس وينبوع الرحمة وأداة البيان. . . كذلك كان الحب عند الرافعي، ولذلك كان يحب). . .

ويقول بعد هذا بقليل. (وبلغ الرافعي (بعصفورة) إلى غايته وأشتهر شاعر الحسن) وترنم العشاق بشعره وما بلغت عصفورة إلى غايتها، ثم مضى كل منهما إلى طريق، وأتم الرافعي طبع ديوانه، وكما ينتهي الحب الذي هو حيلة الحياة لإيجاد النوع إلى الزواج أو الغاية الأخرى، ثم يبدأ في تاريخ جديد، كذلك أنتهى حب الرافعي وعصفورة وأنجب ثمرته الشعرية، ثم كان تاريخ جديد. . .

وعلى مثال هذا الحب كم كانت له حبيبات، وكم أنجبت ثمرات، وإنه ليخيل إلي أن الرافعي كان كلما أحس حاجة إلى الحب راح يفتش عن (واحدة) يقول لها: تعالي نتحاب لأن في نفسي شعراً أود أن أنظمه أو رسالة في الحب أريد أن أكتبها! ولقد سمعته مرة يقول لإحداهن. . . وسمعت إحداهن مرة تقول له: متى أراني في مجلسك مرة لتكتب عني رسالة في (ورقة ورد)؟.

ويتضح من هذا أن الرافعي - رحمه الله - كان يبحث عن الشعر والفن في الحب، فالحب عنده وسيلة إلى تصوير عواطفه، وتسجيل خواطره، فلم يكن الرافعي يبحث عن الحب نفسه، وإنما لغاية فيه.

على أن هذا لا يمنع أن يكون الرافعي قد أحب حباً صادقاً إحدى هؤلاء اللائي كتب عنهن، فلا نحكم حينئذ جملة بأن حب الرافعي كان مصنوعاً كله. ويؤيد هذا كلمة قالها الأستاذ العريان في (حياة الرافعي): (. . . وسعي إلى الحب أول ما سعى على رجليه، منطلقاً بإرادته ليبحث في الحب عن ينبوع الشعر، فلما بلغ أغلق الباب دونه، فظل يرسف في أغلاله سنين لا يستطيع الفكاك من أسر الحب).

وإذن فقد أحب الرافعي، وظل يرسف فلال الحب سنين طويلة. . فلا يمكن بعد هذا أن يقال إن كل ما كتبه الرافعي في فلسفة الحب والجمال شعراً أم نثراً غير صادر عن عاطفة صادقة وحب خالص.

ولا حاجة بنا ايضاً إلى سؤال تلاميذ الرافعي أو غيرهم عن توفر (الصدق الفني) فيما كتب أم عدم توفره.

حسن صادق حميدان