مجلة الرسالة/العدد 798/الأدب والفن في اسبوع

مجلة الرسالة/العدد 798/الأدب والفن في اسبوع

ملاحظات: بتاريخ: 18 - 10 - 1948



للأستاذ عباس خضر

حب الرافعي:

عزيزي الأستاذ عباس خضر:

قرأت كلماتك في العدد 795 من (حب الرافعي) وما كتبه في إحى المجلات السورية حول هذا الموضوع صديقنا الأستاذ حسنين مخلوف (الأديب الذي استهلكه التعليم)، وما عقب به صديقنا أيضا. . . الأستاذ كامل محمود حبيب (الأديب الذي استهلكته الوظيفة) وما علقت على ذينك الرأيين، أو ذلك الرأي الواحد المعروض على القراء في صورتين؛ ثم سؤالك من بعد: (هل عند أحد من سائر تلاميذ الرافعي شئ في هذا الموضوع)؟.

وقد فهمت من سؤالك هذا يا صديقي أنك تعتبني، ولعل هذا ما فهمه أكثر قرائك أيضا. . . فلولا أنني مشغول الآن بما يكاد (يستهلكني) أنا أيضا من أسباب الدفاع عن حريتي في الفن، وعما ينالني به بعض أهل الأدب من أسباب الكيد - لرأيتني سريعاً إلى جوابك، ولكنه موضوع لم يفت أوانه على كل حال. . .

أما أن الرافعي كان يحب (مى) صدرا من كهولته وإلى آخر عمره، فشئ لا أنكره ولا شك فيه، وليس ينكره أو يوشك فيه الصديقان الأدبيان مخلوف وحبيب، ولكن الذي ينكرانه أو يشكان فيه هو (ما هية هذا الحب) هل كان حباعقلياً، أو حبا فنياً، أو حباً إنسانياً، أو حب كل رجل لكل امرأة. . .!

هذه هي القضية كما عرضها الصديقان فيما رويت عنهما؛ وليس أمرا ذا بال - والمسألة بهذا الوضع - أن أخالفها أو أوافقها؛ فإن المخالفة أو الموافقة في (الرأي) لا تمحو حقا ولا تثبت باطلا، وإنما يمحو ويثبت أن تختلف (الرواية) وأنا قد (رويت) أن الرافعي كان يحب (مي) وقد (رويا) مثلي هذه الرواية، ولكنها بعد ذلك تناولا الأمر على نحو فلسفي، فراح كل منهما يصف هذا الحب في رأيه ويحاول استكناه حقيقته، فزعما أن حب الرافعي لمي لم يكن حباً انفعالياً، بل كان حبا إراديا يقصد إلى هدف وغاية. . . وهو نحو من التعليل قد يكون موفقا، وقد يكون التعليل الصحيح غيره؛ فهذه قضية سيكولوجية وفنيه يحتاج بحثها والفصل فيها إلى مقدمات، وإلى دراسة نفسية مقعدة تستند إلى أسانيد من (الرواية) وإلى خبرة عملية في الحب. . . واسمح لي أن استخدم هذا التعبير. . .

وأنا قد حرصت منذ أول يوم حاولت فيه تأريخ الرافعي أن أكون (راوية). . . رواية فحسب، لا فراراً من تبعة الرأي، بل مبالغة في التجرد عند تأريخ حياة لم يزل صداها يرن في أذني وأنفاسها تعبق في جوى؛ ولكني مع هذا الحرص على التجرد الخالص لم أدع شاردة ولا واردة من ذكرياتي، أو من مذكراتي، عن حياة الرافعي، إلا ذكرتها؛ لتكون مقدمات الحكم ماثلة تحت عيون الباحثين من أهل الأدب حين تتقادم السنون ويصير الرافعي تاريخا خالصاً لا تخلتط به أصداء الذكريات الحية في نفوس بعض الذين عاصروه أو استمعوا إلى حديثه أو اتصلوا بحياته من قريب أو من بعيد، وستجد يا صديقي في الفصل الطويل الذي تحدثت فيه عن (حب الرافعي) من كتاب (حياة الرافعي) من أسباب العلم بهذه (الحادثة) ما يهئ لك أن تحكم وأن تكون في هذه القضية صاحب رأي.

أما (رأيي) أنا؛ فأني حتى اليوم - وقد مضى على وفاة الرافعي - أحد عشر عاماً وأشهر - ما أزال أشعر أني منه قريب قريب بحيث لا يتهيأ لي أن أكون في قضية من قضاياه صاحب رأي مجرد. . .

ولكن ما أزال مع ذلك أصر على أن الرافعي - رحمه الله - كان يحب مي صدراً من كهولته وإلى آخر عمره، حبا ما. . . وأنها أحبته ذات يوم. . . حباً ما؛ ولكن حبها إياه قد انتهى قبل أن ينتهي حبه، أعني قبل أن ينتهي عمره!

والسلام عليك.

محمد سعيد العريان

هذا ما تفضل بكتابته إلى صديقي الكبير الأستاذ محمد سعيد العريان، وحقا كنت أعنيه، فهو مؤلف (حياة الرافعي) ولكني كنت أطمع أن يبدي رأيه من حيث كتابة الرافعي في الحب ودلالتها على صدق العاطفة أو عدم صدقها، مع الملابسات الواقعية التي يعرف دقائقها، ولكنه آثر التجرد. . . وأود أن تتاح الفرصة ليتجرد من هذا التجرد ويكتب (أدب الرافعي) الذي لا بد أن يتضمن فصلا في حب الرافعي، وعندئذ لا يستطيع أن يتجرد من الخبرة العملية في الحب. . .

أبن الأديب الحر؟: أثار الأستاذ إبراهيم على أبو الخشب، مسألة الأديب الموظف والأديب الحر، فعبر عن الأول بأنه (يتحتم عليه أن يكون أدبه في حدود اللون الذي تتلون به الوزارة القائمة) واتخذ الأستاذ الزيات مثلا للكاتب الذي يستشعر الحرية فيما يكتب.

وأقول أولا إن المثل لابد له من أمثال، وأستاذنا الزيات له ظروف خاصة ليس لأحد مثلها، هياها وبلغها بجهده وقلمه، وأصبح قلمه بهذه الظروف محررا مما يقيد الأقلام، فهو لذلك لا يصلح مثالا. وإذا تجازناه فإننا نبحث عن الأديب الحر بمصباح ديوجين. . . سواء أكان موظفا في الحكومة أم غير موظف، فإين هو. .؟

إن الأدباء غير الموظفين - إي اللذين كان ينبغي أن يكونوا أحرارا - تتقاسمهم شتى القيود، فمنهم المقيد بالسياسة الحزبية، ومنهم من يؤثر المنافع التي يملكها أصحاب السلطة فيكتب لهم ويغضي عنهم، ومنهم من يحكمه لوه من الصحافة يدر عليه الرزق الوفير. . . وهذا هو فلان الأديب الكبير الذي ترك الحكومة ليكون حرا في عالم الكتابة. . . هل صار حراً؟ كان الله في عونه، ويسر له الرجوع إلى الوظيفة، ليخرج في ظلها الفن المصفى الذي كان يخرجه.

ثم انظر في انتاج الأدباء غير الموظفين وفيما يكتب الكتاب الأحرار. . أترى فيه شيئا - فيما عدا السياسة الحزبية - كان يمكن أن تمنع وظيفة حكومية من حيث التحرر التقيد، وأين هو الأديب الذي أدى رسالة لا تتفق مع قيود الوظيفة الحكومية؟ قد يكون هناك من آثر الصحافة مثلا على العمل الحكومي، استجابة لميل شديد إلى الصحافة أو رغبة في ريح مادي منها، أو للعمل مع حزب من الأحزاب، أو إباء تحكم الرؤساء؛ ولكن من هو الذي رغب عن الوظيفة للحرية الأدبية فكان أدبيا حراً؟ ولعلنا نخلص من كل ذلك إلى قضية جديرة بالنظر، وهي: هل فيما وراء أدبنا مجال وقف الأدباء عند شاطئه متهيبيين أو عاجزين، أو إنه ليس في الإمكان أبدع مما كان؟

من أخطاء الإذاعة:

أخطاء المذيعين في اللغة وفي غير اللغة، لاأول لها ولا آخر، وهذا مما يؤسف له أشد الأسف، لأن الإذاعة لسان مصر الناطق حقا لا مجاز فيه، فلايليق أن يلحن هذا اللسان في نطقه ويهلهل لغة البلاد، ولا يليق أن يكون مدى علم المذيعين بشئون الأدب والثقافة ما يدل عليه خبطهم في هذه الشئون خبط عشواء. . . ولكن أي شئ لائق في الإذاعة؟

وكثيرا ما أتذرع بالصبر حيال تلك الأخطاء، ولكن الذي لم استطع الصبر عليه حذلقة بعض المذيعين والمذيعات بقولهم بعد انتهاء جزء من البرنامج: (سمعتم في هذه الربع ساعة كذا) ويظهر أنهم مفتنونون بهذا التعبير افتنانهم بإعلان أسمائهم مقرونة بإخراج البرامج والتمثيليات. . يظهر أنهم يستلحون ذلك التعبير فيكررونه ويتناقلونه مزهوين به كأنه (ذيل الذئب) الذي تنسب البطولة إلى من يأتي به. . ولا يدرون أنهم يصكون به أسماع أهل الذوق العربي السليم. وآخر ما سمعته كانت تنطق به مذيعة تجتهد أن تعرب في أكثر الأحيان، وتلحن أحيانا. . قالت: (سمعتم في هذه الربع ساعة تقاسيم على الكمان من حضرة صاحب العزة مصطفى بك رضا) وقد أوقعها التقليد في هذا الخطأ وإن كانت تحرص على الصواب، ولذلك أصححه لها هكذا: (سمعتم في هذا الربع الساعة) أو (سمعتم في ربع الساعة الماضية) والأحسن أن تدع هذه الحذلقة كلها وتقول: (سمعتم كذا) وتخلص نفسها نن هذه الوطة، وتخلص صوتها الرقيق من تلك الشائبة. أما المذيعون (الخناشير) فليخطبوا كما يخطبون. .

ومن أخطاء المذيعين التي لا حصر لها، نسبة الأغنيات إلى غير قائلها، فما لعلي طه ينسب إلى محمود حسن إسماعيل، وتصور ما لإيليا أبو ماضي مثلا ينسب إلى محمد الأسمر!

وأشنع ما سمعت من هذا القبيل أن قدم أحد المذيعين أغنية لأم كلثوم من شعر شوقي فقال إنها من تأليف (محمد شوقي بك)! ولا أظن هذا المذيع يخطئ في اسم (محمود شكوكو) كما يخطئ في اسم أمير الشعراء.

ومن أخطاء الإذاعة في تنظيم البرنامج، هذه الأناشيد الحماسية التي تلقيها الأصوات المزعجة في منتصف الليل أو قبيله، فهل يطلب من المستمعين أن يأخذوا قسطهم من الحماس قبل النوم؟! وعلى من بكر منهم في النوم أن يهب مذعورا على صوت راديوا الجيران او القهوة المجاورة، ليأخذ نصيبه من ذلك الحماس! وعلى هؤلاء وأولئك أن يكونوا جميعا وطنين متحمسين في أحلامهم طول الليل. .

افتتاح دورة المجمع اللغوي:

افتتح مجمع فؤاد الأول للغة العربية، الدورة الحالية يوم الاثنين الماضي، فانعقد مجلس المجمع برياسة الأستاذ أحمد حافظ عوض بك باعتباره أكبر الأعضاء الحاضرين سنا، وذلك لمرض صاحب المعالي لطفي السيد باشا رئيس المجمع.

ومما أقره المجمع في هذه الجلسة التوسع في تعزيز اللجان بالخبراء الفنيين الذين يندبون للعمل بلجان المجمع لقاء مكافآت، فيعملون مع الأعضاء إنجاز الأعمال الفنية.

وعرض على المجلس موضوع اختيار أعضاء مراسلين للمجمع من لبنان والجزيرة العربية، فأجل النظري فيه؛ والمقصود من هذا الموضوع استكمال تمثيل البلاد العربية في المجمع من حيث عضوية المراسلة، فقد سبق أن اختير أعضاء مراسلون من سائر أقطار العروبة ما عدا هذين القطرين الشقيقين. والرأي متفق على هذا الاستكمال، أما موضع النظر فهو تعيين الأشخاص.

اليهود دائما:

جاء في تقرير كتبه عن اجتماع مؤتمر المستشرقين في باريس، الدكتور إبراهيم بيومي مدكور ممثل المجمع في المؤتمر - ما يلي: (لقد حاولنا أن نظفر بتقرير عقد الاجتماع المقبل للمؤتمر في القاهرة، وكان لنا بين الأعضاء أنصار كثيرون، ولكن الأمر انتهى للأسف عقد الاجتماع المقبل في استنبول، ومرد هذه النتيجة إلى أسباب أهمها):

(1 - التأخر في وصول الدعوة الرسمية بحيث لم تبلغ إلا قبيل انعقاد الجلسة الأخيرة.

(2 - تأثير مشكلة فلسطين على العلاقة بين الشرق والغرب عامة وبين مصر والدول الأوربية والأمريكية بوجه خاص، والجهود الكبيرة التي بذلها المستشرقون اليهود وأنصارهم في سبيل حمل المؤتمر على عدم تقرير اجتماع المقبل في القاهرة.)

وهكذا يحارب اليهود الجهود العربية في كل محال، حتى في الهيئات العلمية، وهكذا يستجيب لهم الغربيون حتى ذوو (الأرواب) العلمية.

عباس خضر