مجلة الرسالة/العدد 800/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 800/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 800
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 01 - 11 - 1948



للأستاذ عباس خضر

أحاديث الرهبان في قصص العريان:

دأب الأستاذ محمد سعيد العريان، في قصصه التاريخية، على اللجوء إلى ما يرجى عنده من معرفة الحوادث قبل وقوعها، من التنجيم وأحاديث الرهبان، واستخدام الأحلام استخداما غير طبيعي، وقد تعقبته في هذه النقطة بالرسالة غير مرة، ففي قصة (قطر الندى) جعل المربية العجوز تحلم وتموت دون أن تفضي إلى أحد بحلمها، وذكر تفصيل الحلم! وفي قصة (شجرة الدر0 أنطق المنجم بما وقع فعلا! وصنع شيئاً من ذلك في قصة (على باب زويلة).

وأخذت عليه كل ذلك، وقلت فيما كتبته عن (شجرة الدر): إن كان لا بد من الاستعانة بالتنجيم في تصوير البيئات والعصور التي كان للتنجيم فيها شأن وذيوع - فأني أرى عند الإتيان به أن تسلط عليه أشعة تكشف أباطيله أو تشكك فيه على الأقل.

وكأن الأستاذ أراد العناد. . . فتوسع في ذلك المجال بقصته الجديدة (بنت قسطنطين) التي حلل فيها شخصية مسلمة بن عبد الملك وما أحاط به من ظروف وسبب عدم توليه الخلافة على رغم جدارته بها، وصور فيها البطولة العربية وجهادها الرائع بين سواحل الشام وثغور الروم، فبلغ غاية في التحليل والتصوير.

فإنه لم يكد يمضي في هذه القصة حتى ساق رجلين من أبطالها، هما مسلمة والنعمان بن عبيد الله أحد المجاهدين، إلى راهب بأحد الأديار، وكان مسلمة يعد العدة لفتح القسطنطينية، فيقول له الراهب فيما يقول: (يدنو 9يعني مسلمة) حتى يكون قاب قوسين، فيقف بين بين، ثم يفلتها بعد أين؛ بينه وبين ما يأمله مائتان ومائتان وثلاثمائة؛ ثم يكون ما أراد، حين لا متاع له بشيء من ذلك الزاد، إلا عين جارية وسيرة باقية؛ ويذكر أبو أيوب، وأبو سعيد، ومحمد بن مراد!. .)

ثم يحاصر مسلمة القسطنطينية حتى يكاد يفتحها، ولكنه (يفلتها بعد الأين0 وبعد سبعمائة سنة (200و200و300) يفتحها محمد بن مراد العثماني!

وليس هذا وحسب، بل ينبئ الراهب عما يقع من الحوادث في القصة بعد ذلك، ويك حديث الراهب محورا يدور عليه الحوار فيما يأتي بعده. . ويتصل بهذا المحور محور آخر، هو تلك الرؤيا العجيبة التي رآها مسلمة والنعمان في وقت واحد وفي طريق واحد وعلى صورة واحدة (كنسختين بالكربون)!

والأستاذ العريان يتخذ ذلك، لحبكة السياق، ولإبراز الخواطر التي تختلج في نفوس أبطال القصة، ولبث بعض الطلاوة في الحوار. ولا أثر لذلك الصنيع في القصة غير هذه الأغراض وما يشبهها، أما بناء القصة فهو قائم بغير طلائه، وحوادثها جارية لا يعوقها منه شيء؛ وقد يتأنى للأستاذ أن يحقق تلك الأغراض، من حبكة السياق الخ، من غير تلك الخرافات. . . وأنا أساله أخيراً: هل يعتقد صحتها؟ ولا أنتظر منه جواب هذا السؤال فهو معروف، وإذن فلم يحشوها وكأنها حقائق مسلم بها، في قصص مؤلف من وقائع الحياة فيما مضى وتخيل ما يماثل هذه الوقائع؟

وغاية ما أرجو أن يخلو من ذلك ما يؤلفه بعد من هذه القصص التي يجلو فيها التاريخ في صور من الفن الممتع. وأنا لم أتعب من تعقبه، ولن اتعب ما أمهلتنا الحياة.

الجيل الجديد:

تلقيت كتابا من الأديب المصري صبري حسن علوان، فأذكر أولا أنني اغتبطت بما تضمنه من الثناء على (الأدب والفن) ولا داعي للرياء. . .

وأقول ثانيا إنني استبشرت به، لأنه يعزز أملي في الجيل الجديد على الرغم مما يبدو من عوامل اليأس. وصبري طالب في الجامعة قد (عدت له عجلة الحياة من السنين ثمانية عشر ولما تتم دورتها الأخيرة) وهذا نص تعبيره في كتابه. وقد حدثني في بعض الموضوعات الدبية حديثا يدل على فطنته وحسن تذوقه، كما يدل على أن الجيل الجديد - غن كان لصبري أمثال كثيرون - مفتح عينيه لما يجري الآن في الحياة الأدبية، فهو يقول إنه يقرأ (الجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية فيرى فيها شيئاً لا يرتاح له. نعم إن النشر ليس مقياس الجودة. ولكن الذي يستحق التنويه أن الأسماء التي لها سابقات في الأدب والفن تأتي بالغث الهزيل الذي تأباه الأذن وتضيق عنه القلوب. .!)

وأفسح قليلا لهذه الملكة الناقدة المتفتحة، فأنقل النقد الآتي بنصه كما جاء في ذلك الكتاب:

(ومن الأسماء المشهورة ما قاله أحدهم عن (ذكرى شهداء فلسطين) في جريدة الأهرام.

لسنا بمن يذري الدموع على الدم ... بل نحن أبناء المنايا فاعلم

كأني به في كتاب من كتب العلم القديمة يقول مؤلفه: فاعلم وفقك الله أن. . . وأن. . . والله أعلم!

ثم يقول بعد أبيات:

ظلم (اليهود) الناس ثم تظلموا ... منهم فمن للظالم المتظلم؟!

إن قلبي الذي كان يتوقع النور من الفن أحدق به الظلام حتى إنه تظلم إلى الأدب والفن. . من تكرار الظلم المرذول. إنه يخيل إلي أن كلمة (ظلم) هذه تمن على اليهود بشيء من الرحمة والرافة)

وقد تلقيت عدة رسائل يشكو أصحابها من (عدم النشر0 وكل ما عندي في هذا الموضوع قلته في العدد (790) من الرسالة غير أني رأيت بعضهم كالأديب كيلاني حسن سند (يتواضع) فيفرض أن من لا ينشر له جهل نفسه فرفعه حب الشهرة إلى معالجة فن لا يحسنه، ويقول: (ألم يكن من الخير له وللأدب أن ترشدوه وتوجهوه وتعرفوه حقيقة المنبع الذي تفيض به نفسه ليستغله وينتفع به؟).

فهل من العمل الصحفي - في الأدب وغيره - أو هل من مهمة الكاتب، الإرشاد الشخصي؟

نعم إن الكاتب يتناول الظاهرة العامة ويكتب فيها للجميع، أما أن يتناول الأفراد واحداً واحدا فيوجه هذا ويرشد ذاك، فهذا من عمل المدرس الخاص، وأظنك في الأسبوع الماضي على رأيي في الدروس الخصوصية، ولعل المطالبة بالإرشاد من آثارها. .

والذي لا يعرف أين يتجه، مما يقرأ ويشعر ويلاحظ، فليرح نفسه.

وبعد فإن قلبي مع هؤلاء الشباب وإن كنت لا أستطيع لهم شيئاً.

دراما وكوميديا:

انضم الأستاذ يوسف وهبي بك أخيرا إلى الفرقة المصرية مديرا لها، وهو بلا شك ممثل كبير ومحبوب لدى الجمهور، وانضمامه للفرقة كسب لها ومدعاة لإنهاض المسرح المصري من الغفوة التي طالت مداعبتها لأجفانه.

ذلك كله لاشك فيه، وقد استبشر محبو المسرح بالنشاط الذي أبداه يوسف وهبي في مفتتح هذا الموسم، ولكن اقترن بحركة دعاية واسعة ظفر منها يوسف وهبي بنصيب الأسد، فقد ملأت أحاديثه الرنانة أنهار الصحف والمجلات، وعاد النقاد من زياراته يكتبون الفصول فيما يوشك أن يقع من معجزات الفن ولم يكتف هو بذلك ولا بالإعلانات التي نشرت في كل مكان وقد تضمنت أن يوسف وهبي يقوم في رواية (سر الحاكم بأمر الله0 بدوره التاريخي العجيب، فرأيناه بالصحف فصلا يتضمن نبأ افتتاح الفرقة موسمها، موشى بتمجيد بطل الرواية مدير الفرقة في دوره العظيم، وقد نشر في عدة صحف بنص واحد.

ولو أن الأستاذ يوسف صاحب فرقة خاصة لكان له أن يعلن عن نفسه كما يريد، ولكن الفرقة المصرية لها كيان مستقل، وهو موظف فيها، والمال الذي ينفق في الدعاية من خزانتها؛ فأين هي وما نصيبها من كل هذا الطبل والزمر. . .؟ ولنفرض نه تركها وقد طغى عليها بالدعاية لنفسه، فكيف يكون حالها؟

هذه هي (الدراما) أما 9الكوميديا) فهي أن الأستاذ يوسف وهبي معروف بظهوره في الأدوار العنيفة وتمثيل الشخصيات الكبيرة، فيخطب ويبطش ويكتسح. . وهذه الطبيعة متأصلة فيه، ومما يدل عليها أنه لما جاء إلى الفرقة المصرية جعل يبحث في محتوياتها حتى عثر على رواية (مركونة) كانت قد فازت في مسابقة قديمة، وهي رواية (سر الحاكم بأمر الله) فوافقت هواه، إذ رأى فيها ما يوصله إلى القمة. . . فطالما كان زعيما وعبقريا ومصلحا كبيرا، ولكن كل ذلك في حدود (البشرية) أما في هذه الرواية فيمثل الحاكم بأمر الله الذي ادعى الألوهية. . . وهكذا يصل الممثل الكبير إلى نهاية الخط. . .

المشاكل الدولية:

كانت الإذاعة تقدم مساء الأحد من كل أسبوع، الأستاذ محمد رفعت بك، ليعقب على الشؤون الدولية في سلسلة أحاديثه (مصر تطل على العالم) وقد رؤى أخيرا أن يتناوب معه في الحديث عن هذه الشؤون الدكتور محمد عوض بك أسبوعا بعد أسبوع.

وقد بدأ الدكتور عوض بك يوم الأحد الماضي، فتحدثت عن المشاكل التي تشغل بال مصر وبال العالم في هذه الأيام، فتناول أولا مسألة فلسطين من حيث غدر اليهود في الأسبوع الماضي بحشد قواتهم في الجنوب ومحاولة الهجوم على الجبهة المصرية، فقال إنهم أرادوا بذلك أن يستولوا على جنوب فلسطين، فغن تم لهم ما أرادوا زحفوا شمالا. ولكن القوات المصرية أحبطت خطتهم وحطمت آمالهم فردتهم على أعقابهم خائبين مدحورين. وقال إننا نستخلص من ذلك أمرين، الأول أن ما يهولون به من استعدادات اليهود وقوتهم ليس بشيء إزاء القوة العربية، فقد جمعوا كل ما أمكنهم جمعه في هذه المعركة فلم يستطيعوا شيئاً. الأمر الثاني أن اليهود سيدأبون على الغدر فيجب أن نعمل حساب غدرهم في كل وقت؛ وهم يعلمون أن هيئة الأمم المتحدة لن تستطيع أن تمنعهم ما دامت غير مستندة إلى قوة عسكرية، والأمم الغربية لا ترضى أن تبعث إلى فلسطين بقوة عالمية فيها روسيون.

ثم تحدث عن مشكلة برلين، ومما قاله إن الدول الغربية لما لم تستطع الاتفاق مع روسيا عرضت الأمر على مجلس الأمن، ومعنى ذلك أن الدول الكبيرة عجزت عن التفاهم فاحتكمت إلى الدول الصغيرة. .

وبعد أن تحدث عن مشكلة إضراب العمال في فرنسا، لم يفته في ختام الحديث أن يهنئ الأمم المتحدة بعيد ميلادها الثالث ويتمنى لها أطيب التمنيات. . . وقد نطق بهذه العبارات الأخيرة بنبرات صوت تدل أبلغ الدلالة على انصراف القلوب عن هذه الوليدة الكسيحة. .

مسابقة المجمع اللغوي الجديدة:

وافق مجمع فؤاد الأول للغة العربية في جلسة يوم الاثنين الماضي - على نظام المسابقة الأدبية لسنة 1949 - 1950 الذي وضعته لجنة الأدب، وتشمل هذه المسابقة البحوث الأدبية والقصة، ولم يدخل فيها الشعر كما كان في مسابقات السنوات الماضية، إذ رأت اللجنة إبعاده حتى يجد في آفاقه ألوان جديدة. وقد جعلت مسابقة القصة لجميع أدباء العرب، وخص بالبحوث الأدبية أدباء وادي النيل، وقد عدل هذا التعبير بعد أن كان (أدباء مصر والسودان) على أثر مناقشة طريفة قيل فيها إنه لا ينبغي أن يتوهم أن السودان قطر آخر منفصل عن مصر كما أن في شمول المسابقة لأدباء وادي النيل توكيدا لمعنى الوحدة، وكان ذلك بمثابة تحية للعضو السوداني الزائر الذي حضر الجلسة وهو السيد عبد الله عبد الرحمن الأمين.

وقد خصصت للبحوث الأدبية ستمائة جنيه، مائتان لكل بحث من البحوث الآتية:

1 - أحسن تحقيق لكتاب عربي قديم وضع أساليب النشر الحديثة طبع أم لم يطبع.

2 - أحسن دراسة لرفاعة بك الطنطاوي واحمد فارس الشدياق ومحمد قدري باشا وأثر كل منهم في وضع المصطلحات الأدبية أو القانونية.

3 - أحسن بحث في نقد الشعر العربي من منتصف القرن التاسع إلى الآن، ولا يدخل في ذلك نقد الشعراء الأحياء.

وخصص مائتا جنيه لقصة تدور حول أحد الموضوعات الآتية:

1 - بحث مشكلة اجتماعية عربية من مشاكل العصر الحاضر.

2 - حياة بطل من أبطال العرب.

3 - موقف من مواقف العرب الحاسمة في التاريخ.

وسيذيع المجمع بعد قليل بيانا للمسابقة يتضمن شروطها ومواعيد التقديم وما إلى ذلك.

عباس خضر