مجلة الرسالة/العدد 820/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 820/الأدب والفنّ في أسبُوع

مجلة الرسالة - العدد 820
الأدب والفنّ في أسبُوع
ملاحظات: بتاريخ: 21 - 03 - 1949



للأستاذ عباس خضر

الأدب والفن في المعرض:

لم يخل المعرض الزراعي الصناعي المقام في الجزيرة، من رائع الفنون وأهمها الرسم والنحت. وأبرز ناحية تجلى فيها الفن بالمعرض (متحف الحضارة) الذي يمثل الحضارة العربية من العصر الحجري القديم إلى العصر الحديث، بالتماثيل والنماذج واللوحات والخرائط. وأول ما يطلع القادم على المتحف تمثال كبير للإنسان الحجري القديم وقف في مدخل كهفه، والمنظر رائع من غير شك، والتمثال موفق التكوين من حيث الدلالة على فكرته، غير أن باب الكهف الحجري محكم منتظم الشكل مما لا يتفق مع العصر الذي يمثله، وفي القرى المصرية الآن أبواب أقل منه إحكاماً وانتظاماً، وما يتصور العقل أن يكون باب الكهف في العصر الحجري القديم أكثر من حجر غير منتظم يسد به المدخل على قد الإمكان البدائي.

ويشتمل المتحف على حجرات خصص كل منها لتمثيل عصر من العصور، وقد احتوت على مجسمات ورسوم وأدوات تصور مظاهر الحياة في العصر. وأنت تحتاج إلى نحو ساعة تطالع فيها تلك المعروضات الفنية، فما تنتهي منها إلا وقد ألمت بالخصائص البارزة في عصور التاريخ بمصر، من العصور البدائية إلى إن ترى الفاروق يرفع العلم المصري على القلعة، ويوزع الإقطاعيات على صغار المزارعين، ويضع الحجر الأساسي لمشروع كهربة خزان أسوان، ولو تأخر الفراغ من إعداد المتحف قليلاً لرأيت به الفاروق يعانق بطل الفلوجة الأمير الاي السيد طه بك في يوم عيد البطولة.

وقد استرعى انتباهي في المتحف ما كتب على كل من المناظر الطبيعية المجسمة وهو (ديوراما (1)) و (ديوراما (2)) الخ. والكلمة تدل على المنظر الطبيعي المجسم. ويقول المشرف على المتحف: لم يضع لنا المجمع اللغوي كلمة عربية بدل (ديوراما) والمتحف كله عربي مصري صنعاً ولغة ما عدا (الديوراما).

وقد انتثرت في المعرض - عدا متحف الحضارة - آثار فنية جميلة، وخاصة في معرض وزارة المعارف الذي صفت به تماثيل فريق من أعلام النهضة المصرية في شتى النواحي: كعلي مبارك، وقاسم أمين، وسعد زغلول، ومختار المثال وغيرهم. وهناك مكان مخصص لمعروضات دار الكتب المصرية التي تتكون من بعض المخطوطات، وقد وقف جماعة من الطلبة الأزهريين الزائرين إزاء (متن الكافية) يقرؤون بعض عباراته ويتضاحكون ولسان حالهم يقول: هذه الكتب وراءنا وأمامنا!

وفي معرض نقابة الصحفيين رأيت العدد الأول من جريدة (الأهرام) العريقة، وفي صدره مقال بغير عنوان أوله: (كيفما وجه العاقل أفكاره باحثاً عن حركة العالم الإنساني يرى فروع الحوادث راجعة إلى أصل واحد) فقرأت المقال وسرت مع الكاتب وهو يبحث عن حركة العالم الإنساني، حتى انتهيت إلى آخره حيث يقول:

(فنلتزم وقتئذ بعد معاناة البحث أن نرجع هذه الفروع إلى أصل أحد أنتج هذه النتائج وندعوه بالمقال ودليل الحال حب ذات غير مرتب أصدر طمعاً فعل ما ترى) وهذا الحكم المبني على (التأمل في حركة العالم الإنساني) يدل على أن العالم كان في ذلك العهد كما هو الآن: يسوده (حب ذات) وإن كان قد صار (مرتباً) و (فعل ما ترى) لا يزال الطمع (يصدره) فالعالم هو هو لم يتغير غير الشكل وطريقة التعبير. . .

ولا أريد أن أمعن في التأمل والفلسفة كما أمعن كاتبنا القديم فأنتقل إلى (الأخبار البرقية الواردة إلى الإسكندرية) وليس السجع في العنوان فقط، فهذا أيضاً مطلع الأخبار البرقية: (باريز في 30 تموز) ولو أن صحف اليوم تلتزم مثل ذلك النسق لكنا نقرأ فيها مثل (قصر شايو في 30 مايو).

ولعل من مظاهر الفنون الجميلة في المعرض، الرقص. . . رقص الخيل على نغمات الموسيقى البلدية. ويظهر أن فن الرقص أصيل لدى الفرس؛ فإن مشيتها العادية تبدو فيها مخايل الفن والمدربون الذين يرقصونها يتجهون بها إلى (هز الأرداف) ولو أن الفرنسيين التفتوا إلى موهبة الرقص في الخيل لاتجهوا بها إلى (الباليه) ومن يدري؟

وبعد أن ترى تلك المظاهر الفنية في المعرض العام تدلف إلى (حديقة الملاهي) فتشاهد الاعتداء المنكر على جمال الطبيعة في حديقة الجزيرة التي كانت من أجمل منازه القاهرة وأحفلها بالجمال، وطالما كانت مرتاداً للأدباء والفنانين، ومجلى للقرائج، ومراحاً للناشئة

وقد كنا حين نكتب في موضوعات الإنشاء عن (البساط السندسي) نتخيل أرض تلك الحديقة الخضراء الناضرة، فليس من الهين أن نرى الآن ذلك البساط يطوى لتحل محله الأراجيح و (الأميرة بنورة المسحورة أعجوبة الزمان وتحفة القرن العشرين التي تخرج من زهرية الورد وتتكلم. . .)

وقد تبدل زوار الحديقة خلقاً آخر، فبعد أن كان يغشاها رواد الطبيعة والهدوء أفراداً حالمين، أو مثنى حبيبيْن، أو زرافات مرحين؛ صارت مطلباً للراغبين في لعب الولدان وعبث الطفولة، ومكسباً لذوي الحيلة، في ابتزاز الأموال، من الأجانب.

صور شعرية للشعراء:

أعلنت رابطة الأدباء يوم الأحد الماضي عن حديث في ناديها عنوانه (رأي شاعر في شعر الجيل) يعرضه الأستاذ علي الجمبلاطي، والشاعر المقصود هو الأستاذ أحمد مخيمر، وقد نظم رأيه في خمسة وأربعين شاعراً، أو صنع لكل منهم - كما يراه - صورة شعرية بأبيات أتبع فيها طريقة أبي العلاء المعري في (لزوم مالا يلزم)

وقال الأستاذ الجمبلاطي إنه يقصد عرض لون من الشعر وإثارة الآراء فيه. وقد استمعنا إلى هذه الأشعار، وطربنا لبعض ما تضمنته من دعابات وما بدا في بعضها من ومضات ولكني ألاحظ أن أكثرها تنقصه عناصر الصورة الأساسية وهي ملامح الشخصية الشعرية والقليل ما تبدو فيه هذه الملامح ومن هذا القليل قوله في الدكتور زكي مبارك:

أديب بنى مجداً ... وصيتاً ورفعة

وما فتئ المقدار ... يهدم ما يبني

فليت الألى، عابوا عليه غرروه

رأوا ما يلاقي من عقوق ومن غبن

وقوله في الأستاذ محمود حسن إسماعيل:

قد ينظم الشعر ولكن يعجمهْ

فشعره أفق توارت أنجمهْ

وراء كل خاطر منجمه؟

فيا ذوي القدرة من يترجمه؟

قد ضاع من بين يديَّ معجمه ومنه ما قال في الأستاذ أحمد عبد المجيد الغزالي، وأوله قوله:

متأنق في شعره ولباسه ... فكأنه لقريضه كواء

أما الكثير الذي يفقد ملامح الصورة، فهو إما مدح أو هجاء والهجاء هو الغالب، وقد نال به من شعراء أفاضل. ويحسن مخيمر صنعاً لو أنه طوى هذا النوع من شعره، فنشرهُ يجني على ما يبدع من ألوان أخرى، وحسبه (لزوم ما لا يلزم) في القافية!

بين صديقي الأستاذ الأسمر وبيني:

قرأت ما كتبه صديقي الفاضل الأستاذ محمد الأسمر في العدد الماضي من (الرسالة) رداً على ما كتبته في الصلة بين قصيدته في رثاء المغفور له محمود فهمي النقراشي باشا، وبين قصيدة الزين في حافظ إبراهيم. والحق أن كرم الأستاذ الصديق في الرد أسرني وكادت محاسنته تمسكني عن معاودة الموضوع، لولا منازعة القلم إلى إزالة الغبار عن الحقائق الأدبية فيما يلي:

1 - قال صديقي الأستاذ الأسمر: (إن قصيدة الزين رحمه الله لا علم لي بها) وقال: (ولا هي من المتداول المعروف بين الناس) وأنا لا دخل لي في علمه، ولكن أقول إن القصيدة متداولة معروفة بين الأدباء، ومما يدل على ذلك أني لما أردت كتابة الموضوع ورأيت أن أتثبت من نصها، قصدت إلى دار الكتب المصرية، وما إن أبديت رغبتي في الاطلاع على قصيدة الزين حتى بادرني الأستاذ أحمد حسين بالقسم الأدبي في الدار، بأن القصيدة لديه وأنه نسخها بخطه وقت نشرها لإعجابه بها، وفي نفس الوقت أسرع بعض الحاضرين إلى إنشادها.

2 - نعم ليست المعاني المطروقة ملكاً لشاعر دون آخر، والموافقات اللفظية جائزة الوقوع بين الشعراء، ولكن الأمثلة التي أتى بها الأستاذ الأسمر ذاتها تدل على أن الأمر في ذلك لم يعد العبارة أو الشطرة أو الخاطرة. والذي معنا موافقة ستة أبيات لخمسة في بعض الألفاظ، وفي المعاني باختلاف يسير فيها، مع اتحاد الوزن والقافية؛ فهل يصح أن نسمي اجتماع كل ذلك مواردة؟

3 - لم أنتبه لأخذ الجارم من قصيدة شوقي في إسماعيل صبري، وليست هذه أول مرة يأخذ فيها الجارم من شوقي. وارتكاب أحد أمراً لا يسوغ أن تأتي مثله.

وللصديق الكريم تحيتي وودادي. . .

من الأعماق:

يسرني أن أكون أول قارئ لصديقي الأستاذ كامل محمود حبيب، يبدي رأيه في ختام قصة (من الأعماق) المنشورة في رسالة الأسبوع الماضي، فأقول إن موقف جلال موقف غريب إذ بصر على الزواج من إلهام بعد أن يعلم أن في حياتها شاباً آخر هو عادل، فمن أبسط الأشياء عند الخطبة أن يتحرى الخاطب عن مثل ذلك حتى لا يعاني شقاء العيش مع زوجته المتوقعة إن كانت تحب رجلاً آخر، ولكنا نرى الحقيقة تسعى إلى جلال، ومع هذا لا يزال يصر! فهو إذ ينسحب من الميدان لا يكون مضحياً بل ناجياً بجلده من الشقاء الذي ينتظره.

ولكن المشكلة - فيما يظهر لي - إنما هي كيف يقتنع جلال بضرورة الانسحاب، أو كيف يحمل على ذلك؟ أرى أن يبتعد عادل قليلاً ويترك المعركة تدور بين كرامة جلال - ولابد أن يستشعرها مع الزمن والتكرار - وبين فتور إلهام وإعراضها عنه، ويبعث عادل بالمدد إلى قلبها من بعيد، وسترى الأم سوء حال ابنتها فتشفق عليها وتتحول إلى جانب عادل فتكون عاملاً مهماً في إنها الموقف، بحيث يرى الضابط ضرورة فوز كرامته في المعركة بالانسحاب. . .

عباس خضر