مجلة الرسالة/العدد 822/الجديد في القضية الأندنوسية

مجلة الرسالة/العدد 822/الجديد في القضية الأندنوسية

مجلة الرسالة - العدد 822
الجديد في القضية الأندنوسية
ملاحظات: بتاريخ: 04 - 04 - 1949



للأستاذ عمر حليق

الحالة في أندنوسيا بناء على التقارير الواردة إلى لايك سكس مقر هيئة الأمم المتحدة تشير إلى أن سياسة (الأمر الواقع) التي أتبعتها الحكومة الهولندية للقضاء على الجمهورية الأندنوسية سياسة مصيرها الفشل، وأن نجاح الحملة الهولندية العسكرية كان نجاحاً مؤقتاً لعبت فيه الدعاية دوراً موفقاً بادئ الأمر، إلا أن حقيقة الأوضاع العسكرية والسياسية تظهر بوضوح تعقد الحالة مما يتطلب تغييراً جوهرياً في موقف الهولنديين من الجمهورية الأندنوسية، ومن عنادهم تجاه مقررات مجلس الأمن الدولي، ومن الصوت الأسيوي الذي ناصر الأندنوسيين من مؤتمر نيو دلهي.

والتقارير عن الحالة في أندنوسيا ترد عن ثلاثة مصادر:

(ا) لجنة التوفيق الدولية التابعة لهيئة الأمم المتحدة التي تعمل الآن في اندنوسيا. (ب) ممثلي الجمهورية الأندنوسية.

(ح) الحكومة الهولندية.

وفيما يلي بإيجاز أهم ما بعثت به هذه المصادر الثلاثة من معلومات تلقي ضوءاً على مستقبل الصراع بين الحرية والاستعمار في ذلك الجزء المهم من العالم الإسلامي:

فلجنة التوفيق الدولية (وهي المعروفة سابقاً بلجنة المساعي الحسنة) تؤكد بأن الوضع العسكري وحالة الأمن في أندنوسيا هما الآن ابعد ما يكونان عن الاستقرار، فلقد احتلت القوات الهولندية في ضربات خاطفة، وبعد استعداد شهور طويلة، بعض المدن الأندنوسية الكبرى، ولكنها عجزت عن السيطرة على أكثرية المناطق الريفية كما عجزت عن تامين المواصلات بين مناطق احتلالها وعن حفظ الأمن حتى في المدن التي ترابط بها الجيوش الهولندية. ويقول مراقبو هيئة الأمم المتحدة إن حرب العصابات قد أخذت تشتد، وإن فلول قوات الجمهورية الأندنوسية قد أعادت تنظيم صفوفها وتركيز قيادتها، وإنها تسيطر على أجزاء شاسعة من البلاد، وأنها أخذت تشن حملات هجومية موفقة على الهولنديين في معاقلهم في المدن الكبرى، وتتعمد قطع المؤونة عن القوات الهولندية في المناطق البعيدة عن الموانئ ومراكز التموين، وتتعمد قطع المواصلات بين هذه القوات حتى ولو أدت إلى إحراق الزرع وتخريب المنشآت العمومية. لعل في هذا النشاط حافزاً للذين يضعون مستقبل الصراع في فلسطين!

ويقول هؤلاء المراقبون كذلك أن معظم السكان الاندنوسيين ينهجون منهجاً سلبياً في مناطق الاحتلال الهولندي فيتعمدون المقاطعة وعرقلة الأعمال التي تعود على الهولنديين بالنفع.

وتلخص تقارير اللجنة الدولية هذا الوضع العسكري السيئ فتقول إنه ليس للحكومة الهولندية قوات عسكرية كافية لحفظ النظام في منطقة الجمهوريين، وإن الإدارة المدنية الهولندية هناك لا تحظى بثقة الشعب وتعاونه، وان على الهولنديين والحالة هذه أن يكفوا عن المواربة وان يعيدوا نظام الحكم الجمهوري، وأن يجعلوا قرارات مجلس الأمن القاضية بتأليف اتحاد الولايات الأندنوسية في نطاق الحكم الذاتي الذي يتدرج بالبلاد في فترة شهور قصيرة إلى الاستقلال التام، بعيداً عن السيطرة الهولندية.

وترد الحكومة الهولندية على تقارير اللجنة الدولية هذه فتقول إن تحليل الوضع العسكري والسياسي في البلاد هو رأي خاص تبديه اللجنة، وإنه لا يستند إلى المعلومات الوافية الصحيحة.

ولكن الهولنديين يعترفون مع ذلك بان الوضع في أندنوسيا ليس مرضياً، ولذلك فإنهم تواقون إلى التعاون مع الزعماء الجمهوريين الوطنيين في إيجاد حل وسط - حكومة اتحادية تشمل المناطق الرئيسية الثلاث في الجزر الأندنوسية تكون مرتبطة في العاصمة الهولندية لاهاي ارتباطاً من شأنه أن يحفظ المصالح الهولندية التي يعيش عليها الجزء الأكبر من الاقتصاد الهولندي لا في أندنوسيا فحسب، بل في هولندا نفسها.

وجواب ممثلي الشعب الأندنوسي من الوطنين الجمهوريين على هذه المقترحات الهولندية يؤكد بأن طبيعة التعاون الذي تنشده هولندا يقضي على بعض الحقوق الأساسية للقوميين الأندنوسيين. فيشير الدكتور محمد رويم رئيس الوفد الأندنوسي الملحق بلجنة التوفيق الدولية في مذكرة بعث بها إلى مجلس الأمن مؤخراً إلى أن طريقة التسوية التي تدعو إليها هولندا تخالف اتفاقية سابقة عقدتها هولندا مع الحكومة الجمهورية الأندونيسية المعروفة باتفاقية رنفيل كما تخالف قرارات مجلس الأمن فضلاً عن تجاهلها بعض النواحي الهامة من حقوق الأندوسيين الشرعية.

ويقول الدكتور رويم: إن الجمهورية الأندنوسية كانت وليدة الصراع الدامي الذي حمل لواءه الأندنوسيون ضد الاحتلال الياباني إبان سيطرته على الجزر الهولندية خلال الحرب العالمية المنصرمة، وأن هولنده عجزت عن حماية الأندنوسيين من العدوان الياباني، وتركتهم لمصير قاتم عندما تراجعت القوات الهولندية في جبن أمام جحافل اليابانيين. ولقد بذل الوطنيون الأندنوسيين أرواحاً غالية ثمن الاستقلال الذي عملوا له في وجه التعسف الياباني، وأعلنوه عندما واتتهم الفرصة السانحة في أعقاب هزيمة اليابان.

فأي حق لهولندا أن تطالب بان تكون شريكة في تقرير مصير أندنونسيا أو أن تطالب بحقوق وامتيازات؟

ثم أن هناك نقطة قانونية تصر على أهميتها مذكرة الدكتور محمد رويم؛ وهي أن النزاع بين الجمهورية الأندنوسية وهولندا هو نزاع دولي وليس نزاعاً محلياً كما يدعي الهولنديون؛ فقد اعتدت دولة هولندا على دولة أخرى (هي الجمهورية الأندنوسية) ذات سيادة اكتسبتها بالدم والنار ولها من العمر ثلاث سنوات معترف بها من دول عديدة في طليعتها الجامعة العربية. وقد اعترف بها مجلس الأمن الدولي كذلك، ووصف الهولنديين بأنهم خصم للجمهورية الأندنوسية، إذن فدعوة الحكومة الهولندية دعوة غير قانونية، والمشروع الهولندي الذي تحاول هولندا بواسطته أن تسوي النزاع مشروع باطل لا يستند إلى قانون فوق كونه يتضمن في خبث القضاء على حرية الشعب الأندنوسي وسيادته. فهو يرمي إلى تقسيم البلاد ثلاث مناطق، كل منطقة لها حكم ذاتي خاص، ولكنها تشترك في إدارة مركزية تكون سيطرة الهولنديين عليها قوية في معظم الشؤون الداخلية، وفي السياسة الخارجية.

وهذه المناطق الثلاث التي يقترحها الاستعمار الهولندي للبلاد الأندنوسية مقسمة تقسيماً مشوهاً يخدم مصالح الهولنديين ويعبث بالوحدة الاقتصادية والثقافية للبلاد. وفوق ذلك فإن القسم الذي تمكن فيه نفوذ الجمهورية الأندنوسية هو أكبر الأقسام فهو يضم الأكثرية الكبرى من السكان (60 من 75 مليوناً) والقسمين الآخرين (جزيرة يورنيو وجزر شرقي اندنوسيا) لا يضم من السكان سوى 15 مليوناً يخضعون قسراً لإدارة صورية لا تنال ثقة الشعب بها، ومع ذلك فإن الحكومة الهولندية بموجب مشروعها المذكور تنوي إعطاء هاتين المنطقتين الأخيرتين صوتين مقابل صوت واحد لمنطقة الجمهورية الأندنوسية التي تشكل 90 بالمائة من السكان. وتؤكد مذكرة الدكتور رويم بأن الإدارات الصورية التي أقامها الهولنديين في مناطق سيطرتهم لها أن تعيش ساعة واحدة إذا سمح للشعب الذي تسيطر عليه أن يعبر عن رغبته الصادقة باستفتاء محايد أو انتخابات ديمقراطية.

ويضيف ممثلو الجمهورية الأندنوسية في تفنيدهم لما استتر من شر في المشروع الهولندي مشيرين إلى أن فترة انتقال الحكم من الهولنديين إلى الوطنيين جٌعلت بطريقة تجعل السيادة الوطنية في المستقبل حين تتحقق، سيادة قلقة ضعيفة لا تلبث أن ترتمي في أحضان الاستعمار الهولندي. إذ أن القوة الحقيقية في فترة الانتقال هذه ستظل في أيدي الهولنديين وسيمنع الجمهوريون في فترة الانتقال هذه ممارسة الإدارة، والحكم في مراكز التوجيه وسيمنعون حتى من إنشاء قوات بوليسية وعسكرية لحماية البلاد وصيانة الأمن ويترك ذلك كله في يد الجيش الهولندي، ولن يكون للاندنوسيين تمثيل سياسي خارجي ولا اتصال مباشر بالعالم الخارجي.

وقد بحث مجلس الأمن مؤخراً هذه الشكاوى والادعاءات والتقارير الواردة من المصادر الثلاثة: اللجنة الدولية، وممثلي الجمهورية الاندنوسية، ومن الهولنديين، فقرر أن تظل قراراته السابقة بصدد النزاع في أندونيسيا أساساً لتسوية الحالة. وهذه القرارات في جملتها في صالح الوطنيين الأندنوسيين وهم يريدونها أن تكون أساساً للحكم على مستقبل السيادة في ذلك الجزء الغني من القارة الأسيوية.

وقد ندد مجلس الأمن بموقف الحكومة الهولندية بعد سماعه شكاوى لجنة التوفيق الدولية من أن الحكومة الهولندية تعمل متعمدة على عرقلة أعمال اللجنة فتماطل في التعاون، وتحاول أن تتفادى قرارات مجلس الأمن وان تقوض النظام الجمهوري في اندنوسيا.

وتلاقي القضية الاندنوسية عطفاً منقطع النظير في الأوساط الدولية الغربية إذا قورنت بقضايا التحرر الأخرى والإسلامية منها على الأخص. ولعل السبب في ذلك مغريات الجزر الأندنوسية والسعي لاكتساب صداقة الأندنوسين الذين سيفوزون عاجلا أو آجلا بسيادتهم التامة على بلادهم.

وكان موقف مندوب الحكومة الهولندية في جلسات مجلس الأمن الأخيرة الخاصة بالقضية الأندنوسية أميل إلى التسليم. وهذا ما يبعث المتتبعين للقضية الأندنوسية على الاعتقاد بأن الجمهوريين سينالون في المراحل النهائية سيادتهم.

(نيويورك)

عمر حليق