مجلة الرسالة/العدد 824/حول مشكلة السكان في مصر

مجلة الرسالة/العدد 824/حول مشكلة السكان في مصر

ملاحظات: بتاريخ: 18 - 04 - 1949



للأديب محمد محمد علي

إن دراسة السكان على جانب كبير من الأهمية للباحث الاجتماعي، وذلك لوجود علاقة متبادلة بين تكوين وحجم المجتمع من جهة، وبين النظم الاجتماعية والمظاهر الحضارية من جهة أخرى. وعلى ضوء هذه الدراسة توضع خطط إصلاح المجتمع. والسكان في العالم موزعون توزيعاً غير صحيح، لأن هناك عوامل كثيرة تؤثر في هذا التوزيع، وأهمها المظاهر الجغرافية والموارد الطبيعية والتحسينات البشرية.

وفي مصر يتجمع السكان (تسعة وتسعون في المائة منهم) في جزء صغير لا تتجاوز مساحته خمسة وثلاثين كيلو متراً مربعاً، فتبلغ كثافة السكان 750 نسمة في الكيلو متر المربع على اعتبار أن عدد السكان قد وصل تسعة عشر مليونا. وتختلف هذه الكثافة في جهات القطر المختلفة، وتبلغ أقصاها في المنوفية: أشد المديريات إزدحاماً، إذ تزيد الكثافة على ثمانمائة نسمة. ولا عجب في هذا الازدحام فإن اعتماد الأهالي على الزراعة.

ومن مقارنة التعدادات المتتالية يتبين لنا أن عدد السكان في مصر قد تضاعف في نصف القرن الأخير إذ زاد من تسعة ملايين وسبعمائة نسمة في عام 1897 إلى تسعة عشر مليوناً. في عام 1947 حيث بلغ متوسط الزيادة 2 % في السنة. وهذه زيادة كبيرة لا تتناسب وزيادة الموارد الطبيعية: وذلك هو أصل الداء رأس المشكلة. فإن المساحة المنزعة لم تزد في هذه الفترة إلا حوالي ثمانمائة ألف فدان إذ بلغت في عام 1945 خمسة ملايين وسبعمائة ألف. وليس من شك في أن هذه الزيادة الكبيرة في السكان تؤدي إلى انخفاض مستوى المعيشة، لكنها زيادة في طبقات معينة ألا وهي الطبقات الدنيا، لأنها لا تزال تعتقد أن في زيادة السكان خيراً وبركة، اعتماداً على قول الرسول الكريم (ص) (تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة) ثم لطبيعة الفلاحين في حب النسل الكثير. ومن جهة أخرى أن نجد أن الطبقات المثقفة والعليا تستخدم وسائل ضبط النسل بنجاح كبير لدوافع اقتصادية وصحية وثقافية. إذن فالطبقات الدنيا هي التي ينخفض مستواها من هذه الزيادة، وهم سكان الريف المهمل في شتى الخدمات الاجتماعية.

وتعتبر الملكية العقارية عماد النظام الاقتصادي الزراعي في مصر. فقد بلغ عدد عام 1945: 2 , 600 , 000 أي 15 % من السكان. فإذا فرضنا أن كل مالك يعتبر ربا لأسرة قوامها خمسة أفراد، فإن عدد من يعتمد على الزراعة من سكان القطر كمورد يبلغ نحو خمسة وسبعين في المائة من جملة السكان. ومن هؤلاء الملاك سبعون في المائة يقل ما يملكه الواحد منهم عن فدان! ولا جدال في أن الفقر يؤدي إلى سوء الصحة، بالإضافة إلى الجهل الضارب إطنابه نرى أن ثمانين في المائة من سكان مصر الحديثة يعيشون عيشة ضنكا! وهذا أمر عجيب في بلد ذي مناخ معتدل وموقع ممتاز، وهو يعد مهد أقدام حضارة أضاءت بنورها ظلمات العالم. وهنا نتساءل: هل يؤدي ازدياد السكان إلى انخفاض مستوى المعيشة؟ ولكل سؤال جواب كما يقول جميل لصاحبته. فما ينبغي أن نتشاءم كما تشاءم ملثس (1766 - 1834) في انجلترا، فقد حذر مواطنيه من كثرة التناسل وحثهم على تأخير الزواج مع حياة العفة. وحينما تغيرت الأحوال ونهضت الصناعة في القرن التاسع عشر، زاد عدد السكان زيادة فائقة استجابة لزيادة الموارد، ولم يصحب ذلك انخفاض في مستوى المعيشة.

قد يقال إن أمام المصريين أرض الله واسعة فليهاجروا إليها، ولكنما المصري قد تعود التعلق بأرضه منذ القدم، ثم أن الهجرة ليست بالأمر الهين السهل، لأسباب مختلفة وظروف متباينة. وقد يقال إن ضبط النسل هو الحل الصحيح، ولكنه غير ممكن من الناحية العملية إذ أن وسائل ضبط النسل قلماً تلاقي نجاحاً عند الطبقات الدنيا كما أشرنا من قبل، مع أن المجتمع لا يرغب في زيادتهم الكبيرة، وذلك بعكس الحال عند الطبقات المثقفة والعليا التي توسعت في استخدام ضبط النسل مع أن كثرة نسلهم ليس منها ضرر، إذ أن في إمكان هذه الطبقات أن تربي الأطفال مهما كثروا تربية حسنة. إذن فعلاج الحال نجده في الموارد الطبيعية.

ففي الناحية الزراعية يمكن زيادة الأراضي المنزرعة وذلك بإصلاح الأراضي البور وبواسطة مشروعات الري مثل مشروع وادي الريان وغيره والاهتمام بطرق الزراعة والعناية بأنواع النباتات وتحسينها، مع ملاحظة قانون الغلة المتناقصة وهو أن للأرض حداً في الإنتاج لا تتعداه مهما أجرى من وسائل التحسين والإصلاح، وكل زيادة في الإنتاج يحصل عليها بأكثر من زيادة متناسبة في الأيدي العامة.

ويرى سعادة حافظ عفيفي باشا أن هناك أربع وسائل لرفع مستوى المعيشة في مصر2:

1 - قيام الشركات المساهمة.

2 - رفع الرسوم الجمركية على الموارد الأولية والآلات.

3 - العناية بأجور العمال وتحسينها.

4 - تشجيع التصدير إلى الخارج.

وهناك غير ذلك من وسائل رفع المستوى الاقتصادي للشعب مثل الضرائب التصاعدية وتأميم المشروعات والتصنيع الريفي والتوجيه المهني للنشء. . . ومن وسائل رفع المستوى الصحي مثل العناية بمياه الشرب والمساكن الصحية وإنشاء المستشفيات والتأمين الصحي للسكان وتشجيع الجمعيات الخيرية. والاهتمام بالتعليم ونشر الثقافة الشعبية ومحو الأمية لرفع المستوى الثقافي. هذا مع العلم بأن هناك ارتباطاً بين النواحي الاقتصادية والصحية والثقافية؛ فلا صحة للقول الشائع بأن نبدأ في القضاء على الأعداء الثلاثة الفقر والمرض والجهل واحداً فواحداً، مع أن المشكلة واحدة وينبغي علاجها من كافة الوجوه.

ولا بد لنا من أن نسجل بالفخر في هذا المقام ما قامت به حكومة الفاروق أعزه الله من جهود في سبيل رفع مستوى الشعب بمختلف الوسائل.

والخلاصة أن ازدياد السكان لا يؤدي إلى انخفاض مستوى المعيشة ما دامت هناك إمكانيات لزيادة موارد الغذاء، إلا أن هناك ضرورات تستوجب استخدام وسائل ضبط النسل مثل عدم ملائمة الحالة الصحية أو اشتغال المرأة بالأعمال المختلفة وغير ذلك. وينبغي أن نتذكر دائماً فرنسا التي ما زالت تعاني خطر قلة عدد سكانها، إذ استخدم ضبط النسل في أول الأمر كعلاج للمشكلة عندهم، ثم بمضي الزمن أصبح ضبط النسل من تقاليد السكان الذين لم يستطيعوا التخلص منه رغم إغراءات الحكومة المختلفة لزيادة النسل. مع أن المقصود بضبط النسل فيما نرى هو مراعاة مقتضى الحال في الزيادة والنقصان.

محمد محمد علي

قسم الجغرافيا بجامعة فؤاد