مجلة الرسالة/العدد 826/رسالة العلم
مجلة الرسالة/العدد 826/رسالة العلم
من طرائف العلم:
عندما تتقلص الشمس
صرح العلامة سير جيمس جينز أن الشواهد تدل على أن الذرات الكائنة في مركز الشمس تكاد تتقلص تقلصا هائلا، فيصير مصدر إضاءة المجموعة الشمسية نجما باهت اللون، يعجز عن إمداد وجه البسيطة بالحرارة التي تكفل استمرار الحياة، وأن احتمال انقلاب الشمس إلى نجم ضعيف الضوء قد يحدث في أية لحظة.
فهل معنى ذلك أن حياة البشر تبلغ نهايتها سريعا؟! إن مقياس الزمن - لحسن الحظ - في تقدير الفلكيين لمثل هذه النهاية يعادل ملايين الملايين من السنين. فإن تكن خاتمة الأرض قريبة في عرفهم، فأنا نستغرق أجيالا وأجيالا قبل أن تكون.
على أن الباحث قد يتأمل ويسأل: ما الذي يحدث إذا تقلصت
الشمس وتحولت إلى نجم من النجوم التي تدعى (الأقزام
البيض)؟ إن مثل هذا النوع من النجوم له كثافات تفوق كثافة
الماء آلاف المرات. فتوأم الشعري 4و40 أيرداني، وفان مانن
كثافتهما على التواني 440 ألف، و90 ألف و550 ألف كثافة
الماء. أي أن جزءا صغيرا من النجم فأن مانن في حجم عود
الثقاب قد يزن ربع طن على الأرض. أما توأم الشعري فكتلته
تضارع كتلة الشمس تقريبا. ولذلك يمكن الباحث أن يفرض
أنه إذا حدث للشمس انقلاب ما، فإنها تتحول إلى ما تحول إليه
هذا النجم. وسيجد في هذه الحالة أن جزءا صغيرا جدا من الشمس المتقلصة قد يزن عدة أرطال على الأرض. ولكن
كثافة الشمس في حالتها الراهنة تعادل كثافة الماء 1 , 41
مرة. فجزء منها في حجم عود الثقاب يزن ضعف وزن عود
الثقاب العادي المصنوع من الخشب الذي كثافته 0 , 7 من
كثافة الماء. أي أن هذا الجزء من الشمس يزن 51 من
الأوقية.
وعندما تتقلص الشمس، ينكمش قرصها إلى ما يقرب من
121 من قطرها الحالي، وبذلك تنقص مساحتها آلاف المرات
عن مساحتها الراهنة. وإذا فرض أن حرارة سطح الشمس
وشدة إضاءتها لا تتغيران أثناء التقلص، فإنهما ستكونان بعد
ذلك أقل ألف مرة من ذي قبل. إن شدة إضاءة الشمس لسطح
الكرة الأرضية في يوم من أيام الصيف تقدر بنحو عشرة
آلاف شمعة للقدم الواحد. أي أنه إذا وضعت عشرة آلاف
شمعة على ارتفاع قدم واحدة من سطح الأرض فإن إضاءتها
تعادل إضاءة الشمس، للقدم الواحدة. وعندما تتقلص الشمس
تنخفض شدة إضاءتها إلى ما يقرب من عشر شمعات للقدم
الواحدة في يوم صافي السماء، أو خمس شمعات في يوم كثير الغيم. وعلى ذلك، فإضاءة الأرض نهارا لن تعادل أكثر من
إضاءة إحدى الغرف ليلا بمصباح كهربائي عادي. ولما كانت
شدة إضاءة الغرفة نهارا تقدر بحوالي 1001 من الإضاءة في
العراء، فإن الشمس المتقلصة لن تكون قوة إضاءتها في
الداخل تقدر بأكثر من عشر الشمعة. وستصبح حينئذ إضاءة
القمر 10001 من إضاءته الحالية، وبذلك تتعذر رؤيته.
ولكن قبل أن تصل الأرض إلى حقبة التثلج الأبدي، تمر عليها أطوار غريبة الحوادث أثناء التغييرات المستمرة داخل الشمس. ويتنبأ العلماء أنه عندما تفقد ذرات الشمس المركزية آخر كهاربها يحدث تقلص عام فيها، يكون من جرائه تولد الزلازل على الأرض، وانتشار البرودة على سطحها، ولكن قد تحدث في بعض الأحيان اندلاعات نارية قصيرة الأمد تسبب جوا حارا على سطح البسيطة، فينشأ من هذه الحرارة الفجائية كثير من الأمراض كضربة الشمس والحميات وغيرها. ويتلف المحصول الزراعي من التغير الحراري، وتموت العضويات الصغيرة. وتقوم الشعوب الجائعة تطالب بتشكيل هيئة حكومية عالمية قادرة على توفير الغذاء. وتقوم هيئة تنفيذية دولية بتنظيم السفر إلى المناطق الاستوائية الحارة، حيث الحرارة تلائم المعيشة. ولم تمنح تصريحات السفر إلا لكل من ينتفع بمعلوماته وأعماله للمحافظة على كيان البشر. وسيهلك الكثيرون جوعا.
وأول من يسافر إلى المناطق الاستوائية علماء طبقات الأرض والمهندسون والمعدنون والكيمياويون. فعلماء طبقات الأرض يبحثون عن أماكن مناسبة لإيواء الناس، والمهندسون يعملون على تشييد الملاجئ والمساكن. وستكون لخبرة المعدنين في إنشاء طرق تحت الأرض منفعة هائلة يتمتع المعدنون من جرائها بنفوذ اجتماعي كبير. أما الكيماويون فيقومون بإنتاج شتى أنواع الطعام الصناعي بدلا من ذلك الذي ضاع بتلف المحصول الزراعي، وهلاك الماشية.
وعندما يستقر الناس في معيشتهم الجديدة، سيجدون أن سطح الأرض قد تغير تغيرا كبيرا. فتجمد مياه المحيطات والبحار تجمدا تاما، وتزداد البرودة زيادة هائلة، ويتكاثف بخار الماء من الجو وبذلك تخلو السماء تماما من السحب.
ولعل الإنسان يعمل على تكييف نفسه في ذلك الوسط الجديد، فإن لم يستطع فقد وصل إلى نهايته المحتومة.
محمد فتحي عبد الوهاب