مجلة الرسالة/العدد 829/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 829/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 829
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 23 - 05 - 1949



للأستاذ عباس خضر

عيسى بن هشام يبتذل في الإذاعة:

أشرت في الأسبوع الماضي إلى القضية التي ستنظر أمام محكمة مصر الكلية يوم 13 يونيه القادم بشأن التمثيليات التي تذيعها محطة الإذاعة بعنوان (عيسى بن هشام) وقد رفع الدعوى إلى المحكمة خليل المويلحي بك شقيق محمد المويلحي بك مؤلف كتاب (عيسى بن هشام أو فترة من الزمن) مطالباً وزير الشؤون الاجتماعية ومدير الإذاعة ومؤلف التمثيليات ومخرجها، بأن يدفعوا إليه ألف جنيه متضامنين.

وقد بدأت قصة هذه المسألة في سنة 1941 حينما عرض الأستاذ أحمد شكري على خليل المويلحي بك أن يصرح له باقتباس تمثيليات إذاعية من الكتاب، فوقع له بالتصريح، ولكنه لما سمع التمثيلية الأولى رأى أنها مسخت مقاصد مؤلف الكتاب، إلى أنها أعدت باللغة العامية المبتذلة، فألغى ذلك التصريح، وأفضى بالأمر إلى الدكتور طه حسين بك - وكان إذ ذاك المستشار الفني للإذاعة - فمنع الدكتور الاستمرار في هذا العمل. وفي سنة 1948 استأنفت الإذاعة تلك التمثيليات، وراح المذيع يقول في عبارته التقليدية: (محمد الغزاوي يقدم عيسى بن هشام تأليف أحمد شكري وإخراج محمد الغزاوي. . . الخ) فأرسل شقيق المؤلف الحقيقي إلى الإذاعة يطلب عدم إذاعة التمثيلية والكف عن التمادي في هذا التصرف. ولكن الإذاعة استمرت تذيع حلقات متتابعات تدور حوادثها على ما تضمنته قصة الكتاب مع تشويه الأهداف الأدبية فيها وابتذال اللغة، ففي إحداها ازدراء بالمنيكلي باشا بطل قصة الكتاب، من أحد (الخواجات) مما لا يتفق مع تصوير المؤلف الأصيل لهذه الشخصية، وفي إحداها تقول امرأة في المحكمة الشرعية للباشا: (يا منيل على عينك. . . يا مدهول. .)

وهكذا إلى هذا الحال يسير ذلك الأثر الأدبي الذي يعد المحاولة الأولى المصرية الحديثة الأصيلة، بل هو في رأي التاريخ الأدبي المعبر من المقامة إلى القصة في عصرين من عصور الأدب العربي.

ولنفرض أن الإذاعة ليس فيها أدباء يعرفون مكان (عيسى ابن هشام أو فترة من الزمن) وعلى هذا أذاعت مرارا أن مؤلف (عيسى بن هشام) هو أحمد شكري، ولكن ما بالها تستمر في ذلك وقد علمت علم مديرها - من الخطاب المرسل إليه من الاتصالات التي حدثت من أجل الموضوع التي احتج فيها المدير بالتصريح السابق - إن مؤلف (عيسى بن هشام) هو كاتب مصري اسمه محمد بك المويلحي - ما بال الإذاعة وقد علمت ذلك لا تزال تعلن أن المؤلف هو أحمد شكري بعد أن تعلن أن الغزاوي يقدم. .؟ وكيف تستبيح الإذاعة ومن يعملون فيها الحقوق الأدبية العامة - بصرف النظر عن حقوق الورثة المادية - فتحيل الأدب الرفيع إلى كلام مرذول، والفن العالي إلى بضاعة مما تسجيه إلى الناس. . .؟

تمثيل كريمات الرسول:

طلبت جمعية الشبان المسلمين من محطة الإذاعة، إذاعة مسرحية تمثلها على مسرحها، فاطلعت المحطة على المسرحية فرأت فيها مشهدا تظهر فيه شخصيات تمثل بعض الصحابة وآل الرسول وخاصة فاطمة الزهراء، فأرسلت إلى فضيلة مفتي الديار المصرية تستطلع رأيه فيها قبل إذاعتها، فرأى فضيلته أنه لا يليق إطلاقا أن تمثل شخصية فاطمة الزهراء أو يسمع الناس ممثلة تتحدث باسمها.

وقبل ذلك أذاعت المحطة تمثيلية قصيرة اسمها (زينب وأبو العاص) ونشرت مجلة آخر ساعة صور هذه التمثيلية وهي تمثل في دار الإذاعة، ومن بينها صورة زوزو حمدي الحكيم تمثل شخصية زينب بنت رسول الله. . . فلماذا لم تستفت الإذاعة فضيلة المفتي قبل إذاعة تمثيليتها وقبل الإذن بنشر صورها في المجلة؟

وهل يا ترى تمنع إذاعة (تسجيلها)؟

مظاهر النشاط المدرسي مظاهر فقط:

نحن الآن في أواخر العام الدراسي وقد حفل الشهر الأخير كما يحفل كل عام، بماهر النشاط المدرسي أو بالحفلات النهائية لهذا النشاط، من تمثيل وألعاب ومعارض فنية وغير ذلك. . .

ويبذل المشرفون على المدارس جهدا كبيرا في ذلك، ولكن هل تتجه هذه الجهود نحو الفائدة التربوية المتوخاة من هذا النشاط أو هي تنسرب نحو أغراض أخرى؟

لا أنسى منظر ذلك الناظر الذي رأيته في مكتب أحد رجال الوزارة الكبار، وهو يتحرق شوقا إلى تشريف الكبير حفلة التمثيل التي ستقيمها المدرسة، أنه يلح على السكرتير في طلب الإذن له، وكل ملامحه تنطق بالأهمية القصوى التي يعقدها على حضور الشخصية الكبيرة حفلة المدرسة. إن الرجل يبغي الظهور بالمقدرة والنشاط أمام الرؤساء وتصور ما وراء ذلك وما سبقه من إعداد.

هؤلاء نفر من الطلاب أختارهم المشرفون لتمثيل الرواية التي تعتزم المدرسة تقديمها على أحد المسارح في آخر العام، وعكف المدربون - وقد يختار بعضهم من خارج المدرسة - على تدريبهم، وكثيرا ما يحتاج الأمر إلى ترك الحصص والدروس للقيام بهذا التدريب في الوقت الذي يستعد فيه جميع الطلاب للامتحان آخر العام. والنتيجةهي أن تنجح الحفلة ويتباهى الناظر. أما الطلبة فسبعة أو ثمانية منهم دربوا على التمثيل تدريبا شاغلا عن بعض الدروس، وباقي الطلاب كل مغنمهم مشاهدة التمثيل. . .

وهذا معرض يشتمل على أعمال فنية تنسب إلى التلاميذ، ويعلم الله أن أيدي المدرسين، أو بعض الفنيين من الخارج، هي الغالبة عليها. . . وقد دعيت في هذا الأسبوع إلى حفلة شاي أعدت لمناسبة افتتاح معرض مدرسي، ولا أقدر نفقات الحفلة بأقل من خمسين جنيها، ثم نهضنا إلى المعروضات فإذا هي لا تساوي كل هذا الزئاط، ولمحت الطلبة بجوارها لا يفقهون أسرارها، والبركة في شرح المدرسين. . .

لو إن وراء تلك المظاهر ما يدل على أصالة الطلاب فيها وعلى استفادتهم من الدربة عليها استفادة شاملة أو غالبة، لكان الآمر على ما نحب لهم. ولكن يبدو أن مظاهر النشاط المدرسي خطوط متوازية مع الخط الرئيسي وهو السباق نحو الفوز في الامتحان. وكل ذلك دون العناية بما هو في الأصل غاية.

كرسي الاعتراف:

يعيش الكردينال (جيوفاني) أحد رجال الكنيسة بروما، في قصر أسرته العريقة (آل ميدتشي) مع والدته التي تأمل أن يصل الكاردينال إلى كرسي البابوية، ومع أخيه الشاب (جوليانو)، بجوار أسرته (تشيجي) واسمها (فليبرتا) وهي تحبه. ويحاول (أندريا ستروتسي) الذي يقر به البابا لأنه يجاهد في خدمة الكنيسة بسيفه - يحاول أن يظفر بالفتاة (فليبرتا) فيخطبها من أبيها، فيرفض الأب، ويدور بينهما نقاش حاد ينتهي بأن يقتل (جوليانو) (تشيجي) بخنجره، ويأمر تابعين له بنقله إلى باب داره، ويذهب إلى الكردينال، ليعترف بخطيئته أمام كرسي الاعتراف، ثم يذهب إلى حرب أمره البابا بالسير إليها. وعندما يكون (جوليانو) وخطيبته التي فقدها أبوها عند أخيه الكردينال، يقبل محافظ روما ليقبض على (جوليانو) مهماً بقتل (تشيجي) لأنه وجد خنجره بجوار الجثة وكان قد وقع منه عندما خف لنجدته ولأن اسم (جوليانو) كان آخر ما لفظه القتيل. ويصعق الكردينال لهذه المفاجأة ويؤكد للمحافظ أن أخاه بريء، ولكن المحافظ لا يعبأ به ويسوق المتهم إلى السجن، ثم يحاكم ويقضي بإعدامه؛ وتمر المحنة بالكردينال شديدة عاصفة لأنه يعرف القاتل ولا يستطيع أن يفشي سر (الاعتراف) وأخوه يساق إلى الإعدام. . . وفي خلال ذلك يقبل أندريا القاتل الحقيقي من ميدان القتال ظافراً، فتستقبله روما بالحفاوة، ويطلب إليه الكردينال أن يكشف عن الحقيقة في قتل (تشيجي) ولا بأس عليه لأن البابا لا بد أن يعفو عنه جزاء بلائه في الحرب، فيطلب ثمناً لذلك أن يتزوج (فليبرتا) فيعنف الكردينال في مخاطبته فيطرده ويلعنه. ثم يتصنع الجنون ويهيئ الجو بحيث يستدرج (أندريا) إلى الإقرار بجريمته على مسمع من محافظ روما الذي كان لدى الكردينال عندما أقبل (أندريا) وهم بالانصراف ولكنه لما سمع الجدال يعلو بين الرجلين اختبأ قريباً منهما خشية أن يعتدي (أندريا) على الكردينال. ثم يهجم المحافظ على (أندريا) ويمسك به ويطلق سراح (جوليانو)

هذه هي قصة فيلم (كرسي الاعتراف) الذي يعرض في سينما أوبرا، والذي أخرجه يوسف وهبي ومثل دور الكردينال فيه، وهي قصة مسرحية قديمة مترجمة عن الإنكليزية، ومثلها يوسف وهبي على المسرح مراراً قديماً وحديثاً. . . وأخيراً قدمها على الشاشة كما هي بحوارها وشخصياتها، لم يغير فيها إلا قليلا مما اقتضته الحركة السينمائية فبدت في ثوب سينمائي يكاد يتمزق ليكشف عن مناظر مسرحية بحتة، وقد عدمت من السينما ألزم لوازمها وهي المناظر المنوعة، فقد جرت كل الحوادث في قصر (آل ميدتشي) ولم نر شيئاً يذكر من روما مدينة السحر ومهد الفن ومبعث الشعر، كما تقول الأغنية التي بدأ بها الفيلم.

ويخيل إلى أن هذا الفيلم يتمثل فيه (التقتير) من ناحيتين، فالتقتير من جانب المنتج في عدم الإنفاق على المناظر والاكتفاء بهذا الاسم المدوي في عالم الفن: يوسف وهبي، وهو أي يوسف وهبي يبدو رائعاً بمظهر الكردينال كما ترى في صورته بالإعلان في الصحف وقد رفع يديه فبدت فتحتا القميص الرشيقتان. . . وقد عنى مصور الفيلم بالتقاط مناظره في المواقف المختلفة عناية ظاهرة.

والتقتير من جانب يوسف وهبي بتقديم بضاعة قديمة، لا تكلفه عناء ولا مجهوداً ولا عناء، فقد حفظ دوره في الرواية وأجاد تمثيله، وأقوم ما في الفيلم إتقان يوسف وهبي في تمثيل دوره الذي مرن عليه في المسرح، ولا آخذ عليه إلا ما ينتابه من الصياح في بعض المواقف دون داع إليه، كما صنع وهو يتعشى وأمه منفردين بجو هادئ، إذ هب يخطب فجأة قائلاً أنه لا بد أن يحافظ على مجد (آل مديتشي) ولا جمهور يخطبه غير أمه والمائدة.[تعليق: لم ينتبه أ.عباس خضر الحالة التي تقمصها بسماع كلام أمه]...

ويبدو لي أن هذه الرواية لم تصل إلى السينما حتى كان (زيتها) قد اعتصر. . . فلم تكن تحتمل كل هذا الذي جرى لها في مصر. . . ألم يكن يكفي تمثيلها على المسرح والاعتبار بشكوى (الخشبة) من تكرارها عليها حتى تبلى بها (الشاشة) في آخر المطاف؟ أو لم تكن أولى بهذه الجهود السينمائية رواية مصرية جديدة؟ وماذا يهم الجمهور المصري من (آل مديتشي) وحب السيد (جوليانو) واعتراف (أندريا ستروتستي)؟ لقد كان الممثلون أنفسهم - فيما بدا لي - ضائقين بهذا الجو يؤدون أدوارهم فيه (والسلام!) وإلا فبماذا أفسر جمود فاتن حمامة (فليبرتا) وفاخر فاخر (جوليانو) وظهورهما في مواقف الفيلم كأنهما يتفرجان بمناظر قصر (آل مديتشي) وما حوى من العجائب والغرائب. . . وهما من أقدر الممثلين.؟ [تعليق: لقد خان الصواب أ. عباس خضر ثانية فلا شك أن السينما سيشاهدها عدد أكبر من رواد المسرح.... وسيخلد الفيلم عبقرية يوسف وهبي عكس المسرح... ثم كيف لا يعترف بضرورة تناقح الثقافات بترجمة آداب عالمية وتمثيلها...]

عباس خضر