مجلة الرسالة/العدد 830/من أعلام رجال الفكر في عصر الحروب الصليبية:

مجلة الرسالة/العدد 830/من أعلام رجال الفكر في عصر الحروب الصليبية:

مجلة الرسالة - العدد 830
من أعلام رجال الفكر في عصر الحروب الصليبية:
ملاحظات: بتاريخ: 30 - 05 - 1949



ابن دقيق العيد

للأستاذ أحمد أحمد بدوي

تقي الدين أبو الفتح محمد بن مجد الدين أبي الحسن علي بن وهب ابن مطيع القشيري.

ولد يوم السبت الخامس والعشرين من شعبان سنة 625 بظهر البحر الأحمر، قريباً من ساحل مدينة ينبع بالحجاز، وأبواه متوجهان من قوص للحج، قالوا: وحمله والده على يديه، ودعا ربه، وهو يطوف به الكعبة أن يجعله من العلماء العاملين، فاستجاب الله دعوته.

وكانت أسرة ابن دقيق العيد قد اتخذت قوص موطناً لها بعد أن هجرت مدينتها الأولى منفلوط، فنشأ الفتى بقوص، وكانت من أهم مراكز الثقافة في ذلك الحين، فحفظ القرآن الكريم، ثم درس فقه مالك على والده الذي كان من أئمة المالكية، كما أخذ عنه الحديث والأصول، ودرس في قوص إلى غير والده أيضاً، فأخذ فقه الشافعية عن تلميذ والده بهاد الدين القفطي، ودرس الأصول على علم من أعلام هذه المادة وهو شمس الدين الأصبهاني، والنحو على شرف الدين المرسي، ثم رحل في طلب العلم إلى القاهرة والإسكندرية ودمشق والحجاز، وأخذ عن كبار علماء عصره مثل الحافظ المنذري وعز الدين بن عبد السلام، وعليه درس فقه الشافعي أيضاً، وبهذا أتقن وهو شاب مذهبي الشافعي ومالك إتقاناً عظيما بلغ به درجة الإفتاء بهما، وقد قال فيه ابن القوبع من قصيدة يمدحه بها:

صبا للعلم صبَّا في صباه ... فأعْلِ بهمة الصب الصبي

وأتقن والشباب له لباس ... أدلّة مالك والشافعي

وعاد الشاب إلى مدينته وقد درس الفقه على المذهبين، وأصول الفقه، والحديث وعلومه، وعلم الكلام، والتفسير والنحو واللغة والأدب، وكان أكبر ما امتاز فيه الفقه والحديث.

أما في الفقه، فقد ارتفع عن مستوى التقليد المطلق الذي يقف فيه عند نصوص الأئمة لا يحيد عنها، بل يرتفع إلى حيث يستخلص الأحكام من أدلتها في الكتاب والسنة.

قال مؤرخه فتح الدين اليعمري: (وكان حسن الاستنباط للأحكام والمعاني من السنة والكتاب، بلب يسحر الألباب، وفكر يفتح له ما يستغلق على غيره من الأبواب، مستعيناً على ذلك بما رواه من العلوم).

وقال عنه أبو حيان: (هو أشبه من رأيناه يميل إلى الاجتهاد)

ولعل ابن دقيق العيد كان يرى نفسه مجتهد عصره، فإنه كان يؤمن بأن كل وقت لا يخلو من مجتهد. وقد وضع كتاب الإلمام، وجمع فيه الأحاديث التي يستنبط منها الأحكام، مما يدل على ما وصل إليه من درجة ممتازة في الاستنباط والاستدلال.

وأما في الحديث، فقد برع في معرفة متنه وإسناده وعلله، حتى أصبح أوحد عصره فيه، وله في علوم الحديث مؤلف دعاه (الاقتراح في معرفة الإصلاح)، وإليه أسند وإلى قوص التدريس في دار الحديث التي أنشأها بها.

وقد ساعده على بلوغ هذه المنزلة من العلم ذكاء ممتاز، ودأب على التحصيل، وسهر بالليل للدرس، وشره في القراءة، وغرام بالإطلاع. قال الأدفويّ في الطالع السعيد: (كان له قدرة على المطالعة. رأيت خزانة المدرسة النجيبية بقوص فيها جملة كتب، من جملتها عيون الأدلة لابن القصَّار في نحو من ثلاثين مجلدة، وعليها علامات له. وكذلك رأيت كتب المدرسة السابقية، رأيت على السنن الكبير للبيهقي، فيها من كل مجلدة علامة، وفيها تاريخ الخطيب كذلك، ومعجم الطبراني الكبير، والبسيط للواحدي، وغير ذلك)؛ وأخبرني شيخنا الفقيه سراج الدين الترندري أنه لما ظهر الشرح الكبير للرافعي اشتراه بألف درهم وصار يصلي الفرائض فقط، واشتغل بالمطالعة إلى أن أنهاه مطالعة. ويقال إنه طالع كتب مكتبة المدرسة الفاضلية عن آخرها، وكانت ذات مكتبة ضخمة حافلة.

وإلى جانب غرامه بالقراءة كان كثير النقد والتحري والتدقيق فيما يقرأ، لا يقبل الشيء من غير أن يعمل فيه فكره فيقبله أو يرفضه.

ولعل كثيرين من مقدريه وعارفي فضله قد نصحوه بمغادرة قوص إلى القاهرة، حيث يظفر فيها بالتقدير وبعد الصوت والرزق الواسع، وحيث يجد المجال واسعاً لذيوع علمه والشهرة ورفيع المناصب، وقد تردد ابن دقيق العيد في قبول هذا العرض، ظنَّا منه أن نيل ذلك كله لا يكون إلا بفقد شيء من الكرامة، والتهاون في كثير من أمور الدين، وهو يحدثنا عن ذلك في قوله:

يقولون لي: (هلا نهضت إلى العلا ... فما لذ عيش الصابر المتقنع

وهلا شددت العيس حتى تحلها ... بمصر إلى ذاك الجناب المرفع ففيها من الأعيان مَن فيض كفه ... إذا شاء روى سيله كل بلقع

وفيها قضاة ليس يخفى عليهمُ ... تيقن كون العلم غير مضيّع

وفيها شيوخ الدين والفضل والأولى ... يشير إليهم بالعلا كل إصبع

وفيها. . . وفيها. . . والمهابة ذله ... فقم، واسع، واقصد باب رزقك، واقرع)

فقلت: (نعم أسعى إذا شئت أن أُرَى ... ذليلا مهاناً مستحقاً لموضع

وأسعى إذا ما لذ لي طول موقفي ... على باب محجوب اللقاء ممنع

وأسعى إذا كان النفاق طريقتي ... أروح وأغدو في ثياب التصنع

وأسعى إذا لم يبق فيَّ بقية ... أراعي بها حق التقى والتورع

وكم بين أرباب الصدور مجالس ... يشب لها نار الغضا بين أضلع

فإما توقي مسلك الدين والنهي ... وإما تلقي غصة المتجرع)

وكان في صميم قلبه يرجو أن يظفر بالرفعة من غير أن يفقد في سبيلها كرامته، وهذا هو السر في نقمته على أرباب المناصب الذين لم يعرفوا قدره، ولم ينزلوه ما هو جدير به من رفيع المنازل، تحس بذلك في قوله:

أهل المناصب في الدنيا ورفعتها ... أهل الفضائل مرذولون بينهم

قد أنزلونا لأنا غير جنسهم ... منازل الوحش في الإهمال عندهم

فما لهم في توقي ضرنا نظر ... وما لهم في ترقي قدرنا همم

فليتنا لو قدرنا أن نعرّفهم ... مقدارهم عندنا أو لو دروه هم

لهم مريحان: من جهل وفرط غنى ... وعندنا المتعبان: العلم والعدم

ولكن يظهر أن الحالة المالية لابن دقيق العيد دفعته إلى المجيء إلى القاهرة، حيث ولي المدرسة الصلاحية سنة 680، ودرس الحديث بدار الحديث الكاملية وكان له منزل بها، وعلم الفقه على مذهبي الشافعي ومالك بالمدرسة الفاضلية، كما درَّس أيضاً بالمدرسة الصالحية والقبة المنصورية.

ومع ذلك لم يُثرِ ابن دقيق العيد، بل لم يدفع عن نفسه شر الفاقة، وكان يضطر إلى الاستدانة أحياناً، وإن كان قد ظفر أخيراً بالثراء والرخاء، فاستمتع وأكثر من التسري، وكان ينعى حظه قائلا: سحاب فكري لا يزال هامياً ... وليل همي لا أراه راحلا

قد أتعبتني همتي وفطنتي ... فليتني كنت مهيناً جاهلا

وربما كانت رغبة ابن دقيق العيد في الاستمتاع بمباهج الحياة هي التي دفعته إلى أن يعترف للشيخ زكي الدين بأنه أدين منه. حكى تاج الدين الدشناوي قال: (خلوت به مرة فقال: يا فقيه، أفزت برؤية الشيخ زكي الدين عبد العظيم؟ فقلت: وبرؤيتك؛ فكرر الكلام، وكررت الجواب؛ فقال: كان الشيخ زكي الدين أدين مني؛ ثم سكت ساعة وقال: غير أني أعلم منه!

وظفر ابن دقيق العيد بشهرة واسعة، وصوت بعيد، وتقدير عميق في قوص والقاهرة، حتى في أيام أساتذته. وفي سنة 695 ولّي قضاء قضاة الشافعية في الديار المصرية، وقد استقبل كثير من مقدريه قبوله هذا المنصب بشيء من العتب عليه واللوم، ورأوا فيه حطاً من عظيم قدره، وكانوا يفضلون بعده عن مناصب السلطان ويعدون ذلك زلة له، ولكني لا أوافقهم على ما ذهبوا إليه، ولا سيما أن ابن دقيق العيد كان أحب الناس برعاية الحقوق وإحقاق العدالة، ورسائله إلى من كان يعينهم من القضاة يحثهم فيها على تحري الحق، ويخوفهم من الظلم، ويشعرهم بما عليهم من التبعة تدلنا على مقدار ما ظفر به المنصب يوم حله هذا العالم الممتاز. وكان هو نفسه يشعر بثقل العبء الملقى عليه قاضياً، فكان يقول: (والله ما خار الله لمن بلي بالقضاء)؛ ويقول: (لو لم يكن إلا طول الوقوف للسؤال والحساب لكفى). وأثر عنه في القضاء آثار حسنة، منها انتزاع أوقاف كانت أخذت واقتطعت لمقتطعين، ومنها أن القضاة كان يخلع عليهم الحرير، فخلع على الشيخ الصوف واستمرت، ورتب على الأوصياء مباشراً من جهته، وكان يكتب إلى نوابه يذكرهم ويحذرهم.

ولم ينج ابن دقيق العيد وهو في منصب القضاء من ساخطين عليه، هجوه بالشعر حيناً، وبالزجل حيناً آخر. قال برهان الدين المصري الحنفي الطبيب، وكان قد استوطن قوص سنين: (كنت أباشر وقفاً فأخذه مني شمس الدين محمد بن أخي الشيخ وولاه لآخر، فعز عليَّ، ونظمت أبياتاً في الشيخ فبلغته، فأنا أمشي مرة خلفه وإذا به قد التفت إليَّ وقال: (يا فقيه، بلغني أنك هجوتني؟) فسكت زماناً فقال: (أنشدني)؛ وألح عليَّ، فأنشدته: وليت فولي الزهد عنك بأسره ... وبان لنا غير الذي كنت تظهر

ركنت إلى الدنيا وعاشرت أهلها ... ولو كان عن جبر لقد كنت تعذر

فسكت زماناً، ثم قال: ما حملك على هذا؟ فقلت: أنا رجل فقير، وأنا أباشر وقفاً أخذه مني فلان؛ فقال: ما علمت بهذا. ورد الوقف إليه.

وارتفعت منزلته عند سلاطين عصره، فكان السلطان لاجين ينزل له عن سريره ويقبل يده. وفي سنة 698 بعد وفاة الخليفة العباسي الحاكم بأمر الله، أرسل إليه السلطان الناصر محمد يستشيره فيمن يوليه الخلافة بعده.

واستمر ابن دقيق العيد في منصب القضاء، وإن كان قد عزل منه نفسه أحياناً، حتى مات يوم الجمعة حادي عشر صفر سنة 702، ودفن يوم السبت بسفح المقطم.

قال الأدفوي في الطالع السعيد: (وكان ذلك يوماً مشهوداً عزيزاً في الوجود، سارع الناس إليه، ووقف جيش مصر ينتظر الصلاة عليه، رحمه الله تعالى، وهو ممن تألمت على فوات رؤيته، والتملي بفوائده وبركاته).

ورثاه الشريف محمد بن محمد القوصي بقصيدة طويلة منها قوله:

سيطول بعدك في الطلول وقوفي ... أروي الثرى من مدمعي المذروف

لو كان يقبل فيك حتفك فدية ... لفديت من علمائنا بألوف!

يا طالبي المعروف، أين مسيركم؟ ... مات الفتى المعروف بالمعروف!

ما عنَّف الجلساء قط، ونفسه ... لم يخلها يوماً من التَّعنيف

يا مرشد الفتيا إذا ما أشكلت ... طرق الصواب، ومنجد الملهوف

من للضعيف يعينه أنَّى أتى ... مستصرخاً، يا غوث كل ضعيف

أفنيت عمرك في تقي وعبادة ... وإفادة للعلم أو تصنيف

لهفي على حبر، بكل فضيلة ... علياء من زمن الصبا مشفوف

كان الخفيف على تقيّ مؤمن ... لكن على الفجار غير خفيف

أمنت أحاديث الرسول به من ... التبديل والتحريف والتصحيف

ومضى وما كتبت عليه كبيرة ... من يوم حل بساحة التكليف

صبراً بنيه، قوة من بعده ... صبر الكريم الماجد الغطريف كما رثاه جماعة من الفضلاء والأدباء بالقاهرة وقوص.

وترك كثيراً من الأولاد، فكان له من الذكور عشرة سماهم بأسماء الصحابة، وأخذ عنه عدد ضخم نبغ من بينهم جم غفير صار منهم المحدثون والنحويون وقضاة القضاة.

وألف كثيراً من الكتب: منها كتاب الإلمام، الجامع أحاديث الأحكام، وقد أثنى العلماء ثناء جما على هذا الكتاب، حتى ادعى بعضهم أنه ما وضع في هذا الفن مثله. وقال عنه تقي الدين بن تيميه: (هو كتاب الإسلام) وشرع في شرحه؛ ولكن يظهر أنه لم يتمه. وقد اشتمل الشرح فضلا عن الأحكام المستنبطة على أنواع أدبية، ونكت خلافية، ومباحث منطقية، ولطائف بيانية، ومواد لغوية، وأبحاث نحوية، وعلوم حديث، وملح تاريخية، وإشارات صوفية. ومنها كتاب الإمام في الأحكام، وهو في عشرين مجلداً، وشرح كتاب التبريزي في الفقه، ومقدمة المطرزي في أصوله، كما شرح بعض مختصر ابن الحاجب في الفقه، ووضع في علوم الحديث كتاب الاقتراح في معرفة الاصطلاح. وله مصنف في أصول الدين.

وكان ابن دقيق العيد إلى جانب امتيازه في التدريس والتأليف خطيباً بارعاً سمعه الشاعر المعروف أبو الحسين الجزار وهو يخطب بقوص فأعجب ببلاغته، ثم أنشده مادحاً له:

يا سيد العلماء، والأدباء، ... والبلغاء، والخطباء، والحفاظ

شنفت أسماع الأنام بخطبة ... كست المعاني رونق الألفاظ

أبكت عيون السامعين فصولها ... فزكت على الخطباء والوعاظ

ستقول مصر إذ رأتك لغيرها ... ما الدهر إلا قسمة وأحاظ

ويقول قوم إذ رأوك خطيبهم: ... أنسيتنا قسِّا بسوق عكاظ

وجمع له ديوان خطب.

وكان يقول الشعر، وقد رأينا بعض نماذج له، وتستطيع بقراءته أن تعرف بعض خلجات نفسه، وروى مؤرخوه كثيراً من هذه النماذج، فتسمعه حيناً ينقم على حظه ويقول:

الحمد لله، كم أسعى بعزمي في ... نيل العلا، وقضاء الله ينكسه

كأني البدر أبغي الشرق والفلك ... الأعلى يعارض مسعاه فيعكسه

كما جأر مرة أخرى بالشكوى من الفقر حين قال: لعمري، لقد قاسيت بالفقر شدة ... وقعت بها في حيرة وشتات

فإن بحت بالشكوى هتكت مروءتي ... وإن لم أبح، بالصبر خفت مماتي

وأعظم به من نازل بملمة ... يزيل حيائي أو يزيل حياتي

ويلجأ إلى الله قائلا:

وقائلة: مات الكرام، فمن لنا ... إذا عضنا الدهر الشديد بنابه

فقلت لها: من كان غاية قصده ... سؤالا لمخلوق فليس بنابه

لئن مات من يرجى فمعطيهم الذي ... يرجونه باق فلوذوا ببابه

وتلمس حبه للوقار وغرامه به، حتى قالوا: إن العادَّ يستطيع إحصاء كلامه، لأن كثرة الكلام تذهب بالوقار في قوله:

تمنيت أن الشيب عاجل لمَّتي ... وقرب مني في صباي مزاره

لآخذ من عصر الشباب نشاطه ... وآخذ من عصر المشيب وقاره

وله شعر كثير في مدح الرسول، ومن ذلك موشحه أوردها صاحب الفوات منها قوله:

بنى العز للتوحيد من بعد هدمه ... وأوجب ذل المشركين بجده

عزيز قضى رب السماء بسعده ... وأيده عند اللقاء بجنده

فأورده للنصر أعظم مشرع

وله نثر لا يخرج عن طريقة أهل عصره الذين أغرموا بالسجع والمحسنات البديعية، ونجد له نماذج في كتبه وفي الطالع السعيد، كما كان مطلعاً على كتب الأدب، حتى لقد كان الشهاب محمود يقول عنه: (لم تر عيني أدب منه).

ويثني مؤرخوه على أخلاقه الاجتماعية والشخصية، وكان خفيف الروح لطيفاً على نسك وورع، ودين متبع، يقابل الإساءة بالعطف والإحسان، شفيعاً بالمشتغلين، كثير البر لهم، جواداً كريماً، يحاسب نفسه ويشتد في حسابها.

كل ذلك قد دفع معاصريه ومؤرخيه إلى أن يغمروه بإعجابهم إلى آخر درجات الإعجاب. فهذا فتح الدين بن سيد الناس يقول: (لم أر مثله فيمن رأيت، ولا حملت أنثى بأجل منه فيما رأيت ورويت، لا يشق له غبار، ولا يجري معه سواه في مضمار). وقال الذهبي عنه: (كان إماماً متفنناً، مجوداً محرراً، فقيهاً مدققاً، غواصاً على المعاني، وافر العقل، كثير السكينة، تام الورع، سمحاً، جواداً، زكي النفس، عديم الدعوى).

أما السبكي فيقول عنه: (شيخ الإسلام، الحافظ الزاهد الورع، الناسك المجتهد المطلق، ذو الخبرة التامة بعلوم الشريعة، الجامع بين العلم والدين، والسالك سبيل الأقدمين، أكمل المتأخرين وبحر العلم الذي لا تكدره الدلاء، ومعدن الفضل الذي لقاصدة منه ما يشاء. . . ولم ندرك أحداً من مشايخنا يختلف في أن ابن دقيق العيد هو العالم المبعوث على رأس السبعمائة، وأنه أستاذ زمانه علماً وديناً).

وذكره ابن أبي الإصبع صاحب كتاب البديع في كتابه فقال: (هو من الذكاء والمعرفة على حالة لا أعرف أحداً في زمني عليها).

وهكذا ظفر ابن دقيق العيد بإعجاب لا حد له، ولا يزال اسمه إلى اليوم يذكر في الفقه محاطاً بهالة من الإكبار والإجلال.

أحمد أحمد بدوي

مدرس بكلية دار العلوم بجامعة فؤاد الأول