مجلة الرسالة/العدد 831/رسالة النقد

مجلة الرسالة/العدد 831/رسالة النقد

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 06 - 1949



نظرات في كتاب الأشربة

للأستاذ السيد أحمد صقر

- 3 -

16 - ص31 يقول ابن قتيبة: (وقد فضح الله بالشراب أقواماً من الأشراف فحدوا، ودونت في الكتب أخبارهم ولحقت بتلك السبة أعقابهم، منهم الوليد بن عقبة، شهد عليه أهل الكوفة بشرب الخمر، وأنه صلى بهم الغداة وهو سكران وقال: أزيدكم يشهد الله بذلك، وبمنادمه أبي زبيد الشاعر - وكان نصرانياً - فحده هناك عمرو بن العاص سراً، فلما قدم على عمر رضي الله عنه جلده حداً آخر).

وهذا نص مضطرب أشد الاضطراب؛ يشوه وجه الحق والتاريخ معاً. فإن الوليد بن عقبة لم يكن والياً للكوفة في عهد عمر، وإنما وليها في عهد عثمان بن عفان؛ ولم يذهب عمرو بن العاص إلى الكوفة ليحده هناك، ولم يحد الوليد في الكوفة وإنما حد في المدينة، ولم يشترك عمرو بن العاص في حده بسبب من الأسباب. والذي حده عمرو في مصر سراً وأعاد عليه عمر بن الخطاب، كما ذكر المؤرخون، وكما ذكر ابن قتيبة نفسه في هذا الموضع من كتاب الأشربة. وقد ضلت تلك الحقائق التاريخية عن ذهن كرد علي. ولو وجد ريحها لأحس أن في الكلام سقطاً لا يستقيم معناه إلا بذكره. وهو كما جاء في العقد نقلا عن ابن قتيبة: (. . . وأنه صلى بهم الغداة وهو سكران ثم التفت إليهم فقال: إن شئت زدتكم. فجلده عليّ بن أبي طالب بين يدي عثمان وكان نديمه أبو زبيد الطائي، وفيه يقول الحطيئة:

شهد الحطيئة يوم يلقى ربه ... أن الوليد أحق بالعذر

نادى وقد تمت صلاتهم ... ليزيدهم خيراً ولا يدري

ليزيدهم خيراً ولو قبلوا ... لجمعت بين الشفع والوتر

كبحوا جماحك إذ جريت ولو ... تركوا عنانك لم تزل تجري

ومنهم عبيد الله بن عمر بن الخطاب شرب بمصر فحده هناك عمرو بن العاص سراً. فلم قدم على عمر رضي الله عنه جلده حداً آخر).

17 - وفي صفحة 32 ذكر ابن قتيبة أبيات الأخطل في نديمه العباس بن عبد الله بن العباس التي أولها:

ولقد غدوت على التجار بِمُسْمِحٍ ... هرَّت عواذله هرير الأكلب

فضل الكياس إذا تمشى لم يكن ... عند الشراب بفاحش متقطب

مر الأستاذ على البيتين الأخيرين ولم يعقب؛ لأنه لم يدرك معناهما، ولو أدركه لأصلح ما فيهما من خطأ. وصواب البيت الأول منهما: (خُضِلُ الكِياس إذا تشتى) والخضل: الندي والكياس جمع كأس. وتشتى: أي دخل في الشتاء.

وصواب البيت الثاني (وإذا تُعُوِّرت الزجاجة) من التعاور وهو التعاور وهو التداول.

18 - ص32 ذكر ابن قتيبة أن من المفضوحين بشرب الخمر (عبد الرحمن بن عبد الله الثقفي القاضي بالكوفة، فضح بمنادمة سعد بن هبار فقال حارثة بن بدر:

نهاره في قضايا غير عادلة ... وليله في هوى سعد بن هبار

ما يسمع الناس أصواتاً لهم عرضت ... إلا دويا دويّ النحل في الغار

فأصبح القوم إطلاقاً أضربهم ... حث المطي وما كانوا بسفار

يدين أصحابه فيما يدينهم ... كأساً بكأس وتكراراً بتكرار

ولست أدري كيف فهم كرد علي معنى أن القوم أصبحوا (إطلاقاً) وهي لا معنى لها لأنها محرفة وصوابها (فأصبح القوم أطلاحا) جاء في لسان العرب: (الطلح والطلاحة: الأعياء، وجمع طلح: أطلاح وطلاح).

19 - ص34 يتابع ابن قتيبة حديثه عمن فضح بالشراب فيقول: (ومنهم خالد بن عمرو بن الزبير، وفيه يقول القائل:

إذا أنت نادمت العتير وذا الندى ... حبيراً وعاطيت الزجاجة خالدا

أمنت بإذن الله أن تقرع العصا ... وأن يوقظوا من رقدة السكر راقدا

وصرت بحمد الله في خير فتية ... حسان الوجوه لا تخاف العرابدا

والعجب عندي من قوله: وأن يوقظوا من نومة السكر راقداً وأكثر ما يوقظ السكران للصلاة، أفتراهم حمدهم على تركه إيقاظه للصلاة إذا سكر).

والصواب (وذا الندى جبيراً) والرواية الصحيحة التي رواها ابن قتيبة كما ذكرها في الجملة السابقة هي: (وأن يوقظوا من نومة السكر راقدا). ولكن الأستاذ لم يفطن لذلك التخالف البين بين رواية البيت والرواية التي يتحدث عنها ابن قتيبة. وصواب الجملة الأخيرة: (. . . أفتراه حمدهم. . .) على أن في هذا النص خطأ تاريخيا كبيراً لم يلحظه الأستاذ، وهو من أوهام الناسخين الماسخين وليس من أوهام المؤلف، فإن ابن قتيبة لم يقل (ومنهم خالد بن عمرو بن الزبير) وإنما قال: (ومنهم خالد بن أيوب الأنصاري) وقد أشار إلى ذلك في كتاب المعارف ص105، 106 في ثنايا حديثه عن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف، قال: (ولسهيل عقب بالمدينة. منهم عتير بن سهيل وكان صاحب شراب وفيه يقول الشاعر:

إذا أنت نادمت العتير وذا الندى ... جبيراً وعاطيت الزجاجة خالداً

وجبير هو ابن أيمن ابن أم أيمن حاضنة رسول الله . وخالد هو ابن أبي أيوب الأنصاري).

ولم يسم ابن قتيبة قائل هذا الشعر لا في كتاب المعارف ولا

في كتاب الأشربة، وهو السريُّ بن عبد الرحمن بن عتبة بن

عويم بن ساعدة الأنصاري. قال أبو الفرج الأصفهاني في

كتاب الأغاني 1825 (والسري شاعر من شعراء أهل المدينة،

وليس بمكثر ولا فحل، إلا أنه كان أحد الغزلين، والفتيان

المنادمين على الشراب، كان هو وعتير بن سهيل ابن عبد

الرحمن بن عوف، وجبريل بن أيمن، وخالد بن أبي أيوب

الأنصاري يتنادمون، وفيهم يقول:

إذا أنت نادمت العتير وذا الندى ... جبيراً وعاطيت الزجاجة خالدا

وذكر بقية الأبيات ثم أعاد روايتها مرتين في ص67، 66 وروى في هذه الصفحة أنهم قالوا له: (قبحك الله ماذا أردت إلى التنبيه علينا، والإذاعة لسرنا؟ إنك لحقيق أن لا ننادمك، قال والله ما أردت بكم سوءاً، ولكنه شعر طفح فقئته عن صدري. . .)

20 - ص34 يقول ابن قتيبة (وهذا أبو محجن الثقفي شهد يوم القادسية وأبلى بلاء حسناً، شهر وكان فيمن شهد ذلك اليوم عمرو بن معدي كرب فقال عليه، وهو القائل:

إذا مت فادفني إلى أصل الكرمة ... تروي عظامي بعد موتي عروقها

ولا تدفنني بالفلاة فإنني ... أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها)

وهذا نص مضطرب جداً لا معنى له وقد مر عليه الأستاذ مرور الكرام كما يقال وكأنه قد فهمه، ما معنى (فقال عليه) وما معنى إقحام (عمرو بن معدي كرب) هنا؟ لست أدري ولعل الأستاذ يتفضل علينا وعلى القراء ببيان معناه.

21 - ص35 (قال العتبي شعراً ذكر فيه كثيراً من مقابح السكر:

دع النبيذ تكن عدلا وإن كثرت ... فيك العيوب وقل ما شئت يحتمل

هو المشيد بأسرار الرحال فَما ... يخفى على الناس ما قالوا وما فعلوا

كم زلة من كريم ظل يسبرها ... من دونها سُتر الأبواب والكلل

أضحت كنار على علياء موقدة ... ما يستسر لها سهل ولا جبل

والصواب (. . . ظل يسترها) ثم يقول العتبي:

والعقل علق مصون لو يباع لقد ... ألفيت بُيَّاعه ما سُألوا

والصواب (يعطون ما سُئلوا)

فاعجب لقوم مناهم في عقولهم ... أن يذهبوها بعل بعده نَهَل

قد عقدت لخمار السكر ألسنهم ... عن الصواب ولم يصبح بها عِلل

وازورت بسنات النوم أعينهم ... كأن أحداقها حول وما حَوِلوا

والصواب (قد عقدت بخمار. . . وازَّاوَرَت بسنات النوم أعينهم) أي مالت.

22 - ص26، 27 (وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة حين تتابعت الأخبار عليه، وتتابع الناس في الأشربة المسكرة على التأويل: أما بعد فإنه قد كان من أمر هذا الشراب أمر ساءت فيه رغبة الناس حتى بلغت بهم الدم الحرام، والمال الحرام والفرج الحرام، وهو يقول: شربنا شراباً لا بأس به. وإن شراباً حمل الناس على هذا البأس شديد وإثم عظيم، وقد جعل الله عنه مندوحة وسعة من أشربة كثيرة، ليس في الأنفس منها حاجة: الماء العذب، واللبن والعسل والسويق، وأشربة كثيرة من نبيذ التمر والزبيب في أسقية الأدم التي لا زفت فيها، فإنه بلغني أن رسول الله نهى عن نبيذ الضروف المزفتة وعن الدنان والجرار).

والصواب (أمر ساءت فيه رِعْيَتُهم. . .)

جاء في سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي ص101 (كان في الناس من هذا الشراب أمر ساءت فيه رِعْيَتُهم، وغشوا فيه أموراً انتهكوها عند ذهاب عقولهم، وسفه أحلامهم، بلغت بهم الدم الحرام. . .) وهذه الجملة أدق من الجملة التي نقلها ابن قتيبة.

والصواب أيضاً (. . . من أشربة كثيرة ليس في الأنفس منها جائحة).

والصواب أيضاً (. . . فإنه بلغني أن رسول الله نهى عن نبيذ الجرّ والدُّبَّاءِ والظروف المزفتة) وليس لكلمة (الضروف) أي معنى في لغة العرب.

23 - 37، 38 (وقد شهر المتعاشرون على الشراب بسوء العهد، وقلة الحفاظ وأنهم صديقك ما استغنيت حتى تفتقر، وما عوفيت حتى تنكب، وما غلت دنانك حتى تنزف، وما رأوك بعيونهم حتى يفقدوك، قال الشاعر:

أرى كل قوم يحفظون حريمهم ... وليس لأصحاب النبيذ حريم

إذا جئتهم حيوك ألفاً ورحبوا ... وإن غبت عنهم ساعة فدميم

إخاؤهم ما دارت الكأس بينهم ... وكلهم رث الوصال سؤوم

فهذا ثباتي لم أقل بجهالة ... ولكنني بالفاسقين عليم

والصواب (فهذا ثنائي) كما في العقد الفريد 4321 وليس

للثبات هنا أي معنى يستقيم به نظم الكلام، ويقوم عليه بناء

معناه.

(يتبع)

السيد أحمد صقر المدرس بالليسيه فرنسية بمصر الجديدة