مجلة الرسالة/العدد 844/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 844/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 844
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 05 - 09 - 1949



للأستاذ عباس خضر

بعثات البنات والرقص التوقيعي:

نشب الجدل أخيراً في الصحف والمجلات حول ما رآه معالي وزير المعارف مرسي بدر بك وقرره، من منع بعثات البنات إلى الخارج، وإلغاء الرقص التوقيعي في مدارس البنات، وقد انقسم الكاتبون والمعقبون إلى معارضين ومؤيدين، واتخذت بعض المجلات هذا الموضوع مجالاً للفكاهة والتندر. وقد اشتملت حملة المعارضين لمنع البعثات على مغالطات واندفاعات وجانبت القصد وجاوزت الاتزان.

لقد أفضى معالي الوزير بوجهة نظره فقال: إني لا أوافق على إيفاد بعثات بنات إلى الخارج ما عدا لندن لوجود بيت خاص للطالبات بها وتقوم بالإشراف عليهن مربية فاضلة ترعى مصالحهن وتشرف على تصرفاتهن، أما إلى أي بلد آخر فلا أسمح بذلك مطلقا. وإذا كنت أنا وزير المعارف لا أسمح بأن أرسل ابنتي إلى سويسرا أو فرنسا بمفردها دون رقيب، فلهذا لا أسمح بإرسال فتيات للخارج أنا مسئول عن سلوكهن دون أن يوجد من يشرف عليهن.

هذا كلام (رجل) يمسك الزمام ويقدر المسئولية العامة كما يقدر المسئولية الخاصة. ولا شك أن الذين يعارضون - ولندع السيدات جانباً - إنما يسترسلون في حملتهم غير شاعرين بشعور الرجل الحر المسئول عن أخواته وبناته، وإلا فكيف يتفق هذا الشعور وأن يرسل الرجل ابنته إلى بلاد كفرنسا أو سويسرا لتعيش هناك كالغزال الشارد في مجتمع يستبيح كثيراً مما نحظر؟ وإذا كنا لا نسمح للفتاة التي تأتي إلى جامعة فؤاد من غير القاهرة، أن تعيش وحدها من غير رعاية أقارب ورقابتهم لها، فكيف نرسلها إلى باريس مثلا بمفردها دون رقيب أو موجه؟ أخشى - إن فعلنا - أن تعود إلينا فتتحدث عن مغامراتها هناك كما يتحدث الفتيان. . .

وأعجب العجب أن يذكر أولئك المعارضون في هذا الصدد، التقدم والرجعية والعلم والجهل، ويبدون خجلهم مما يقوله عنا الأجانب. . . إلى آخر هذا الكلام المعروف. وليست أدرى ما الذي جرى للعلم والتقدم بهذا الإجراء الذي لا يقصد منه إلا تنظيم الخطة والحفاظ على الكرامة والأخلاق؟ هذه مدارس البنات وكليات الجامعة التي يتعلم فيها البنات، لا تزال قائمة تتيح للبنات من العلم والتثقيف ما تتيح للبنين، ومنع بعثاتهن إلى أوربا ليس عاماً ولا دائماً، فالبعثات إلى إنجلترا لم تقف، والمانع منها إلى سائر البلاد سيزول بتدبير مثل ما في إنجلترا من بيت ورعاية، فلا بأس على العلم، كما أنه لا بأس على التقدم إلى إن كان يراد به الإباحية والإفساد. وجدير بهؤلاء أن يخجلوا من ببغاويتهم ومن فراغ نفوسهم من الشعور بكرامة الأسرة، أكثر مما يخجلون من أي شئ آخر.

أما الرقص التوقعي فما أرى به بأساً، على أن يكون محصوراً في بيئة المدرسة بعيدا عن أنظار الرجال، فإن الناس يبعثون ببناتهم إلى المدارس ليكن في صيانتها، إنما البأس في إظهار الفتيات بالحفلات العامة ليبدين هذا الرقص التوقيعي، أو ليقيمن حتى بالألعاب الرياضية - وفيهن ناضجات الأنوثة - على نحو ما يقع في حفل الجزيرة. والبأس كل البأس في التمكين للمجلات المصورة من أخذ صور الفتيات بالمدارس في أثناء قيامهن بالألعاب الرياضية في أوضاع تظهر فيها العورات والسوءات. . .

أما الرقص التوقيعي من حيث هو رياضة موسيقية مرحة فلم يعلق به الغبار إلا من كلمة (الرقص) وهو لا يزيد على رياضة تفيد الجسم وتكسبه الجمال والرشاقة، وحركاته المتسقة مع الموسيقي تبعث السرور والسعادة في نفوس البنات فيقبلهن عليه أكثر مما يقبلن على الألعاب الرياضية الأخرى.

تسعير الأدب في الإذاعة:

وقعت إدارة الإذاعة أخيراً في مشكلة عمقها شبر. . . وإن كانت تبدو لها مغرقة. . . وذلك عندما أرادت أن تقدر أجر الأستاذ محمود أبو الوفا على ما ألقاه من شعره بالمذياع. فهي تحسب أجور الأدباء والشعراء وسائر المحدثين، الموظفين بالحكومة، على حسب درجات وظائفهم، وأبو الوفا موظف باليومية في دار الكتب المصرية، وهو مع ذلك شاعر معروف متمسك بكرامته اللائقة بمكانته الأدبية، فلن يرضى أن يوزن قدره بميزان الوظيفة.

وحدث كذلك عندما أرادت إدارة الإذاعة محاسبة الأستاذ محمود حسن إسماعيل على إذاعة شعره - أن كتب الموظف الذي طلب إليه تقدر أجره، مشيراً يعتبر الشاعر كمدرس (حرف ا) وهي رتبة جديدة اخترعها هذا الموظف. . ولولا الخوف على وزارة المعارف من عدوى الإذاعة لاقترحت عليها أن تضم إليها هذا المخترع الفذ لاستخدام عبقرية في تقدير المدرسين. . . وذلك كله مع العلم بأن الأستاذ محمود موظف بالإذاعة نفسها!!

ولا أدري إلى الآن كيف حل عباقرة الإذاعة تينك المعضلتين، وإن كان ذلك يجرنا إلى النظر في هذا الموضوع العجيب، موضوع تقدير الأدباء في الإذاعة على حسب درجات الوظائف، لا على القيمة الأدبية، ويخيل إلى أنها تلجأ إلى ذلك لتخلص نفسها من ورطة الحكم على هذه القيمة، وعلى هذا يمكن أن نعتبر هذه الطريقة أسلم مما كان يحتمل أن يقع، فقد يحسبون حديثاً جيداً، أو يظنون آخر رديئاً، والأمر على خلاف ما يحسبون ويظنون. . فلا مناص إذن من القياس على درجات الوظائف، فمن كان يشغل إحدى الدرجات العلا فهو أستاذ كبير، ومن يشغل الدرجة السادسة أو الخامسة مثلا فيحال إلى ذلك الموظف العبقري ليختار له حرف ب أو ج. . .

ولست أدري هل هم ينظرون أيضاً في أحوال أولئك الأدباء الموظفين، من حيث من يكون منهم عزبا، أو متزوجاً ليس له أولاده، أو متزوجاً وله أولاد، وكم عدد الأولاد، وهل يعول أقارب آخرين، وهل هو من (المنسيين) أو ممن إدراكهم (التنسيق) وما إلى ذلك. . . ومن يدري؟ فقد تتألف جمعية من زوجات محدثي الإذاعة المغبونين كتلك الجمعية المؤلفة من زوجات الموظفين المنسيين. . .

من طرف المجالس:

في ندوة الأستاذ كامل كيلاني بدار مكتبة الأطفال، قال فؤاد شيرين باشا محافظ القاهرة إنه دخل مرة بابنته الصغيرة محلاً لبيع (الشكولاته) بإحدى مدن ألمانيا، وكانت التي تبيع فيه سيدة، وبعد أن اشتريا منها وخرجا قالت الابنة لأبيها: لماذا تبيع المرأة (الشكولاته) ولا تأكلها؟

قال الأستاذ كامل كيلاني: هذا بعينه هو معنى الخيام في رباعياته إذ يقول: هل يشترى الخمار بما يبيع به الخمر أثمن منها؟

وكان المجاهد الأمير عبد الكريم الخطابي حاضراً، فانتقل الحديث إلى الاستبسال في الحروب وأثر الإيمان فيه، وهنا انبرى أحمد حلمي باشا رئيس عموم حكومة فلسطين، فجعل يقص روائع شاهده من حسن البلاء في المواقع التي اشترك فيها، قال: سقط أحد الجنود المسلمين في حرب الأتراك مع الإنجليز سنة 1914 - جريحاً ولم يستطع الكلام، فأخرج ورقة من جيبه وتناول عوداً من الأرض وجعل يغرزه في جرحه الغائر برقبته ويكتب في الورقة بالدم، فكتب أولاً: أين القبلة؟ فدلوه عليها، فاستقبلها، ثم كتب: فليأخذ جيشنا بثأري. وأخيراً كتب: لا إله إلا الله محمد رسول الله. ثم فاضت نفسه وقال حلمي باشا: وهذه الورقة محفوظة بأحد المتاحف بتركيا.

قال الأستاذ كامل كيلاني: لم أر في هذا المجال أبدع مما قالت أم حكيم زوجة قطري بن الفجاءة وهي تتقدم في الحرب ولا أدل منه على الصدق في الجهاد، قالت:

أحمل رأساً قد مللت حمله.

وقد مللت دهنه وغسله.

ألا فتى عني ثقله؟

فأين جان دارك وغير جان دارك من هذه الروعة؟

قالت شيرين باشا: وهل تعرف جان دارك أن تقول مثل هذا؟

السنة المدرسية:

نشرت بعض الصحف أن وزارة المعارف تفكر في أن تجعل بدء الدراسة بالمدارس من أول سبتمبر وأن تجري الامتحانات في أبريل بدلا من مايو ويونيه، حتى لا يرهق الطلاب بالامتحان في أوقات اشتداد الحر. وهذا اتجاه حسن، وإن كانت الفكرة لم تنضج في الوزارة، على ما يظهر فلم يمكن تنفيذها في هذا العام. ولا شك أن الجو في شهر سبتمبر معتدل وملائم للعمل المدرسي وخاصة حين تبدأ الدراسة هينة خفيفة في أول السنة، فليس من الحكمة أن يضيع هذا الشهر ويترتب على ضياعه تراخي الدراسة إلى الصيف ثم إجراء الامتحانات في القيظ الذي يصب شره الطلبة والمدرسين جميعاً، وإن فترة الامتحانات التي تقع في أوائل الصيف كل عام لهي مأساة الشباب في مصر، تنهك فيها أبدانهم وترتهك أعصابهم وتكل أذهانهم وتضطرب أفكارهم.

والمدرسون لو رأيتهم وقد حشدوا في الحجرات للتصحيح وجلسوا على مقاعد التلاميذ حتى ضاقت بهم، يتصببون عرقاً يجففونه وتارة يمسكون بالأقلام الحمراء ويهوون بها على أوراق الإجابة - لو رأيتهم على هذه الحال لأشفقت عليهم وعلى الطلاب الذي وضعت مصائرهم بين أيديهم في هذا الجو المنهك المرهق.

وأذكر بذلك أن وزارة المعارف في السودان تنظم زمن الدراسة في العام تنظيماً موافقاً للبلاد الحارة، فالسنة المدرسية تبدأ في أول يناير ويستمر العمل إلى آخر أبريل، ثم تكون بعد ذلك إجازة الصيف التي تقع في خلال السنة الدراسي، وتستأنف الدراسة بعدها في يولية (يبدأ فصل الخريف في السودان من يولية) وتستمر حتى أول ديسمبر، ثم يجري الامتحان النهائي في أوائل ديسمبر وبذلك تنتهي السنة المدرسية.

أما المدارس المصرية في السودان فتجري على مواعيد المدارس في مصر، ويلاقي الطلبة والمدرسون هناك في الامتحان عنتا أكبر مما يلاقيه زملاؤهم في مصر.

ويمكننا الانتفاع بنظام الحكومة السودانية مع شئ من التحوير الذي يناسب جو مصر. يمكن أن تبدأ السنة وتنتهي كما تبدأ وتنتهي هناك، على أن تكون إجازة الصيف شهري يونية ويولية فقط، ولا ضير من العمل في أوائل الصيف وأواخره، لأن الامتحان لا يقع فيها وإنما يكون في ديسمبر. والمزية الكبرى لهذا النظام هي إجراء الامتحان في الشتاء وقت النشاط والعمل.

أما المدارس المصرية في السودان فيجب أن ينظم أمرها بحيث تكون مواعيدها موافقة للنظام السوداني الملائم للبيئة الطبيعية هناك.

عباس خضر