مجلة الرسالة/العدد 87/من روائع الشرق والغرب

مجلة الرسالة/العدد 87/من روائع الشرق والغرب

مجلة الرسالة - العدد 87
من روائع الشرق والغرب
ملاحظات: بتاريخ: 04 - 03 - 1935



محمد إقبال

من رباعياته المسماة (شقائق الطور)

ترجمة الدكتور عبد الوهاب عَزام

1 - يا قلبي إلام تجهل جهل الفراسة الرعناء؟ إلام تحيد عن سنن العظماء؟ احرق نفسك مرة بنارك. إلام تطوف بنار غيرك؟

3 - يا رب أية لذة في الوجود؟ كل ذرة هائمة بهذا الشهود. تشق الوردة الفنن النضير، فتبسم فرحاً بهذا الظهور

3 - سمعتُ الفراشةَ في العدمً تقول: هب لي من الحياة حرقة واضطرابا؛ أذرُ رمادي في السحر، ولكن متعني بالحياة ليلة

4 - فتحت في ضمير النجوم سبيلاً، وظلت بنفسك جاهلاً، كن كالنواة وأبصر نفسك، لتخرج نخلة باسقة من تُربتك

5 - ترنم الطائر الغرد على الأفنان، يقول في مطرب الألحان؛ أخرج كل ما في صدركُ صراخاً: آهة أو صرخة أو غناء أو نواحاً

6 - يضيرك النظر في بستاني العجب، إن لم يكن روحك شهيد الطلب، إني أبينُ عما في ضمائر الأغصان، وليس ربيعي طلسماً من الروائح والألوان

7 - أنا بين طير المروج غريب أظل وحدي على غصن العش في نحيب. إن تكن رقيق القلب فقف مني بعيداً، فإنما يرشح دمي في أنفاسي تغريداً

8 - تصب الحياة ألواناً جديدة كل حين، ما الحياة صورة واحدة على مر السنين. فان يكن صورة الأمس يومك فقد حُرمت شرارة الحياة طينتك

9 - ما علق قلبي بهذا البستان، فمضيت طليقاً من قيود الزمان والمكان. ولكن كريح الصبا سريت، فمنحت الورد اللون والنضرة ومضيت

10 - إن خمره جعلت خزفي كأس جم، واستسرت في قطرتي فصارت ليم. وضع العقل في رأسي صنماً، وجعل (خليل) العشق ديري ح 11 - قل عني للشاعر المفلق، ما جدوى حرقتك إن احترقت كالشقائق؟ لا تصهر نفسك هذه النار، ولا تنير للبائسين الديار

12 - أنا لا أعرف حسنك وقبحك. فقد جعلت عيارهما خسارتك وربحك. ليس مثلي وحيداً بين بني آدم، إني أرى بعين أخرى هذا العالم

عبد الوهاب عزام

رثاء

للشاعر الإنجليزي اللورد بيرون

ترجمة الأستاذ محمود الخفيف

وهكذا تعدو عليك المنية، فتذهبين في غضارة إهابك وروعة جمالك، كما يذهب كل شيء كتب له الفناء؛ ويعود هذا الهيكل الرشيق وتلك المحاسن النادرة وشيكا إلى التراب!

لئن غيب اللحدُ هذا الجمال، وحللت من الأرض في بقعة يمر عليها الناس لاهين أو ضاحكين، فان هناك عيناً لا تطيق النظر لحظة إلى ذلك القبر الذي يحتويك

سوف لا أسأل بعد اليوم أين موضعك من جوف الأرض، لا ولن أمد عيني إلى تلك البقعة فوق ظهرها. ولْتَنْمُ هنالك الأزهار أو الأعشاب كيفما شاءت، فبذلك لن تقع عليها عيناي

حسبي ما لاقيت دليلاً على أن من أحببت، ومن سأحرص أبد الدهر على حبها، قد تطرق إليها البلى كما يتطرق إلى كل شيء خرج من الأرض؛ وما حاجتي بعد إلى حجر يقام أو علامة تنصب، وكل ما حولي ناطق بأن ما كان بالأمس موضع آمالي، قد أصبح اليوم. . . . لا شيء؟!

ومع ذلك قد أحببتك حتى النهاية في حماسة وقوة، كما أحببتني أنت، يا من ظللت على عهدك طوال تل الأيام السوالف ولا سبيل اليوم إلى تغيرك

إن الحب الذي طبعه الموت بطابعه لن يلحقه الفناء أبداً. فما تطاوُل الزمن بمذهبٍ من حرارته شيئاً، ولا المنافسة بقادرة على استلابه، ولا المين بواجد طريقاً إلى إفساده. وفضلاً عن ذلك فسوف لا ترين ما قد أرتكبه بعد اليوم من هفوة أو تحول أو خطأ

لقد تذوقنا معاً من أيام الحياة أحلاها، أما أمرها فسأتجرعه وحدي، إذن لن ترى عينك بعد الموت الشمس التي تبعث البهجة في الكون، ولا العاصفة التي تنذر بالظلام والهم

إنني لأحسدك على تلك الضجعة الهادئة، حيث لا تزعجك الأحلام، ولذلك يخيل إلي أن أترك البكاء على موتك. كذلك لن آسف على انقضاء تلك المحاسن الغر، فلم يكن مفر من أن أراها تذوي يوماً بعد يوم أمام ناظري!

إن أسرع الزهور إلى الذبول وأسبقها إلى الفناء، أعظمها تفتحاً وأشدها بهاء، وإن تلك الزهرة التي بذلت صويحباتها تفتقاً ونماء، لتسقط وريقاتها واحدة تلو الأخرى، وإن لم تمتد إليها الأيدي فتقطفها قبل أوانها

وإن رؤية تلك الزهرة وهي تموت ورقة فورقة، لأوجع للقلب، وآلم للنفس، وأدعى إلى الحسرة، من رؤيتها وهي تقتطف دفعة واحدة؛ ذلك لأن أعيننا، نحن بني الأرض، لا تستطيع أن تراقب خطى التحول من الجمال إلى القبح، دون أن يمضها ذلك ويحزنها

وليت شعي هل كنت أستطيع أن أرى جمالك وما حزت من معاني الحسن، يخبو ثم ينطفئ؛ ألا إن الليلة التي تتلو مثل هذا الصباح لأشد ما تكون الليالي حلكة وكدرة

لقد انقضى نهارُك ضاحياً لم تشب صفاءه غمامة، وبقيت حتى النهاية جميلة ناعمة، وكأني بك في موتك العاجل الشعلة تخمد في وهجها دون أن تخبو؛ كذلك الشهب التي تلفظها القبة الزرقاء، أعظم ما تكون التماعاً حين تسق من أعلى السماء

أه! لو أستطيع البكاء ما كنت أبكي من قبل. . . إذا لجرت دموعي غزيرة، على أني لم أكن قريباً منك يوم مت لأقوم إلى جانب سريرك ساعة احتضار، شاخصاً في وجهك في هيام وأي هيام!

هنالك كنت أتناول جسدك بين ذراعي فأضمك ضمة خفيفة رافعاً بيدي رأس المائل المحتضر، كي أشهدك ولو بغير جدوى، على ذلك الحب الذي لن يحسه كلانا بعد!

لقد تركتني اليوم حراً طليقاً، ومع ذلك لن يعدا كل ما يمكن أن تصل إليه يدي مما بقي في الوجود من حسن ذكرى إياك كما أفعل الآن

إن ذكراك وهي لي منك ذلك التراث الوحيد، الذي لن تصل إليه يد الفناء، تعاودني في هذا الوجود المظلم المخيف فتزيدني إعزازاً لذلك الحب الذي ضمه القبر، والذي لا أعدل به شيئاً في الحياة، ولن يفضله في نظري سوى أيامه التي قضيناها معاً قبل أن يعدو عليك الموت

الخفيف