مجلة الرسالة/العدد 871/الأدب والفن في أسبوع
مجلة الرسالة/العدد 871/الأدب والفن في أسبوع
للأستاذ عباس خضر
تعليم اللغة العربية في الباكستان
دعا سعادة السيد عبد الستار سيت سفير الباكستان في مصر جمعاً من الأدباء والكبراء إلى حفلة شاي بفندق (سمير أميس) يوم السبت الماضي، لاستقبال محمد علي علوبه باشا سفير مصر في الباكستان. وقد قدم السفير الباكستاني السفير المصري بكلمة طيبة نوه فيها بجهود الموفقة في تنمية العلاقات وتوثيق المودة بين البلدين. ثم وقف علوبه باشا فتحدث عن أمة الباكستان وما يربطنا بها من مصائرها في المستقبل. وتناول موضوع اللغة العربية ففصله على الوجه الآتي:
قال: إن شبه القارة الهندية التي انقسمت إلى الهند والباكستان، نحو اثنتين وثلاثين لغة كل منها مستقلة عن الأخرى لأنها لغة إقليم لا يعرفها إقليم آخر، غير أن هناك لغة سائدة هي الأردية وهي التي تميل الباكستان بعد استقلالها إلى اتخاذها لغة رسمية بدل الإنجليزية التي كانت لغة الاستعمار؛ وهناك عدد كبير يتكلمون اللغة العربية الفصيحة، منهم من يجيدون الخطابة بل يحفظون أشعار شعرائها كالمتنبي وغيره، ومنهم من يجد عشراً في التحدث والتخاطب بها ولكنه يقرؤها ويكتبها، وهناك مؤلفون يؤلفون بالعربية في الفقه والتفسير والحديث. وقد زرت جماعة من هؤلاء العلماء فأبدوا رغبتهم الشديدة في أن ينتشر تعلم اللغة العربية في الباكستان قائلين إننا نريد إن نتعلم لغتكم لا لأنكم عرب بل لأنها لغة القرآن. وبين سعادته مزايا انتشار اللغة العربية في البلاد الشرقية من حيث الثقافة والاجتماع والاقتصاد، وقال: أنه إذا كان هناك من يهتم ب (الاسبرانتو) للتقريب بين أمم العالم فإن اللغة العربية هي (إسبرانتو الشرق).
وتحدث علوبه باشا عن اهتمام الحكومة الباكستانية بتعليم اللغة العربية وأشار إلى إن في كراتشي معهداً خاصاً بها تحت رعاية وزير المعارف ثم قال: رأيت إزاء ذلك كله إن اقترح على حكومتي إنشاء مدراس ابتدائية مصرية في مدن الباكستان تكون نواة لمدارس ثانوية أخرى، مهمتها نشر اللغة العربية والثقافة الإسلامية، واتفقت مع أولي الشأن هناك إن تكون بعثات الطلبة الباكستانيين إلى الأزهر والجامعة وسائر المعاهد المصرية م خريجي تلك المدارس فقط. وقد رحبت الحكومة الباكستانية بهذا المشروع وأبدت استعدادها لمعاونته والمساهمة فيه. ورأيت إن مهمتي قد انتهت بذلك فقد وضعت الأسس لبرنامج العلاقات الثقافية بين مصر والباكستان، وغاية الرجاء إن تتحقق أهدافه. ولعل سعادته يشير بانتهاء مهمته في الاستقالة التي قدمها ولا يزال مصراً عليها. ثم قال إن لجنة تكونت في القاهرة من أعضاء بالمجمع اللغوي وأساتذة في الجامعة والأزهر لوضع أسس وقوانين لتكوين (جمعية الثقافة العربية بالشرق) غايتها تنمية العلاقات الثقافية العربية بين أمم الشرق وخاصة مصر والباكستان، ورجا أن تنال هذه الجمعية رعاية المسؤولين من العلماء والرؤساء والزعماء وعلى رأس الجميع جلالة الفاروق.
ويلاحظ إن علوبة باشا أنهى الحديث عند اقتراحه إنشاء مدارس مصرية في الباكستان، ولم يقل لنا ماذا تم فيه وما مصيره لدى الجهات المصرية، ولم يكن بحاجة إلى أن يقول ذلك، فنحن نعلم إن هذه المقترحات لم يقع فيها برأي، لا في وزارة المعارف ولا في الأزهر.
وأريد أن أقول أولا إن وزارة المعارف المصرية في هذه الظروف تواجه مسائل ومشاكل في نشر التعليم بمصر تستغرق كل ما في وسعها، ومع ذلك لا ينبغي أن ينصرف عنها الأمل فيما يتناسب من الفرص وما يأتي من الزمن، أما الأزهر فما أرى له عذراً في التواني عن نشر رسالة التعليم الإسلامي وتيسيره لطلابه في أية بقعة من بقاع الأرض، فهذه هي مهمته الأساسية باعتباره أكبر جامعات إسلامية في العالم وباعتباره إن الإسلام لا يتقيد بالحدود الجغرافية بل يعد ديار المسلمين المنتشرة في أنحاء الأرض كلها داراً واحدة.
وأريد ثانياً أن أخلص من ذلك لأتوجه إلى الحكومة الباكستانية فأسوق الحديث إليها: لماذا لا تنشئ بينها وبين مصر ما يسمى في وزارة معارفنا ب (التعاون الشرقي) على غرار المتبع مع البلاد العربية من إيفاد الأساتذة المصريين إلى معاهدها للتدريس فيها. ومصر لن تظن الباكستان بعدد من الأساتذة تمشياً مع ما تيسر عليه من تنمية الروابط الثقافية بينها وبين الشقيقات على رغم أزمة المدرسين القائمة في مصر، ومن حسن الحظ إن أولى الأمر لم تصرفهم هذه الأزمة عن تلك المسؤوليات التي يجب أن نمد النظر إليها بعيداً عن الموضع القريبة التي لا تجازها أبصار بعض المواطنين. . . وإنما تواجه الأزمة بالإكثار من إعداد المدرسين لا بالحيلولة دون إعداد منهم هنا وهناك تؤدي أغراضاً لابد منها.
فمن الخير أن لا تنتظر حكومة الباكستان حتى تنشأ المدارس المصرية المقترحة، فقد يطول هذا الانتظار، لانشغال وزارة المعارف، وللمتوقع أو الواقع من تراخى الأزهر. . . ومن تعجيل الخير أن تبادر هي بتنظيم الأمر في مدارسها ومعاهدها وتطلب من تريد من الأساتذة والمدرسين، وعلى مصر أن تلبي.
الإنعاش الاجتماعي في الإسلام
ينظم قسم الخدمة العامة بالجامعة الأميركية سلسلة من المحاضرات موضوعها (الإنعاش الاجتماعي في مصر ووسائل تحقيقه) كان منها يوم الجمعة الماضي محاضرة للشيخ عبد الوهاب خلاف بك عن (الضعفاء والفقراء والمرضى وما دبر به الإسلام شأنهم والوسائل التي تحقق سياسة الإسلام فيهم).
بدأ الأستاذ المحاضرة بمقدمة فحواها إن كل أمة فيها فقراء ومرضى وضعفاء وإن هذه فطرة الله التي فطر الناس عليها، وإن الاختلاف بين الأمم في ذلك إنما هو في نسبة من في كل منها من هؤلاء، وانه لا بد أن تكون لكل أمة سياسة حكومية وسياسة شعبية للعناية بهم لأنهم أعضاء في جسمها وفروع من شجرتها.
وقد أطال في هذه المقدمة البديهية. والأستاذ الشيخ خلاف خطيب ممتاز يحسن إلقائه وسلامة لغته وعباراته المختارة مع ارتجال لا توقف فيه ولا تلكأ، وبهذه الصفات اجتاز مرحلة تلك المقدمة دون أن يمله السامعون. . ولكنه لما دخل في صميم الموضوع - بعد فوات نصف الوقت - وفاء حقه إذ مخضه جيداً حتى أخرج زبدته قال: إن الإسلام عني بالفقراء والضعفاء والمرضى فوضع لهم سياستين لتدبير شؤونهم، سياسية وقائية وسياسة علاجية، فالوقاية تقوم على أمرين، الأول أن الإسلام أوجب على كل من يستطيع العمل أن يعمل وألا يعيش عالة على غيره، وأورد في ذلك آيات وأحاديث، منها قول الله تعالى: (فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق وهو يقول اللهم ارزقني وهو يعلم السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة). الأمر الثاني أن الإسلام قسم كل أمة إلى عدة أمم صغير هي الأسر، وأوجب تضامناً بين أفراد الأسرة كفرض نفقة العاجز على الموسر.
أما السياسة العلاجية فهي ما جعله الله الفقير في مال الغني من حق معلوم، وهي سياسة اشتراكية عادلة، تجعل للفقير حقاً في مال الغني لا حق الاعتداء على ماله؛ جعل الإسلام إحياء المواسم والأعياد بالتصدق على المحتاجين، وجعل كفارة الآثام معونة الفقراء والمساكين، والآثام دورية لا تخلو منها تصرفات الإنسان فكفارتها كذلك لا تنقطع، وجعل الإسلام خمس الغنائم للفقراء والمساكين، وقضى بان التركة التي لا وارث لها تضم إلى بيت المال لتنفق في وجوه الخير.
ثم قال الأستاذ المحاضر: هذه التعاليل لِمَ لم تثمر؟ وبعبارة أخرى لماذا نرى حال المسلمين الآن اكثر سوءاً من غيرهم مما يوهم أن الإسلام لم يعن بأمر ضعفائهم وفقرائهم، ولكن الإسلام هو البريء المتهم وهو مظلوم من اهله، مثله مثل الطبيب الذي يصرف الدواء ولكنه المريض يهمل تعاطيه، ولو أن تلك الوسائل التي وضعها الإس
اشتراكية عادلة، تجعل للفقير حقاً في مال الغني لا حق الاعتداء على ماله؛ جعل الإسلام إحياء المواسم والأعياد بالتصدق على المحتاجين، وجعل كفارة الآثام معونة الفقراء والمساكين، والآثام دورية لا تخلو منها تصرفات الإنسان فكفارتها كذلك لا تنقطع، وجعل الإسلام خمس الغنائم للفقراء والمساكين، وقضى بان التركة التي لا وارث لها تضم إلى بيت المال لتنفق في وجوه الخير.
ثم قال الأستاذ المحاضر: هذه التعاليل لِمَ لم تثمر؟ وبعبارة أخرى لماذا نرى حال المسلمين الآن اكثر سوءاً من غيرهم مما يوهم أن الإسلام لم يعن بأمر ضعفائهم وفقرائهم، ولكن الإسلام هو البريء المتهم وهو مظلوم من اهله، مثله مثل الطبيب الذي يصرف الدواء ولكنه المريض يهمل تعاطيه، ولو أن تلك الوسائل التي وضعها الإسلام نفذها المسلمون لما رأينا هذا الجيش الجرار من المحاويج.
وفصل ذلك التقصير بقوله: إن الإسلام لما أوجب هذه الوجبات قسمها قسمين، قسماً جعله من وظيفة الدولة كالزكاة، وقسماً تركه لسخاء الناس لتربية النفوس وتعويدها السخاء وابتغاء أن تسود روح التراحم والتعاون بين أفراد الأمة، أما الأول فقد أهملته الحكومات الإسلامية مع إن إيتاء الزكاة من الخمس التي بني عليها الإسلام، فإن كانت الضرائب التي تجبى تشتمل على الزكاة فلما لا تصرف إلى وجوهها ومصارفها المعروفة؟ والقسم الثاني أهم يحول دون تحقيقه هو ضعف الوازع الديني، والسبيل إليه هو التربية الدينية ولو أن كل واحد حنث في قسم فكفر عنه لما رأينا فقيراً.
فيجب للإنعاش الاجتماعي أن يبعث مشروع الزكاة المحال على (لجنة) بوزارة الشؤون الاجتماعية - وأن يبعث روح التضامن بين الأفراد.
وثمة ظاهرة أخرى من معوقات الإنعاش الاجتماعي في البيئات الإسلامية، تتمثل في أولئك الذين يحسبون أنفسهم متدينين، أولئك الذين نراهم قانعين قاعدين راكدين، مع إن الإسلام يحث على النشاط واستكمال أسباب القوة والعزة، وهم يدعون انهم متوكلون وإنما هم متواكلون، فالتوكل أن تأخذ بالأسباب وتترك النتائج للمقادير؛ كما يدل على ذلك قول رسول الله للأعرابي: (اعقلها وتوكل).
حيرة الجيل الجديد في الأزهر جاءتني رسالة من (ضياء الحائر بكلية الشريعة) ولست ادري هل (الحائر) من اسمه أو من حيرته، فإن الموضوع الذي ضمنه رسالته يحيره أو يحير إخوانه طلبة الأزهر، كما أنه يحير كل غيور على رسالة الأزهر التعليمية في هذا العصر؛ وانقل مما كتبه ألي الطالب (الحائر) ما يعرض صلب الموضوع، فيما يلي:
(من المعلوم أن الطالب الأزهري في هذا الوقت العصيب يعصره الهم ويكاد يقضي عليه الحزن. فهو رهن محبسه المعتم، ليفك الطلاسم ويحل الرموز التي تمسك بها شيوخنا كأنما هي وحي يوحى؛ وقد وضعوا للكليات كتباً مطوله لم توضع لعصرنا ولا على نظام مدرسي، وإنما هي أخلاط وأنماط شتى يحللها الطالب وحده ليخرج من بينها لبن خالصاً. . وأنت جد خبير بما يلاقيه المسكين من إعنات وإرهاق يفوق كل وصف، ولعل سيدي يذكر حالة الطالب الأزهري وما يكتنفها من مشاق وصوارف ونوازع ولا أتحرج من القول بان حالتنا على وجه عام سيئة، وغالبيتنا لا تعرف شيئا عن الرفاهية على الإطلاق. في هذا الخضم المائج يقف الطالب مشدوداً حائراً فيما يطلبه الشيوخ منا. وهو دراستنا لهذه الكتب العقيمة وحدنا؛ بمعنى أن الأستاذ لو درس من الكتاب نصفه أو ثلثه فعلى الطالب أن يكمل الباقي وحده، فيكد ويكد حتى يعشى نظره أو يحدودب ظهره أو يفقد صحته وما هو ببالغ مما يريد شيئا، ولقد كان من العدل شيئا ما، ي زمن مضى، إنما يقرأ في جميع السنة الدراسية يعتبر هو المقرر ويؤدى فيه الامتحان، لأنه ما دام الطالب بمعونة المدرس لم يستطع أن يستوعب الكتاب فمن غير المعقول أن يعيه وحده على أي وضع كان. ولا أخالك يا سيدي تظن أن المقروء شيء بسيط، فهو على أية حال بلاء كبير جداً. على أنني لا أكاد اعرف الحكمة في تعيين المدرسين للأزهر ما دام الطالب هو الطالب وهو الأستاذ معاً!)
ولا أريد أن أتوسع في التعليق على هذه الرسالة قبل أن اسمع آراء إخواننا الأزهريين، أساتذة وطلاباً، في قيمة هذه الكتب المعقدة التي تفرض على طلاب العالم في هذا العصر، واسأل: هل انتفع الأزهريون بما حصلوه من العلوم الحديثة وما رأوه من طرائقها، في ثقافتهم الأزهرية الحديثة؟ أما مسألة (المقروء والمقرر) فهي ظاهرة، كتب تتوارث الأجيال الأزهرية فهم عباراتها ومدلولاتها، ليس من العدل أن يكلف الطالب أدراك معمياتها وحده، فلا هم يجرون على طريقة (التوقيف) القديمة، ولا هم يجعلون المقصود تحصيل العلم من مراجع يتيسر التحصيل منها.
عباس خضر