مجلة الرسالة/العدد 878/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 878/الأدب والفن في أسبوع

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 05 - 1950



للأستاذ عباس خضر

ذكرى إقبال:

دعت السفارة الباكستانية إلى الاحتفال بذكرى الشاعر الفيلسوف المغفور له الدكتور محمد إقبال، في القاعة الشرقية بالجامعة الأمريكية يوم الجمعة الماضي. ولم يكن هذا الاحتفال قاصرا على إخواننا الباكستانيين في مصر، بل كان في أغلبه احتفال مصر بالشاعر الإسلامي الكبير، على أنه كان أوسع من ذلك إذ إقبال لم يكن شخصية إسلامية كبيرة فحسب بل كان شخصية عالمية. .

افتتح الحفل - بعد تلاوة من القرآن الكريم - سعادة السيد عبد الستار سيت سفير الباكستان فرحب بالحاضرين والمشتركين في الاحتفال وأشاد بصاحب الذكرى وفضله في العمل على قيام دولة الباكستان. وأعقبه سعادة الأستاذ إبراهيم دسوقي أباظة باشا بكلمة طيبة قال فيها إن الباكستان ولدت بغتة على يدي بطل من أبطال الإسلام هو شاعرنا العبقري محمد إقبال. وقد ولدت هذه الدولة كبيرة بفضل رجالها الذين جاهدوا في سبيل إنشائها وعلى رأسهم إقبال، ونحن إذ نكرمه فإنما نفعل قياما بالواجب نحونا، إذ أننا حين نكرم هذا الرجل العظيم فإنما نقدمه للشبان أسوة حسنة، فقد كان ذا هدف شريف وهو العمل على رفعة الإسلام.

وألقى الأستاذ مظهر سعيد كلمة عن فلسفة إقبال قال فيها إن هذه الفلسفة مزيج من الفلسفة الغربية والفلسفة الإسلامية وإنها ترمي أفي الخير والكمال في ظل الإسلام. وألقى الدكتور إبراهيم ناجي قصيدة جيدة مطلعها:

حيا وميتا قلدوك الغارا ... ما أروع الأيام والتذكارا

وتوالى بعد ذلك خطباء وشعراء منهم الشيخ الصاري شعلان الذي ترجم كثيرا من شعر إقبال من الأردية والفارسية إلى العربية، وكان فضله في ذلك ظاهرا، إذ كان كل ما استشهد به الخطباء مما ترجمة هو والأستاذ محمد حسن الأعظمي واختتم الاحتفال بكلمة الدكتور حسين الهمداني الذي قال إن الشكر على المشاركة في إحياء هذه الذكرى ليس لي فقد سمعتم من الخطباء والشعراء أن شاعرنا الفيلسوف لم يكن شخصية محلية، لقد كان جزاء من التراث الذي قدمه المسلمون للعالم

وقد أصدر قسم الصحافة بالسفارة الباكستانية عددا خاصا بالشاعر محمد إقبال من مجلة (رسالة الباكستان) التي تصدر بالقاهرة. وأذاع راديو كراتشي برنامجاً خاصاً بهذه الذكرى.

وقد استطعنا مما نشر وأذيع عن إقبال وما ترجم من أشعاره إلى العربية أن نقف على كثير من حياته واتجاهه الفكري ونستمتع بنفحات شاعريته، ومما يذكر أيضاً أن الأستاذين الشيخ الصاوي والأعظمي قد أنجزا كتابا عنوانه (فلسفة إقبال) نقلا فيه إلى العربية ديوان إقبال، والكتاب على وشك الظهور. ولاشك أن هذه الجهود كأنها تضيف إلى الأدب والثقافة والمكتبة العربية الحديثة أقباسا منيرة منذ ذلك الأفق المشرق.

ولد محمد إقبال سنة 1873 في أسرة نراهمبة بقرية لوهار بكشمير، وقد اعتنق أحد أسلافه الدين الإسلامي وأصبحت الأسرة بعد ذلك أسرة إسلامية وتعلم إقبال في المكاتب والمدارس الهندية حتى أتم دراسته بكلية الحكومة بلاهور، واتصل فيها بالمستشرق توماس أرنولد أحد أساتذتها إن ذاك. ثم رحل إلى أوربا سنة 1905 قاصداً كمبردج ثم هيدلبرج بألمانيا ثم ميونخ حيث حصل على الدكتوراه برسالة موضعها (تطور الفكرة العقلية في إيران) وعاد إلى وطنه في سنة 1908. ولم يلتحق بخدمة الحكومة لضعف بصره، فوجه جهوده إلى الإنتاج الفكري الحر، حتى توفى سنة 1938.

كان إقبال شاعراً وفيلسوفا، ولكنه لم يكن من أصحاب الأبراج العاجية، بل كان شاعراً بآلام قومه وآمالهم، وكان فيلسوفاً ينظر في أحوال أمته ويعالج شؤونها ويخطط لها طريق المستقبل الزاهر، يجمع شعره بين الأهداف السياسية والاجتماعية وبين المتعة الفنية والغناء الشعري كان يتغنى بمآثر الإسلام وأمجاد المسلمين فيطرب الأسماع ويذكي الحمية ويشعل نار الهمم، وكان يقرع الأعداء بغضب قوله فإذا أغراضهم في إذلال البلاد الإسلامية تنكشف وتتهاوى، وإنما تبعث الأمم المغلوبة على أمرها بالتنوير والتنبيه والتحذير في أول الأمر، وبعد ذلك يفعل الرأي الحازم المستنير كل شئ.

نظر إقبال فرأى الأوربيين يعيشون في صراع وتتكالب على المادة، ونظر أيضاً فرأى تواكل المسلمين وجمودهم، ولاحظ مع ذلك اتجاه هؤلاء إلى الثقافة الأوربية، فلم يجد في ذلك ما يخشاه إلا أن يؤخذ بالظاهر البراق دون النفوذ إلى الجوهر الصحيح - نظر إلى ذلك ثم ناشد المسلمين أن يرجعوا إلى دينهم ليتأملوه من جديد في ضوء الفكر الحديث كي يقيموا حياتهم على أسسه الروحية العلمية ومن أسرار عظمة إقبال أنه اغترف من الثقافة الغربية ما انتفع به في تعزيز مقوماته الأصلية، ولم تجر وراء الغربيين بأخذ عنهم كل شئ ويزدري قومه كما يضع كثير مما رأيناهم فتنوا بذلك السراب، وإنما رجع إلى قومه بما يفيدهم من تلك المدينة والثقافة على أن يبعثوا من إمكانياتهم الكامنه ما يوجههم وجهة أجدى على الحياة الإنسانية مما يشاهد في الغرب من اندفاع نحو الأنانية والصراع المادي.

وهاك شيئاً من نفحات تلك الشاعرية في هذه القطعة التي قالها في فلسفة الألم وهي من الترجمة المنظومة التي قام بها الشيخ الصاوي شعلان:

إن الذي لم يدر أنات المساء ... ولم يسامر عينيه نجم السماء

ولم يحطم جام قلبه الأسى ... ولم ينر ظلام ليله البكاء

والسادر اللاعب طول عمره ... لم يستمع إلا إلى عذب الغناء

والعاشق المحروم في غرامه ... من لوعة الذكرى وحسرة الجفاء

ومجتنى الزهر الذي لم تختضب ... يداه في الشوك بحمرة الدماء

جميع هؤلاء مهما سعدوا ... من نعم الحياة بأمن ورخاء

فان أسرار الحياة تختفي ... عنهم وهم عنها دوامل في اختفاء

مهرجان الأدب الشعبي

أقامت الجامعة الشعبية يوم الأحد الماضي مهرجاناً ثانياً سمته (مهرجان الأدب الشعبي) ولعل القراء يذكرون ما كتبت عن مهرجانها الأول، وكان مما لاحظته فيه أ، بعض الخطباء تناولوا موضوعات داروا فيها حول الروح الشعبي والديمقراطية في الأدب، وقلت أنه كان ينبغي أن يكون للمهرجان موضوع أو فكرة يدور حولها. وفي هذه المرة أسجل للمشرف على الدراسات الأدبية في الجامعة الشعبية وهو الأستاذ علي الجمبلاطي فضله، ومن حيث أثبت أنه ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه، فقد جعل لهذا المهرجان محورا هو (الشعبية) وأضافه إلى الأدب الشعبي. وقد قال الأستاذ في افتتاح المهرجان إن روح الاتجاه إلى الشعب قد أصبحت تسود الآداب في العالم الحديث، وإن الأدب لحقيق بذلك، فإن كان للخواص عقول تدرك فإن للعامة قلوباً تحس. ثم قال إن هذا البرنامج يقدم أدباً عامياً. وقبل أن أناقش موضوع المهرجان ننظر في البرنامج.

كان من المقرر أن يبدأ البرنامج بموضوع للدكتور أحمد أمين بك عنوانه (في الأدب الشعبي بلاغة) ولكنا أسفنا لمرض الدكتور وتخلفه عن الحضور، شفاه الله وعافاه. وقد ألقى الأستاذ كامل كيلاني كلمة بعنوان (الفكاهة في الأدب الشعبي) تناول فيها شخصية جحا وفكاهاته أو فلسفته الفكاهية وساق بعض نوادره، وجحا - كما حقق الأستاذ الكيلاني - شخصية ذات سمات خاصة، وهي مكررة في كثير من الأمم، فجحا العرب هو أبو الغصن دجين بن ثابت، نشأ بالكوفة وعاصر أبا مسلم الخرساني، وقد علم بأمره أبو مسلم فاستدعاه، فأراد جحا أن يتباله أمامه لينجو من أذاه، وكان مع أبي مسلم رجل اسمه يقطين، فنضر إليهما جحا وقال: أيكما أبو مسلم يا يقطين؟ أما جحا أيرلندا فقد كتب إلى صاحبته يقول لها: إنني سيئ الظن بالبريد فلست واثقاً من وصول كتابي هذا إليك. فإن لم يصلك أرجو الإفادة! وأما جحا إنجلترا فهو جورج الذي عزم على أن يقلع عن شرب الخمر فامتنع عنها أربعة أيام، ثم جعل يتمشى حتى كان أمام خمارة، فوقف يخاطب نفسه: مرحى يا جورج! لقد أمضيت أربعة أيام دون أن تذوق خمراً، أنك تستحق كأسا مكافأة لك! ثم دلف إلى الخمارة!

وتحدث الدكتور عبد الحميد يونس عن (ملاحمنا الشعبية) فقال إن النقاد ومؤرخي الأدب درجوا على القول بأن الأدب العربي خال من الملاحم والقصص التمثيلية، إذ قال المستشرقون ومن تابعهم من العرب: أنه أدب غنائي كله، والواقع أن هذا القول خطأ جاءه من أنهم لم ينظروا إلى الأدب العربي نظرة تشمل اللهجة الشعبية التي أنشئت بها قصة (سيف بن ذي يزن) و (عنترة) وسيرة بني هلال، وغيرها، وقد نشأ هذا اللون من الأدب عندما شعرت الأمة بتغلب العناصر الأجنبية عليها، فلجأت إلى البطولة المستمدة من تاريخها لتشبع اعتزازها وكرامتها. وقد بين الدكتور عبد الحميد خصائص هذه الملاحم وفن المنشد الذي يسمى (الشاعر) في التعبير عن معانيها، وخلص من هذا البحث القيم إلى أنه يجب الرجوع إلى هذه الملاحم ليتخذ منهها - بعد التعديل والتهذيب - فن تمثيلي مستمد من البيئة قائم على تلك المثل. وأعقبه المنشد الشعبي سيد فرج السيد فأنشد على الربابة موقعة من موقع أبى زيد الهلالي مع الزناتي خليفة، وقد أطرب ونال الإعجاب بتعبيره القائم على تنغيم الصوت في مواضعة ورفعة وتشديده عند الحديث عن الشجاعة ومعاني العزة. والواقع أن هذا فن جدير بالأحياء (والتطوير) فهو من الفنون الجميلة المعبرة، ولو أنه جاءنا من أوربا لكان له شأن آخر!

وكانت بقية البرنامج أزجال، وهي طبعاً أدب عامي، ولكن بحث الدكتور عبد الحميد يونس وموضوع الأستاذ كامل كيلاني، ليسا من الأدب العامي، وإنما تحدثا عن ألوان شعبية حديثا أديبا فصيحاً - وقد عقب الأستاذ مظهر سعيد في نهاية المهرجان بأن المؤسسة (الجامعة الشعبية) قامت في هذا المهرجان بحق الأدب الشعبي كما قامت في المهرجان السابق بحق الأدب العربي الفصيح، ونعت الأول بأنه أدب الفصيح لا يعبر عن الأمة، والثاني بأنه أدب الخواص. . .

وبعد فهل الأدب الفصيح لا يعبر عن الأمة؟ وهل اتجاه الأدب إلى الشعبي العامي، ونحن نقبلها على أنها نوع من القول المعبر لا بأس به، ولاشك أن فيها كثيراً مما يعجب ويمتع ولكن ليس معنى هذا أن الاتجاه الشعبي في الأدب طريقة العامية وليس الأدب الفصيح قاصراً عن التعبير عن الأمة. وإلا ففيم هذه الجهود التي تبذل بالتعليم وبالتأليف وبالصحافة وغيرها لتعميم اللغة العربية بين أفراد الشعب، تلك الجهود التي لا تخفي ثمراتها. فنحن إذن نتيجة إلى هدف لغوي هو اتخاذ اللغة العربية الفصيحة لسانا معبراً عن الأمة، وقد يسرناها بالوسائل الحديثة حتى صارت (شعبية) محبوبة، ومن هنا يجب أن تكون الشعبية غير العامية، كما أنها - ولابد - غيرها في تسمية (الجامعة الشعبية) أو (مؤسسة الثقافة الشعبية).

عباس خضر