مجلة الرسالة/العدد 887/إنجلترا هي المثل. . .

مجلة الرسالة/العدد 887/إنجلترا هي المثل. . .

ملاحظات: بتاريخ: 03 - 07 - 1950


نحن هنا نحارب الشيوعية، وفي إنجلترا يحاربون الشيوعية أيضاً. . ولكن السلاح يختلف عن السلاح والنتائج تفترق عن النتائج، حتى لنستطيع أن نقول إنهم مطمئنون وإننا غير مطمئنين. وحسبك دليلا هذا القانون الذي تفكر الحكومة في إصداره ونعني به قانون المشبوهين السياسيين!

ولقد نادينا على صفحات هذه المجلة بوجوب اختيار السلاح الملائم للقاء هذا العدو البغيض، وهو محاربة الفكرة بالفكرة، ومواجهة الحجة بالحجة، ومقاومة الدليل بالدليل. . هذا السلاح القاطع لو أخترناه، ثم استخدمناه، لأتينا بخير النتائج ولظفرنا بالكثير، ولأزهقنا باطل الدعاة حين يذيعون على الملأ أننا قد لجأنا إلى منطق الإرهاب في محاسبتهم حين عجزنا عن منطق الإقناع. . وتلك نغمة خبيثة يرددها اليوم أعداء النظام كما كان يرددها بالأمس أعداء الإسلام، حين نادوا بأن الدين الجديد قد فرض على خصومة بقوة السيف لا بقوة الدليل والبرهان!

قلنا هذا ونادينا به ودعونا إليه. . . وقلنا أيضاً في مجال الرد على المعترضين الذين لا يؤمنون بقوة هذا السلاح ولا يطمئنون إلى جدواه: إذا كنتم تعتقدون أن العلاج لن يقضي على المرض ولن يجتث جذوره من بعض العقول؛ تلك التي ستبقى على إيمانها بالأفكار المنحرفة لأن أصحابها تجار مبادئ وأصحاب أهواء وأغراض، إذا كنتم تعتقدون هذا فإن لدينا العلاج الحقيقي للمشكلة كلها، أو قل إنه السلاح الرئيسي الذي يرد أسلحة الدعاة وهي مفلولة لا تقطع ولا تدفع. . . إنهم ينفثون سمومهم في كل بقعة يلوح لهم منها شبح الفقر وتبدو معالم الحرمان، وفي كل مجموعة من الأحياء تجأر بالشكوى منادية برفع غبن أو مطالبة برد حق مهضوم.

وإذن فلنعمل جاهدين على تحقيق العدالة الاجتماعية التي لا نفرق بين فرد وفرد وبين فريق وفريق. . . علينا أن نهيئ العلم للجاهل، والعمل للباطل، والدواء للمريض، والحياة الكريمة التي توفر الاستقرار للموظف والعامل والفلاح. عندئذ تذهب دعوة السوء صرخة فارغة في واد عميق، وتكسد البضاعة الزائفة حين تغلق في وجه المبادئ المنحرفة كل سوق من الأسواق!

هذا السلاح الأخير لن تجد إنسانا عاقلا يرفع صوته معترضا على نتائجه المادية والمعنوية. . . إنه السلاح الذي تشهره إنجلترا في وجه الشيوعية فتنهي المعركة بلا جلبة ولا ضوضاء، في ثقة المطمئن إلى إحراز النصر وجدوى العاقبة وسلامة المصير. وهذا هو العلاج الذي نود أن يتنبه إليه المسئولون في مصر. . وحسبهم أن إنجلترا هي المثل!

العدالة الاجتماعية هي الكفيلة برد العدوان. . وإذا قال لنا قائل إن نظام الطبقات في مصر لا يفسح الطريق لهذه العدالة فهو مسرف في الوهم؛ لأن نظام الطبقات في إنجلترا لا يزال قائما على قدميه، تمثله هذه الفئة من الأرستقراطيين والنبلاء، وهي فئة متميزة كل التميز ظاهرة في المجتمع الإنجليزي كل الظهور، تشير إليها على الأقل مدرسة هارو وكلية إيتون، وهما المعهدان العلميان اللذان لا يطرق أبوابهما غير أبناء الممتازين من الطبقة الاجتماعية، ونعني بها طبقة الأمراء واللوردات!

نظام طبقات في إنجلترا واضح كل الوضوح، وحرية رأي مكفولة كل الكفالة، وحزب شيوعي وآخر فاشستي، ومع ذلك فالشيوعية هناك بائرة لا تجد أذنا تسمع، والفاشستية حائرة لا تجد يداً تصفق. . لماذا؟ لأن العدالة الاجتماعية هناك قد هيأت العلم للجاهل، والعمل للعاطل، والدواء للمريض، والحياة الكريمة التي توفر الاستقرار للموظف والعامل والفلاح. . وإذا اجتمعت كل هذه القيم المثالية لمجتمع من المجتمعات، فلا حاجة به إلى الخوف الذي يدفع إلى سن القوانين وإصدار التشريعات!

إنجلترا هي المثل. . وليست إيطاليا التي أقلق نظامها تولياتي، أو فرنسا التي هز كيانها توريز!!

أ. م