مجلة الرسالة/العدد 89/القصص

مجلة الرسالة/العدد 89/القصص

ملاحظات: بتاريخ: 18 - 03 - 1935



من الفن القصصي الحديث

زوج آخر ساعة

للقصصي الإنجليزي ريس ديفز

ترجمة علي كامل

(ريس ديفز من أصغر القصصيين الإنجليز سناً. وهو كغيره من الكتاب الإنجليز المعاصرين شديد التأثر بالمذاهب الجديدة في علم النفس، فنراه في قصصه يعتمد إلى التحليل الدقيق لشتى العواطف والنزعات التي تعصف بكل نفس إنسانية. والقصة التي نترجمها له اليوم قد ترجمت إلى عدة لغات حية)

نزلت مارية من غرفة نوم والدها وقالت لعمتها في هدوء وحزن كعادتها دائما:

لقد مات!

فرفعت عمتها (آن) عينيها من فوق الإنجيل الذي كان بين يديها، وفتحت فاها حتى آخره وقد انتابها فزع عظيم، ثم بحثت عن منديلها ومسحت به عينيها العجوزين اللتين لا تتسرب إليهما الدموع، ثم بكت وهي تقول:

إنهم يذهبون جميعاً قبلي!

وفتح مارية الدولاب وتناولت منه (التريكو) وجلست أمام النار كعادتها كل مساء، وأخذت تشتغل باهتمام برغم ضجرها وتعبها من السهر الطويل وعنايتها بالميت

فنظرت إليها عمتها وهي تكاد تصعق من الدهشة، ودب في جسمها النشاط وصرخت في وجهها قائلة:

تحركي يا مارية، ليس هذا وقت (التريكو). اذهبي وابحثي عن الستائر لنغطي بها النوافذ. ويجب أيضاً أن نغير للميت ملابسه ونقوم له بكل ما يلزم

على أن ماريا لم تتحرك، وبرغم أنها كانت منهوكة القوى كان يظهر عليها دلائل فرح مرير، فقد كان يبدو لها أنها تحررت مرة واحدة من قيود عنيدة مؤلمة، كانت تقول بصوت منخفض مخاطبة عمتها (آن): - لقد كان والدي رجلاً قاسياً يا عمتي (آن)، وكان كل يوم عنده يوم أحد. لقد جعل من هذا المنزل (مدرسة يوم الأحد) وكم من مرات حقدت عليه وكرهته، وكانت والدتي تشبهه. وكنت أنا بين الاثنين كأنني في جحيم لا يطاق

في أثناء ذلك كانت عمتها (آن) تصعد تنهدات الحزن والألم. قالت الفتاة:

إنها الحقيقة المرة، والآن وقد مات الاثنان فإني أستطيع أن أحكم عليهما. لقد جعلا مني فتاة عجوزاً لم تر من متع الحياة شيئاً. فكنت لا أعرف غير الإنجيل من الصباح وعند الظهر وفي المساء

وكانت الفتاة تتكلم بصوت ملؤه الحقد والعداوة، وكانت ترتعش حسرة على نفسها. كانت تفكر في تلك الجثة الراقدة في الطابق الأعلى والسخط مستول عليها. كانت تريد البكاء ولكن دمعة واحدة لم تجد بها عيناها. وكان وجهها الغليظ الذي بدا عليه الغضب والكبرياء منكباً على (التريكو) الذي بيدها. قالت:

والآن وقد ضاعت خير أيام حياتي في العمل في سبيلهما، فسأبقى بقية حياتي وحيدة، ولو كانا تركاني أخرج من المنزل لاستطعت أن أجد الفرصة لأتزوج

قالت عمتها:

مهلاً. إنك لا زلت في الثلاثين من عمرك، وفي استطاعتك الآن أن تجتهدي في إيجاد زوج لك. إنك يا مارية فتاة قويمة الأخلاق تحسنين الطهي. إنك لست كفتيات اليوم الطائشات، وهناك كثير من الرجال الذين يبحثون عن فتاة مثلك ليتزوجوها

واستمرت مارية تشتغل في صمت. . . ثلاثة وثلاثين عاماً! قبيحة المنظر غليظة الجسم منكسرة القلب! أي رجل ذلك الذي يريد مثل هذه الفتاة في هذه الأيام؟

وتملكها خوف عظيم وهي تشتغل، كم من الأشياء فقدتها في الحياة! لقد أدركت تماماً أنها كانت تعيش بعيدة عن عالم المسرات واللذات، والآن فات الوقت التمتع. ولكن ألم يعد هناك أمل في شيء؟ قالت الفتاة:

إنني أظن يا عمتي (آن) انه يحسن أن أبيع هذا المنزل وأقيم على ساحل البحر

فأجابت المرأة العجوز على الفور في غضب:

لا تبادري ببعثرة المال الذي تركه لك أبوك. هلا فكرت في؟ وأجهشت العمة بالبكاء:

ها هو ذا المال يا مارية قد ابتدأ يجعل منك فتاة منطفئة الآمال قاسية القلب. إنني أعرف نفسيتك الآن

وخرجت العمة لرؤية الميت. وابتدأت عينا ماريا الزرقاوان المنطفئتان تلمعان من جديد؛ إن التفكير في المال الذي ورثته وفيما يمنحه هذا المال من السلطان، قد جعل حرارة السعادة تدب في جسمها الغليظ. غير أنها كانت تود أن تكون أصغر سناً مما هي الآن. وكانت تعرف أيضاً أنها قبيحة المنظر

ودخلت العمة آن قادمة من غرفة النوم وهي تقول: لقد رحل إلى العالم الآخر. إن وجهه جميل وطاهر، والآن يا مارية أي مجنز نعهد إليه بالقيام بحفلة الجنازة؟

فأجابت مارية:

جون جونز. إنه أرخص من توماس إيفانز

ولكن إيفانز ممن ينتسبون إلى الكنيسة القديمة. إن الذين يحترمون أنفسهم لابد يفضلونه، وعرباته أيضاً أكثر جمالا. فقالت مارية بصوت الآمر:

ولكنني أفضل جون جونز. لقد كنت معه في المدرسة وكان دائماً معي رقيقاً

فأجابتها العمة آن وقد أخذها الغضب:

- إنه رجل أعزب طماع

وذهبت مارية وأحضرت الأقمشة البيضاء لتغطي بها النوافذ، وكان ذلك علامة على أن الموت قد عرف طريقه إلى المنزل. ولم تكد تمضي عشر دقائق على ذلك حتى كان سيل الجيران قد ابتدأ يتدفق ليروا الميت. وكانت العمة آن جالسة بجانب جثته. بينما كانت مارية في الطابق الأرضي تصغي بسخرية إلى كلمات المجاملة والعزاء التي يوجهها إليها الزائرون

قالت إحدى النساء:

ولكنك سوف تكونين في سعة من العيش، فلقد ترك أيضاً وراءه مقادير مخبأة من المال لا بأس بها. لقد كان دائماً متبصراً يا مارية. كان يشح من أجلك

فمطت مارية شفتيها بسخرية وابتسمت ابتسامة باردة وقالت: إن كل ما هنا قد عاد إليَّ. ولكنك عديمة الفطنة يا مسز هاولز. إنك تفكرين دائماً في المال

آه! مثلك أنت. إنه يبدو عليك أنك فتاة غير طبيعية من كل الوجوه يا مارية، ألا تذرفين دمعة واحدة على أبيك المسكين؟ ها أنت جالسة ككتلة من الثلج، لا تعرفين الكلام إلا في كل ما لا يتفق مع الموقف الذي أنت الآن فيه!

وكان الجيران خارج الغرفة يتكلمون عن عدم تأثر الفتاة وجمود عينيها اللتين لم تعرف الدموع اليهما سبيلاً؛ ولكن مارية كانت جالسة في هدوء، مفعمة القلب بالاحتقار والعداوة للجميع، متمتعة في أعماق نفسها بأن تكون موضع أحاديث الناس، هانئة بذلك الدخل الذي سوف تناله عما قريب. وعندئذ شعرت أنها أصبحت مستقلة طليقة، وفي نفس تلك الليلة آوت إلى سريرها في فراشها الوثير باستسلام شهواني. وكأنما الموت الذي أقبل إلى المنزل قد فتح في أعماق نفسها منبعاً من السرور العجيب

وفي صباح اليوم التالي أرسلت مارية عمتها (آن) لتبحث عن المجنز، فحرجت آن وهي تتمتم بعبارات السخط والغضب، ولكنها كانت تتعزى كلما فكرت في أنها ستفوز بخمسة شلنات، لتشتري بها ثوباً أسود وقبعة. وكانت تقول لنفسها وهي تبكي:

وإن دفنه بيدي جون جونز سيقلقه في مقره الأخير. فعرباته القديمة فرشها حقير للغاية. إني أخجل منهم

وعاد المجنز معها واستصحبته إلى الدور الأعلى لكي يقيس جثة الميت، ثم نزل إلى الصالون حيث انتظر مارية

وجاءت مارية، فبادرها بقوله:

ما أكثر وقار وجهه يا مس مورجنز

فأجابته مارية في الحال بنظرة خبيثة قائلة:

إن وجهك أنت سيكون أكثر هدوءاً ووقاراً حين يتوفاك الله!

فسألها وهو يهز رأسه الصغير:

وكيف ذلك؟ لقد عشت حتى الآن عاقلاً رزيناً

فقالت بخبث وهي تبحث له عن كرسي:

لقد كنت في المدرسة صبياً ماجناً خداعاً، اجلس الآن ودعنا نتكلم في الموضوع كان جون جونز شابا نشيطاً عصبياً أشبه بعصفور. ألقى جون جونز قبعته بجانبه، وفرك يديه ثم وضعها على ركبتيه النحيلتين كركبتي مراهق، وكان يحاول عبثاً أن يتظاهر بالبرود الحزين الذي يتناسب مع مهنته، فقد كان خفيف الحركة، ويبدو كأنما يثقله العمل الكثير، وكانت لحيته كأنها محلوقة منذ برهة وجيزة، كما أنه لم يكن ناجحاً في عمله كمنافسه

قال جون جونز، وقد بدا على وجهه نوع من الاهتمام:

أي نوع من التوابيت تفضلين؟

وعندما نظرت إليه مارية نظرة باسمة احمرت وجنتاه وتولاه الاضطراب. سألته قائلة:

كم الثمن الذي تريده؟

كانت مارية جالسة أمامه وجهاً لوجه تناقش الأثمان بمكر ودهاء عجيبين، وقد لمعت شفتيها الغليظتين، وبدا عليها التفكير والانتباه، مما جعله يعجب بها برغم سخطه. وبعد حساب طويل، قال:

إن كل شيء سوف لا يتكلف أكثر من عشرين جنيهاً، فهزت مارية رأسها قائلة:

إن توماس إيفانز يأخذ أقل من هذا

فقفز جون جونز من على كرسيه، وقد تملكه الغضب وقال:

إنك يهودية إلى آخر حد يا مارية مورجنز، إنه لا يليق أن تكوني شحيحة هكذا فيما يتعلق بالمآتم

فتوقفت مارية أيضاً، وقد احمرت وجنتاها من الغضب وصرخت:

إنك تريد أن تسرق الأيتام الفقراء، تريد أن تربح من فتاة لم يعد لها أب!

فضحك جون جونز ساخراً:

أيتام فقراء! إنني متأكد أن والدك قد ترك مالاً وفيراً، ولكن ابنته تريد أن يدفن كما يدفن رجل معدم

وفرقع أصابعه بعصبية، ونظرت مارية إليه طويلاً، وقد انخفض جفناها وعاد إليها خبثها من جديد، ثم قالت:

إنني أحب أن أراك غاضباً مهتاجاً، إنك بهذا تكون أكثر رجولة، ولكنك الآن أكثر غضباً مما يجب أن يكون عليه (حانوتي)

كان جون جونز يسائل نفسه: كيف يترك هذا الرجل الموقر وراءه مثل هذه الفتاة الوقحة ذات اللسان البذيء! على أنه تذكر تجارته التي كانت آخذة في التدهور، فقال بهدوء:

دعينا من هذا يا مس مرجنز، كوني أكثر عدلاً، سوف أنظم جنازة فخمة بتسعة عشرة جنيها ونصف جنيه

وطلبت مارية من عمتها أن تحضر الشاي لجون جونز، وأخرجت هي خير ما عندها من الحلوى والفاكهة وأعطته منها كمية كبيرة

وفي يوم الدفن كان المطر يسقط مدراراً، والسماء مكفهرة، والجو رديئاً. وكانت مارية حزينة لأنها أنفقت كثيراً من النقود في شراء فستان أسود جميل وقبعة، كانت تقول لنفسها بعصبية متنقلة بين الحوانيت:

سوف يعرفون أنه حتى مس مورجنز الفقيرة الملبس تستطيع أن تبرهن على أنها سليمة الذوق

على أن المطر ضايقها كثيراً، فقالت لعمتها (آن) وهي ساخطة في صباح يوم الدفن:

سأضطر للذهاب لشراء معطف للمطر وشمسية جديدة، إنني دائماً سيئة الحظ، فسوف يكون هذا النهار رديئاً

كان المطر يسقط والرياح تصفر بقوة شديدة بالقرب من المقبرة، وكانت مارية واقفة بجانب القبر متكئة بجسمها الضخم على ذراع ابن عمتها تفكر في شمسيتها الحريرية الجديدة وتنعم النظر في الزهور التي تداعبها الرياح، وتفكر بحسرة مريرة في شبابها المنطفئ. آه! ولكن كم من الأوقات الطويلة السعيدة ستتمتع بها حين ينتهي كل ذلك! لا، إنها سوف لا تبيع منزلها وتعيش بعيداً، فستكون مجهولة لا يعرفها أحد إذا ذهبت إلى مكان آخر، وسوف تشتري كمية من الفساتين وتنشر (الموضة) في الحي الذي تعيش فيه، وتدهش صديقاتها. وسرعان ما رأت نفسها تنزل إلى الدور الأرضي من الكنيسة في روعة يحسدها عليها الجميع. ولكن عندما أخذ الجميع يرتلون الترتيلة المحزنة الأخيرة فكرت من جديد في ألوان السعادة التي حرمت منها؛ وأخيراً بكت، فخفف بكاؤها كثيراً مما يثقل قلب عمتها (آن) وعندما أخذت مكانها في العربة أقبل (الحانوتي) وفي يده غطاء غطى به ركبتيها وعلى وجهه إمارات التأثر، ثم قال:

إن داخل العربة بارد. إنك قادرة على كتم عواطفك بشجاعة يا عزيزتي مس مورجنز

فأجابته بشموخ:

أشكرك يا جون جونز، أظن أنه لابد لك من شلن من أجل هذا الغطاء!

وعندما دخل الجميع العربة اتجهت إليها عمتها (آن) وقد بدا عليها الغضب، وقالت:

إنك تتصرفين كما لو كنت قطعة من الخشب، لقد أفسدت علي عملية الدفن، وكنت خجلة منك إلى أقصى حد

فقال ابن عمة الفتاة في صوت متأثر:

يا عزيزتي، لقد بكت عندما كنا نرتل الترتيلة الأخيرة، فأجابت العمة:

آه، عندما كان كل شيء قد انتهى تقريباً. سوف يتكلم عنها كل من كانوا بالكنيسة

فقالت مارية بكبرياء:

إن كل ما يقولونه لا يهمني، وأنت يا عمتي (آن) عجوز مرائية، إنني أعرفك جيداً

ثم قالت ساخرة:

إن كل ما في المسألة أنك تحسدينني من أجل ثروتي لا غير!

وعندما وصلوا إلى المنزل صعدت مارية إلى الطابق الأعلى لكي تخلع حذاءها الضيق الذي جرح أصابع قدميها. وكانت جموع الناس قد اجتمعت منتظرة الطعام الذي يعد عادة بعد الجنازة. وكانوا يعلقون بأصوات خافتة من الجوع على كل ما حدث في الجنازة. أما مارية فقد فتحت صندوق مغلقاً بمفتاح، وعلى وجهها ابتسامة خفيفة. وأخرجت منه علبة المسحوق الأبيض التي اشترتها بعد موت والدها، ودهنت أنفها اللامع وخديها النحاسيين، وهي في غبطة وسرور من هذا الإثم الجديد. وبعد ذلك لبست قرطها بهدوء. ثم اتجهت نحو السلم فرحة منتفخة كأنها ملكة مهيأة من جديد للنزول وعليها إمارات الأبهة والجلال. وفي أثناء نزولها سمعت أصوات بعض النسوة آلائي كن يتكلمن عند المدخل بصوت منخفض، فوقفت تنصت إليهن، فسمعتهن يذكرن اسمها. قالت إحداهن:

لقد كانت دائماً سخيفة غبية. ولكنها اليوم كانت حقاً وضيعة النفسية لا يحمل قلبها ذرة من النبل. لقد كانت معجبة بملابسها السخيفة كأنها في حفلة زواج

وقالت الأخرى:

ألم تكن تفكر أنه كان يجب عليها أن تبكي على الأقل اعترافاً بالجميل من أجل ذلك المال الكثير الذي تركه لها

لقد كانت كشخصية مضحكة في مأساة محزنة. ما هذه القبعة التي كانت تلبسها! أي مرض من الذوق ذلك الذي جعلها تلبس هذه القبعة في جنازة أبيها!

ونزلت مارية بهدوء. وعندما أحست النسوة بقدومها ابتدأن يتكلمن بأسى عن ساعة الدفن، ونظرن إليها بعيون كلها شفقة ورثاء. فنظرت إليهن مارية، وقد كشرت عن أنيابها وصاحت:

أخرجن من منزلي يا ذوات الألسنة البذيئة. أخرجن من هنا!

فجرى النسوة من وجهها الغاضب. ولكن إحداهن صاحت لدى الباب:

امسحي هذا المسحوق الأبيض الذي على وجهك أيتها الفتاة المفتونة!

وبعد أسبوع ذهب جون جونز إلى المنزل ومعه قائمة حسابه فأدخلته مارية إلى الصالون، ووضعت على الطاولة تسع عشرة ورقة من ذات الجنيه، فعد (الحانوتي) النقود بعناية. ثم التفت إليها وقد احمرت وجنتاه. ثم قال رافعاً صوته:

أرجو يا مس مرجنز أن تعطيني النصف جنيه الباقي. فأجابته

إذن قدم لي حساباً عن هذا المبلغ الضخم. لقد كانت الجنازة متواضعة

فصاح وهو يهز قبضته بانفعال شديد:

سوف اذكر ذلك أمام المحكمة. نعم سأقاضيك مطالباً بمبلغي أيتها المرابية الشحيحة!

كانت مارية متشحة برداء من القطيفة السوداء. لابسة عقدها وقرطها. معلقة ساعتها في ردائها الضيق الملتصق بجسمها المفصل على آخر طراز. قامت مارية من على كرسيها وقالت بطريقتها الإنجليزية الرشيقة:

لست ممن يتناقشن مع الحانوتي من أجل نصف جنيه. لقد كنت أظن أنك رجل مهذب ولكن يظهر أنني كنت مخدوعة

ظل جون جونز صامتاً وكأنه تذكر فجأة شيئاً. فنظر إليها بعينيه اللامعتين اللتين تشبهان عيني قرد، وقد بدا عليه الألم والحسرة، ولكن مارية خرجت من الغرفة ببرود وعادت وفي يدها كيس من التيل، وأخرجت منه حزمة منتفخة من أوراق البنكنوت. فنظر جون جونز إلى النقود. وقال بصوت تبلله الدموع

اغفري لي ثورتي يا مس مورجنز. لقد نسيت في فترة غضبي الخسارة المؤلمة التي انتابتك. يا إلهي! كم ستشعرين بالوحدة، إن عمتك ليست الرفيق اللازم لفتاة شابة. هلا وضعت بعد مشروعات تقومين بها في المستقبل؟

لقد كان قلبه الصغير الحساس يخفق حقيقة بحرارة رحمة بمارية التي لا أنيس لها. وابتسمت مارية ابتسامة خفيفة، وهي تعبث بيدها في أوراق البنكنوت، بينما جون جونز ينظر إليها وعليه إمارات التأثر

أجابت مارية:

إنني لست مستعجلة. فسوف أعيش بمالي في بسطة من العيش

فقال جون جونز:

حقاً. ويمكنك أن تحصلي على ثمن جيد لهذا المنزل وللأربعة منازل الأخرى التي تقع في طريق المناجم. إنهم خالون من حق الاتفاق. أليس كذلك؟

فقالت مارية ضاحكة

إنك تريد أن تعرف كل شيء؟

وخرجت ثانية حاملة معها الكيس، ثم عادت ومعها زجاجة من النبيذ الفاخر وطبقاً من البسكويت. صرخت مارية بنشوة وافتخار رافعة الزجاجة إلى أعلى:

إنها الأولى في هذا المنزل

فقال جون جونز ضاحكاً أيضاً

لقد كان والدك مدمناً على شرب الماء!

وبينما كانا يشربان كانت مارية تنظر من النافذة بنشوة كأنها في حلم. ولكنها لاحظت أن الحانوتي يرمقها بنظرات عصبية

قالت مارية:

لا، إني لم أضع بعد مشروعات. كنت أريد أن أنتقل من هذا المنزل. ولكن فتاة غير متزوجة لابد أن ستشعر بالوحدة المضنية في مكان غريب. أما إذا وجدت زوجا. . . ورفعت عينيها الذابلتين نحوه. وكان هو من ناحيته ينظر إليها بتحديق شديد

لقد كان ذلك أكثر مما كان يأمل، فشرب قدحه سريعا، ثم رفع كوبته بيد مرتعشة وانحنى على ركبتيه أمامها، وأمسك بيدها وهو يتكلم بعبارات سريعة مضطربة قائلاً:

خذي يا عزيزتي مس مورجنز. إنني أنا أيضاً أعزب وحيد. لقد أحببتك منذ أن رأيتك أثناء دفن والدك هادئة ووحيدة. حقاً إنني أحبك. إنني أشعر في أعماق نفسي بشيء غريب نحوك

فأخذت مارية تضحك ضحكاً طويلاً لا ينقطع ثم قالت: يا جون جونز إنك بخيل لدرجة أنك لا تستطيع أن تحب. هل تحبني من أجل ذاتي؟

فقال جون جونز بحزن:

إنك قاسية خبيثة

فأجابته في الحال بحدة:

أوه! إنني لا أشعر بالحب نحو أي رجل ما. إنني أريد أن أتزوجك ليكون لي اعتبار في أعين الناس. والآن كم يكون هذا مفاجأة عجيبة بالنسبة لأولئك النسوة جميعاً!

علي كامل