مجلة الرسالة/العدد 891/خواطر مرسلة

مجلة الرسالة/العدد 891/خواطر مرسلة

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 07 - 1950



النائم اليقظان

للأستاذ حامد بدر

قال أخي: أراك مغفيا ما تفيق، مفيقاً ما تنام، كأنك دهري الكرى، أبدي السهاد!

قلت: ما هذا التناقض؟

قال: لا تناقض، فأنت في إغفائك عميق الاستغراق، جبار الوجوم، متصل التفكير، وأنت في استغراقك العميق، ووجومك الجبار، وتفكيرك المتصل، جوال فياف ووديان، غواص بحار وأعماق، قطاع أجواء وآفاق. . . فهل تزعم أن الكرى يلف بهدوئه أعصابك، وقد شد الزمن منها أوتاراً مضناة، وظل يعزف عليها بمطارق الألم ألحانه الباكية المبكية؟! أم هل تعتقد أنك تغفى إغفاءة المستريح، وقد تنازعت صروف الأيام ذهنك فبددته، ولم تترك جزيئاته المتفرقة لتجتمع لحظة واحدة؟!

قلت: آمنت بأن من كان ذا حس لطيف، وألم عنيف، فهو يقظان لا يستريح! ولكن كيف كان اليقظان دهرى الكرى؟!

قال: ما يقظة من يستعرض الرؤى، ساجي الطرف، شارد اللب، ساكن الهيكل، بعيداً عن الحياة، قريباً من الفناء؟!

ما يقظة من انصرفت حواسه عن لذات الدنيا ومسراتها، وأقامت تلك اليقظة بينه وبينها أمنع السدود؟!

إنها يقظة المحتضر الذي لم يشك في قرب فراق الحياة. وإن تباطأ الروح في طريقه، وتثاقل العمر في خطاه. وليست تلك اليقظة بأكثر من نومة عميقة، في مكان مدلهم سحيق؛ بل أنها يقظة تمت بالقربى إلى نومة عبود الذي زعموه نائماً في موتته، وهو ميت في نومته!

قلت: تعني أن أخاك في نومه يقظان، وأنه في يقظته وسنان، وتزيد على هذا أنه في إغفاءته الموهومة، ويقظته المضنية أقرب إلى الموت منه إلى الحياة!

قال: نعم!

قلت: لقد فصلت ما أجعلت، وفسرت ما أبهمت، وأقنعت أخاك بأنه وسنان ما يفيق، مفيق ما يغفى، وأنه دهرى الكرى، أبدى السهاد!

قال: اتفقنا على أن لا تناقض.

قلت: على هذا التفسير لا تناقض.

حامد بدر