مجلة الرسالة/العدد 893/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 893/الأدب والفنّ في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 893
الأدب والفنّ في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 14 - 08 - 1950



للأستاذ عباس خضر

فلم (الوعد الحق)

أشرت منذ أسابيع إلى مشروع فلم سينمائي يستقي من قصة (الوعد الحق) التي وضعها معالي الدكتور طه حسين بك ونشرتها دار المعارف في يناير الماضي. والذي فكر في هذا المشروع هو الأستاذ إبراهيم عز الدين على أثر عودته من الخارج، إذ كان يدرس فن السينما في إحدى الجامعات الأمريكية، فقد قرأ القصة، ثم اتصل بمعالي الدكتور طه وعرض عليه أن يعدها للإخراج السينمائي، فوافق معاليه بعد بحث الموضوع وبعد أن اقتنع بإمكان هذا العمل.

والقصة تتعرض أولاً بالتحليل والعرض لحياة طائفة من الأرقاء والمستضعفين الذين كانوا يعيشون في مكة قبل ظهور الإسلام وعند ظهوره، وتتبعهم من منشئهم وإقبال الطارئ منهم على مكة والعناية خاصة بعلاقاتهم بسادتهم وأحلافهم وإبراز الناحية الإنسانية في هذه العلاقات، والتمهيد في ثنايا ذلك لاستقبال هؤلاء الضعفاء الدعوة الإسلامية لدى ظهورها بشوق شديد، فهم قوم صفت نفوسهم واستعدت أرواحهم لتقبل هذه الدعوة، وقد تعطشوا إليها لما رأوا من ضلال سادتهم وما أنكروا من فوضى العقائد السائدة، ولما يرجون على يدي الدعوة الجديدة من المساواة والحرية والإخاء الإنساني إذ لا يفضل أحد أحداً إلا بعمله وكفايته

وتأتي بعد ذلك الخطوة الثانية التي مهد لها، وهي ظهور الإسلام وإسراع أولئك إلى الدخول فيه. وهنا يلتفت إليهم التاريخ ليسجل في صفحاته ما أظهروه من الجلد وما أخذوا أنفسهم به من الصبر والثبات على اضطهاد طغاة قريش واستبدادهم بهم وتعذيبهم إياهم، لا يثنيهم شيء من ذلك عما أخذوا فيه ولا ينال من إيمانهم أي منال.

وتسير الدعوة في طريقها، ويقوى المسلمون، ويعز بالإسلام أولئك المستضعفون، ثم يصيرون أئمة وأمراء في الدولة الإسلامية الديمقراطية، ويتحقق ما وعدهم الله به، ووعده الحق، في قوله تعالى (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما ك يحذرون)

ذلك موضوع القصة ومرماها، وقد وفاه قلم الدكتور طه حسين حقه من التصوير الأدبي والتبيين الكتابي. والمرجو أن يبرزه فن السينما بوسائله ويدينه من جماهير الناس ليرجع بهم إلى مثل الإسلام العليا، ونرجو أن يكون الوقت قد حان لأن ننتفع بهذه الوسائل الحديثة، التي تتخذ للاتصال بالجمهور والتأثير فيه وإمتاعه بالإنتاج الرفيع، في شؤوننا الجدية وتاريخنا المجيد. ولا شك أن هذه الفترة التي تعرض لها قصة الوعد الحق هي أعظم فترة في تاريخ المسلمين. وقد رأينا على الشاشة أفلاماً كثيرة تعرض نواحي مماثلة لموضوعنا في الدين المسيحي، وهي أفلام عالمية لا يقتصر الإعجاب بها على المسيحيين وحدهم، فقد شاهدناها نحن في بلادنا وأخذنا بروعة ما تعرضه من الكفاح والصبر والثبات على الإيمان. ونحن الآن مستبشرون بهذا المشروع لعله يتمخض عن فلم يعد من هذه الأفلام العالمية فيرفع شأن الفن المصري كما يرفع شأن الإسلام والمسلمين.

ومن حيث أن الفلم يقدم شخصيات جليلة كعمار بن ياسر وأبويه وبلال وصهيب وغيرهم، فقد اقتضى الأمر أن يستأذن في ذلك رجال الدين، فأذن صاحبا الفضيلة مفتي الديار المصرية الحالي والمفتي السابق، وأظهرا استحساناً شديداً له.

وقد أعد (السيناريو) وضعه أولاً الأستاذ عز الدين، ثم راجعه معالي الدكتور طه وأقره بعد جهد كبير. وسيبدأ بالتصوير والإخراج باستديو مصر في منتصف سبتمبر القادم، ويقدر لتمام هذا العمل نحو شهرين يكون الفلم بعدهما معداً للعرض، ويجري الحوار بلغة عربية فصيحة تجمع بين السهولة وسمات اللغة التي كان يجري الخطاب بها في عصر القصة.

وهو فلم ثقافي، لا تهريج فيه ولا ابتذال بطبيعة الحال، ولكنه لن يخلو من عنصر المرح، وذلك بسخرية الحوادث من أعداء الدعوة الإسلامية، وعرض بعض مباذلهم في الحانات وما فيها من غناء ورقص القيان، كما تقدم أغان بدوية.

والذي يقرأ القصة المكتوبة يتوقع ما سيكون عليه الفلم من سبك السرد والتشويق يحسن الترتيب والمفاجآت.

وستؤخذ بعض المناظر في الحجاز، على أن أكثر المناظر سيعتمد فيها على الوصف التاريخي كدار الأرقم بن أبي الأرقم التي كان يجتمع فيها المسلمون في أول عهد الإسلام وكذلك ملابس البدو والحضر في زمان القصة.

ويشترك في التمثيل عدد كبير من الممثلين والممثلات ومما يهتم به الآن البحث في إسناد الأدوار إلى اللائقين لها، وهي ناحية مهمة جداً يتوقف عليها مدى النجاح في تقديم شخصيات القصة، وهي أيضاً ناحية عسيرة فقد جرى الأمر في الأفلام المصرية حتى الآن على أن يضع المؤلف القصة بحيث (يفضل) أدوارها على قدود الممثلين والممثلات الذين يشتركون في التمثيل، فهو يضع دوراً لهذا المضحك، ودوراً لهذه الراقصة و. . . الخ.

أما نحن الآن فبازاء عمل آخر، وضع كما جرت الحياة وكما اقتضى الانفعال الفني، فليس هنا إلا حسن التصرف في الاختيار وضع كل في موضعه والتوفيق هو أول وآخر ما يرجى.

بين الدكتور زكي مبارك وسكرتير تحرير الرسالة

كتب الدكتور زكي مبارك في (البلاغ) كلمة تعرض فيها لما كنت أخذته على الأستاذ محمود غنيم من تشبيهه معالي الدكتور طه حسين بك بابن العميد، وقد بدأ الدكتور مبارك كلمته بكلام ذكره قبل ذلك غير مرة، قال أنه كان يشترك في تحرير (الرسالة) ثم وقع بينه وبين صاحبها خلاف، وقال أن المجلة (الرسالة) لا تذكر اسمه لذلك. . . وأنا أعجب من الدكتور زكي مبارك كلما ذكر ذلك، فإن الأستاذ الزيات يحبه ويذكره بالخير دائماً، أما هو فتراه يتحدث عما بينهما من خلاف مزعوم، إلا أن يكون خلافاً من جانب واحد هو جانب الدكتور زكي مبارك! وقراء الرسالة يشهدون أن اسم الدكتور زكي مبارك ليس ذكره محرماً في المجلة. . . وكثيراً ما يرد في باب الأدب والفن خاصة وأذكر أن آخر مرة جاء فيها سام الدكتور زكي مبارك يوم قلت أن أنكر على الأستاذ محمد عبد الغني استعمال مجداف السفينة زاعماً أن كلمة (مجذاف) خطأ، وقلت أن هذه التخطئة لا تليق بالدكتور زكي مبارك الذي يطالب بعضوية المجمع اللغوي، لأن الاستعمال صحيح والكلمة معروفة لا تحتاج إلى الغوص.

ويسميني الدكتور زكي مبارك في كلمته (سكرتير تحرير الرسالة) وأنا لست إلا محرراً بها فقط.

قال الدكتور زكي مبارك: (القضية أن المعلمين أقاموا حفلة تكريم لمعالي الدكتور طه حسين بك في ناديهم، وأن الأستاذ محمود غنيم ألقى قصيدة زعم فيها أن الدكتور طه أعظم من أبن العميد. وهنا يقول سكرتير تحرير الرسالة ومن هو أبن العميد؟ أنه أصغر من أي كاتب من كتاب الطبقة الثانية في عصرنا هذا وسبحان من أنعم على سكرتير مجلة الرسالة بنعمة الجهل! أن أبن العميد سيظل أعظم كتاب اللغة العربية، وعلى ذلك الجاهل أن ينظر في كتاب النثر الفني وهو موجود بمكتبة الرسالة، وفيه أطلت الشرح لحقيقة الرجل الذي خلعوا عليه لقب الجاحظ الثاني)

وأنا إذا كنت (أجهل) أبن العميد فما أراني بحاجة إلى أن أعرفه من كتاب النثر الفني مادام صاحبه يقول عنه أنه أعظم كتاب الغلة العربية! وسبحان من أنعم على قائل هذا بنعمة العلم! ألا يعلم صاحب النثر الفني أن أبن العميد أستاذ المدرسة التي أفسدت الكتابة العربية؟

وأنا أعني بإنكاري على الشاعر التشبيه بابن العميد وجعله مثلاً في الكتابة - أن المقارنة لا وجه لها، لأن الكتابة العربية المزدهرة في هذا العصر أصبحت شيئاً آخر غير ما كان يكتب أبن العميد وأضرابه فالعصر غير العصر، والكتاب الآن يتناولون شئون الحياة ويعنون بأهدافهم من الكتابة على نحو بعيد جداً مما كان يصنع أولئك الكتاب.

وليت شعري ماذا ترك الدكتور زكي مبارك لنفسه حينما قال أن أبن العميد أعظم كتاب اللغة العربية؟! هل يستطيع أبن العميد أن يكتب صفحة (الحديث ذو شجون) بالبلاغ. .!؟ وهل أنا (جاهل) إذ أقول أن الدكتور زكي مبارك أكتب من أبن العميد!.

ويقول الدكتور زكي مبارك: (ويقول سكرتير مجلة الرسالة ومهما يكن من شيء - كما يعبر عميد الأدباء - فإن. . . ومعنى هذا أن عبارة (ومهما يكن من شيء) من مبتكرات الدكتور طه حسين، وليس هذا بصحيح، فهي من مبتكرات سيبويه في الكتاب).

وأنت تراه يفسر ويرد على تفسيره. . . فأنا أقصد أن العبارة من لوازم الدكتور طه حسين، ولم أقل إنها مبتكراته، ولكل كاتب أو لأكثر الكتاب، ألفاظ يكثرون استعمالها، وليست هذه الألفاظ من مبتكراتهم، وينفرد الدكتور زكي مبارك بلوازم أخرى غير تكرار الألفاظ، منها أن يكرر الخلاف المزعوم بينه وبين صاحب الرسالة، ومنها حكاية الحفلة التي أقامها المغفور له محمود بسيوني بك لإصلاح ما بينه وبين الدكتور طه، ومنها أنه من سنتريس. . . الخ.

ولم يبين الدكتور زكي مبارك - لنستفيد من عمله - كيف أن عبارة (ومهما يكن من شيء) من مبتكرات سيبويه، وهل جاءت في سباق تعبيري، أو جاءت عند تفسيره (أما) بأن معناها (مهما يكن من شيء) وهل يعد هذا ابتكاراً ونحن في معرض الأسلوب الكتابي؟

ومن استطرادات الدكتور زكي مبارك في هذا الصدد قوله (وكان سكرتير مجلة الرسالة طفلاً يحبو حين نشرت في جريدة المقطم سنة 1927 مقالات بعنوان أغلاط سيبويه)

وماذا لو كان ذلك؟ لقد شببت بعد وقرأت له كثيراً ومازلت أسأل الله له طول العمر مع الصحة والعافية.

عباس خضر