مجلة الرسالة/العدد 899/رسالة الفن

مجلة الرسالة/العدد 899/رسالة الفن

ملاحظات: بتاريخ: 25 - 09 - 1950



المسرح المصري كما نريده

للأستاذ أنور فتح الله

المسرح المصري الآن في مفترق الطرق. . فاليوم تبدأ صفحة جديدة في تاريخ المسرح المصري. . فقد تقرر أخيراً إنشاء الفرقة النموذجية من خريجي المعهد العالي لفن التمثيل. لتقديم مسرحيات من الفن الرفيع. . وتقرر أيضاً الإبقاء على الفرقة المصرية، لتستمر في أداء رسالتها الفنية.

ونحن ولا شك، نرحب بطلائع المسرح الجديد من شباب المعهد الذين جمعوا بين الموهبة والثقافة المسرحية. . ونرحب أيضاً بقدامى الممثلين الذين كانوا أول من حمل المشاعل، وشق الحجب عن هذا الفن الوليد.

. . وليس من شك في أن وجود هاتين الفرقتين، سيبعث النشاط في الحقل المسرحي، في جو من التنافس البريء الذي نرجو أن يستهدف صالح الفن وحده.

ولعله من الخير، والمسرح الآن على أبواب عهد جديد، أن نحاول أن نبرز نواحي النقص في الماضي، لنتحاشاها في المستقبل المرتقب.

فالثابت من تجاربنا المسرحية السابقة أن المسرح المصري لا يفتقر إلى الممثل، ولا إلى المخرج، فقد أدى كل منهما رسالته، وقام بدوره خير قيام. ولم يبق سوى المسرحية، وما من شك في أنها الأساس الأول الذي يقوم عليه المسرح ذلك لأن الممثل، مهما أوتي من قدرة وموهبة، لن يستطيع أن يجتذب المشاهد إليه، ويشركه معه في الأحداث، ويؤثر فيه، إذا لم يكن دوره يصور بصدق الكائن البشري الذي يمثل الإنسان في الحياة.

والمخرج لن يستطيع القيام بدوره، إذا لم ترسم له المسرحية الخطوط الرئيسية التي تصور جو الحياة الحقيقي الذي تجرى فيه الأحداث.

فعلى المسرحية إذن، يتوقف نجاح الممثل والمخرج، بل يتوقف نجاح فن المسرح فإذا أردنا أن ننهض بالمسرح المصري وجب علينا، وقد توفر لدينا المخرج والممثل، أن نعمل على خلق المسرحية بالنسبة للمسرح. علينا أن نرجع إلى اليوم الذي بدأت فيه في الظهور، فقد نشأت المسرحية عند اليونان في وقت كان الدين فيه مسيطراً على العقل اليوناني، وقد سخرت الفنون في عبادة الآلهة وتمجيدها، فظهرت المسرحية اليونانية وغرضها الأول تصوير حياة الآلهة، وما قاسوه من آلام. وكانت المسرحية تستمد مادتها من الأساطير التي تقص سير هذه الآلهة، وكان اليونانيون يحفظونها لأنها كانت تمثل كتابهم المقدس. وكان المسرح يعد هيكلا يقصد إليه الشعب لا لمشاهدة التمثيل فحسب بل لعبادة الآلهة وذلك بمشاركتهم وجدانياً فيما يقاسون من عذاب وألم.

فالمسرحية إذن، لم تخلق إلا لتشارك الشعب اليوناني في آلامه وأحزانه، وهي بهذه المشاركة، قد حققت للمسرح وجوده واجتذبت الشعب إليه، ودفعت الدولة إلى الاهتمام بالتمثيل، وتنظيم حفلاته.

وإذا استعرضنا المسرحية في كل العصور، وجدناها متصلة دائماً بالحياة، تصاحب الإنسان في تطوره وتقدمه، وتصور آلامه وآماله، وتشترك معه في معالجة مشاكله، وهي في كل هذا تعكس صورة صادقة للحياة، متأثرة بها أو مؤثرة فيها.

وإذا استعرضنا المسرحيات الخالدة في كل عصر، رأينا أن السبب في خلودها هو صدقها في تصوير واقع ذلك العصر، وتناولها المشاكل الإنسانية العامة، وعمقها في تصوير الغرائز والعواطف البشرية.

ومن هذا يتضح أن نجاح المسرحية، مرتبط بمدى انشغال العقل البشري بموضوعها، ومدى اشتراك البشر في الآلام التي تصورها، والآمال التي تنشدها، فإذا اتسع نطاقها متجاوز حدود المجتمع والعصر الذي ظهرت فيه، فهي تصبح إنسانية خالدة.

ولما كانت المسرحية وصورة مصغرة للحياة والإنسان هو الكائن الذي يمثل الحياة فيها، وجب أن تمنى المسرحية بتصوير الصراع الذي يدور في نفسه بين رغبته وقدرته، وبينه وبين مجتمعه الصغير وهو الأسرة، ثم بينه وبين المجتمع الكبير وهو الوطن، وبتصوير هذا الصراع الذي يدور في كل نفس بشرية عندما تحتك بالحياة، تصبح القضية التي تعالجها المسرحية إنسانية تهم كل إنسان، ويجب أن يراعى في اختيار النموذج البشري الذي يمثل الإنسان في الحياة، أن يكون إنساناً عاما يمثل جيله أصدق تمثيل، على أن يجمع الخصائص المميزة لهذا الجيل على اختلاف طبقاته، وبهذا تستطيع المسرحية أن تبرز الشخصية المصرية العامة، التي تمتاز بطابعها القوي، القريبة من قلب كل مصري. هذه الشخصية إذا ظهرت في المسرحية المصرية، وسيكون لها التأثير الأول في اجتذاب الشعب، لأنها ستحدثه بلغته، وتشاركه في حزنه، وتدفعه إلى اقتحام الحياة، والتغلب على ما فيها من مصاعب.

والمشكلة التي تعالجها المسرحية، يجب أن تمثل أزمة عامة من الأزمات التي تصادف الإنسان في الحياة، وتشغل أكبر مجموعة من الناس، وتمس حياتهم. وبهذا يرى المشاهد نفسه على المسرح، وهو يصارع الحياة، ويرى طريق النجاة من هذه الأزمة مرسوما أمامه، رسمها له عقل مفكر خبير بالحياة، فإذا خرج إلى الحياة، استطاع أن يسلك هذا السبيل.

والدقة والصدق في تصوير هذه المشكلة يعينان على تجسيمها حية أمام نظر المشاهد، فلا يشعر بفارق بين ما يجري في الحياة وما يجري على خشبة المسرح.

أما غرض المشكلة وعلاجها، فيتصلان بحساسية المؤلف وقدرته على الملاحظة، وذلك لأن المسرحية أن هي إلا صورة من صور الحياة التقطها المؤلف، وامتزجت بروحه، وخرجت منها حاملة الأثر الذي أحدثته هذه الصورة في نفسه.

والجو العام إما أن يكون باسماً أو قائماً، وفي الأولى لا يخلو الابتسام من الألم البشري، ذلك لأن حياة الإنسان موجات من الألم والفرح، وقد يقيم الإنسان أفرحه على آلام الغير، أو يقيم أحزانه على أفراح الغير، ولكن الألم خفيف في الكوميديا، والمرح غالب، وهو عنيف في الدراما والمرح خفيف. والمقياس هنا هو درجة خطورة المشكلة التي تعالجها المسرحية فإن كانت بسيطة وجب أن تأخذ المسرحية مظهراً باسماً، وإن كانت خطيرة وجب أن تأخذ المسرحية مظهراً عابساً. وبين هذين الطرفين يتدرج المظهر بين الإشراق والعبوس. فالضحك إذن ليس غرض المسرح، والبكاء ليس غايته، وإنما يهدف المسرح إلى نقل تجارب الحياة إلى المشاهد، وبزيادة محصول الإنسان من هذه التجارب، يزداد خبرة بالحياة، وقدرة على حل مشاكلها. هذه هي الخطوط الواجب توفرها في موضوع المسرحية التي تنشدها لتمثل الواقع الذي نعيش فيه، وتساهم في نقد حياتنا والعمل على إصلاحها، ورسم الطريق إلى حياة مثالية تستهدف الحق والخير والجمال.

هذا، وإذا استعرضنا إنتاج المؤلفين المصريين في الأعوام الماضية فإننا نلاحظ أن غلبهم يقصر نشاطه على المسرحية التاريخية. والعيب العام في هذه المسرحيات هو عدم تناولها مشاكل شبيهة بمشاكل الحاضر، وميل بعضها إلى تصوير الشخصيات الغربية، والنزعات الشاذة، والبعض الآخر طغى عليه جانب العرض التاريخي ومن حيث تصوير الأشخاص وتحليل طباعهم، فإنها لم تعن بتصوير الجوانب الإنسانية في حياة الشخصيات التاريخية. . . وفي رأيي، أن، المسرحية التاريخية يحب ألا يطغى عليها جانب العرض التاريخي حتى لا تصاب بجمود التاريخ. وأن تتناول مشكلة شبيهة بمشاكل الحاضر الذي نعيش فيه، ليستجيب لها النظار. وما من شك في أن التصوير الطبيعي الصادق للإنسان في مواقف الحياة المختلفة لا يتغير بتغير الزمان أو المكان. فإذا روعي هذا في المسرحية التاريخية فإنها تصبح كالمرآة يرى فيها النظار أنفسهم ومشاكلهم من خلال الإطار التاريخي. ولعل هذا هو السبب في خلود مسرحيات شكسبير التاريخية كهملت وعطيل وغيرهما.

وقد يستخدم المؤلف الإطار التاريخي لينقد المجتمع في عصره ويخاطب الشعب عن طريق التورية. كما فعل بومارشيه قبيل الثورة الفرنسية حين كتب مسرحياته (حلاق أشبيلية) و (زواج فيجارو) و (الأم الآثمة) فقد صور من خلال الثوب التاريخي، الصراع بين السلطة الطاغية، والشعب الذي يطالب بحقه في الحياة.

إلى جانب عنايتنا بخلق المسرحية المصرية، يجب أن نعنى أيضاً بترجمة المسرحية الأجنبية التي تعنى بمشاكل الأسرة والمجتمع وكذلك المسرحيات التي تساير الاتجاهات المسرحية الحديثة، ليطلع الجيل الجديد على أحدث تطورات المسرح ليقتبس منها ما يعيننا على أحدث تطورات المسرح ليقتبس منها ما يعيننا على اللحاق بالأمم المتقدمة علينا في هذا الفن.

وبعد فإن رسالة المسرح لا تقف عند حد إنشاء فرقتين مسرحيتين. بل يجب أن يعمل من بيدهم الأمر على خلق المسرحية المصرية أولاً، وبث الوعي المسرحي بين طلبة المدارس والجامعات وأفراد الشعب.

يجب أن تكون هيئة من المتخصصين في فنون المسرح والنقد وعلماء التربية والاجتماع يكون من صميم اختصاصها التوجيه الفني وتنشيط حركة التأليف والترجمة، وتشجيع المؤلفين؛ ونشر المؤلفات والمترجمات المسرحية. على أن تخص هذه الهيئة باختيار المسرحيات لهاتين الفرقتين، وذلك حتى لا يتحكم المزاج الفردي في هذا الفن كما حدث بالأمر.

وإلى جانب هذا يجب أن تعنى وزارة المعارف بالفن المسرحي وذلك بأن تدرس آداب المسرح بالمدارس الابتدائية والثانوية والمعاهد العالية؛ وذلك حتى يتسنى بث الوعي بهذا الفن الإنساني الذي يرمي إلى إصلاح البشر، وخلق الإنسان الخير، الذي تغلب على الشر الكامن في نفسه، وارتفع إلى مستوى مثالي، ليعمل على خير المجتمع الإنساني.

أنور فتح الله

ناقد مسرحي