مجلة الرسالة/العدد 899/صفحة من تاريخ الأزهر العلمي

مجلة الرسالة/العدد 899/صفحة من تاريخ الأزهر العلمي

ملاحظات: بتاريخ: 25 - 09 - 1950



الدراسات العليا في الأزهر الجامعي

للأستاذ محمد عبد المنعم خفاجي

كان محمد عبده رحمه الله أبرز قائد لحركة البحث والإصلاح الديني في مصر والشرق الإسلامي بعد أستاذه جمال الدين الأفغاني. وكان من البدهي أن يتجه هذا المصلح الديني الخالد الذكر إلى إصلاح الأزهر نفسه لأنه نواة الفكرة الإسلامية، ومغذي الروح الديني. ولم تظهر آثار جهاد الشيخ محمد عبده وجهوده في إصلاح الأزهر إلا بعد وفاته، وعلى أيدي تلاميذه الذين تحمسوا لآراء أستاذهم في الإصلاح، وتعهدوا بالعناية والتنفيذ.

كانت الدراسة في الأزهر في عهد محمد عبده تسير على النظام القديم البدائي: حلقات للتعليم، وطلبة يختارون أستاذهم الذي يتتلمذون عليه ويناقشونه في ما صعب من مشكلات العلم والثقافة، وكتب ألفت في العصور الوسطى وغلبت عليها آثار الثقافة العقلية التي كانت سائدة في هذه العصور.

وفي 1872م وضع قانون لإصلاح الأزهر، نظم طريق نيل العالمية، وحدود مواد الامتحان فيها. بتعضيد الشيخ محمد عبده وعلى يد صديقه المرحوم الشيخ حسونه النواوي شيخ الأزهر حينذاك صدر قانون عام 1896، الذي نظم الدراسة في الأزهر، وأدخل العلوم الحديثة في مناهجه.

أما النظام الإداري للأزهر ومعاهده فقد صدر به قانون عام 1911، بعد وفاة الإمام محمد عبده بسنوات.

وأخذ الأزهر يسير على هذا النمط من الدراسة، دون أن يوجد فيه أثر للدراسات العليا، حتى صدر قانون 1923، الذي أوجد نوعا من هذه الدراسات قامت على أسسه أقسام التخصص القديم، التي كانت تمنح درجات علمية تعادل درجة الماجستير في جامعتي فؤاد وفاروق.

ثم أخذ الأزهر يعمل على مسايرة النظم الجامعية التي تسير عليها شتى الجامعات في الشرق والغرب، ففكر المراغي في عهد مشيخته الأولى في إنشاء أقسام للدراسات العليا في الأزهر، والمراغي أنبه تلاميذ محمد عبده؛ وأكثرهم دعابة لآراء أستاذه، وتحقيقا للكث منها وقد ظهرت آثار هذا الاتجاه في قانون إصلاح الأزهر الذي صدر عام 1930 في عهد المرحوم الشيخ الأحمدي الظواهري؛ وقد نظم هذا القانون الأزهر الجامعي، فقسمه إلى كليات ومعاهد، وأنشأ أقسام الدراسات العليا بشتى فروعها وعدل عام 1936 وما والاه تعديلات لأملته الضرورة والتجربة والرغبة في خلق الروح في الأزهر.

سمى هذا القانون أقسام الدراسات العليا؛ أقسام تخصص المادة، ومنها ينال المتخرج شهادة العالمية من درجة أستاذ، وهي أرفع شهادات الأزهر العلمية، وتعادل الدكتوراه الممتازة، وتدرس بها علوم الشريعة وأصول الدين والقرآن والحديث والبلاغة والأدب واللغة والفلسفة والتاريخ، ومدة الدراسة بها لا تقل عن ست سنوات بعد انتهاء دراسة الكلية، وكان طلبتها يختارون من بين أوائل المتخرجين.

واختير للتدريس بهذه الأقسام أئمة العلماء والمفكرين في الأزهر ومصر، وقد حققوا نهضة فكرية وعلمية جديرة بالإشارة في تاريخ الأزهر الحديث. كما كانت امتحانات أقسام هذه الدراسات، ومناقشات رسائل الخريجين مواسم خالدة للعلم والأدب في الأزهر؛ وكان يشرف عليها أفذاذ العلماء والأدباء والمفكرين، ومن بينهم المراغي ولطفي السيد ومأمون الشناوي واللبان وحمروش وعبد المجيد سليم وعرفة وشلتوت والجارم وسواهم. ورسائل الخريجين من أقسام العالمية درجة أستاذ فيها جهد كبير وألوان جديدة من البحث والتحليل، وهي أوضح اثر لنهضة الأزهر العلمية الحديثة وقد طبع بعض قليل منها. كما حمل خريجوه بجدارة مناصب التدريس في كلياته ومعاهده؛ ولكثير منهم نشاط علمي خصب، وإنتاج حافل في الأدب والشريعة والفلسفة والتاريخ والعقائد.

ومن سوء الحظ ألا يهضم الأزهر الجامعي نظام الدراسات العليا، وأن يحاربها من وراء أستار وأن يعطل الدراسة بأقسامها من عام 1941 حتى الآن

وكان اعتزاز الأزهر بهذه الدراسات ضئيلا محدودا، تجلى في طبع رسالتين أو ثلاث من رسائل خريجيها، وفي عرض بعضها في المعرض الزراعي الأخير ولا يزال جل هذه الرسائل مخلوطا في مكتبات الكليات الأزهرية، وعددها يقارب المائتين. فمن مبلغ الأزهر بأن نظامه الجامعي وازدهاره العلمي أن يكون لهما كيان إلا إذا عادت من جديد هذه الدراسات العليا فيه، تؤدى رسالتها العظيمة في خدمة الدين والثقافة، وتجديد مناهج البحث العلمي الحر، والكشف عن آثار التراث الإسلامي المجيد، والنهضة بالثقافة الأزهرية، حتى تبلغ المنزلة الرفيعة، التي بلغتها الثقافات الحديثة، في جامعات الشرق والغرب.

أيقظوا الأزهر من هذا الرقود؛ وادفعوه لأداء رسالته العظيمة في خدمة الدين والحياة

محمد عبد المنعم خفاجي

أستاذ بكلية اللغة العربية بالأزهر الشريف