مجلة الرسالة/العدد 91/الأمير خسرو

مجلة الرسالة/العدد 91/الأمير خسرو

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 04 - 1935



الشاعر الهندي الكبير

للسيد أبي النصر أحمد الحسيني الهندي

إن اتصال الشعر دائماً هو بالماضي وبالحال، فان اتصل بالمستقبل فذلك بواسطة الحاضر. فما يقدم لنا الشعر إما من قبل (كان) أو (يكون). ولكنه يجمع ويرتب الحقيقة من جديد. لذلك حينما يسعى لا خراج فكرة من تلبك الأمور الواقعية وتنافرها ونقائصها، يميل بطريق راهن إلى ما لم يجمع ولم يرتب. فالشاعر لا يمثل الواقع كما هو، بل يخلقه من جديد بقوة خياله. لذلك ليس الشعر هو التمثيل البحت للحقيقة، بل الخيال دائماً يكون أعظم جزء في أساسه. هذا ما يشرحه لنا شعر خسرو في البيتين الآتيين قالهما في مدح حاتم خان قال:

قلت للبحر أنت كريم مثل خان

فأجاب بصوت مرتجف لا! لا!

إن أمواجي الشحيحة تلقى عشباً لا قيمة له

ولكن حاتماً يبعثر الجواهر في فخره الكريم

إن الشاعر يجد في سعة الطبيعة مستودعاً كبيراً للأشباح والصور التي تعبر عن أدق المراتب للفكر الإنساني وعواطفه. ففي هذا المستودع تطوف روحه طليقة، وفيه تدبر وتفكر حتى تنتج. فالشاعر يشعر بكل مظهر حوله كأنه رمز لشيء يتعلق بالعالم الآخر، وكأن كل شيء مؤثر في حواسه شبيه بالغائب المحجوب، وكأن الطبيعة بأسرها محبوكة كالأعضاء بالمشابهة والمماثلة بما هو خفي فيها، وكأن كل وجود مستقل متصل في جميع فروعه بغيره بواسطة رمز دقيق. وهذا هو الفرق بين العلم والشعر، فان العالم يقسم ويحلل والشاعر يجمع ويركب. فأنت ترى كيف أن خسرو جمع بين رفع الحجاب عن وجه محبوبه، وطلوع الشمس، وصلاة الصبح، في البيت الآتي وأوجد بينها الاتصال الشعري الدقيق الجميل قال:

برداشت طره أزرخ جون روزرفن كرد ... برمن نماز صبح بوقت نماز شام

كشف (الحبيب) القناع عن وجهه عند ما دفن النهار، (فأوجب) على صلاة الصبح في وقت إن أهم ناحية من نواحي الشعر هي الحب والغرام، وقد قالوا إن من حسن الشعر وجماله أن يكون له اتصال بنفسه الشاعر، وأن يكون عليه مسحة من تجاربه النفسية. وبخاصة في هذه الناحية، فانه إذا تجرد عن ذلك أصبح تصنعاً وخداعاً. والشعر في هذه الناحية يصور تصويراً شعرياً دقيقاً ما بين قلب المحب والمحبوب من الأثر والتأثر، والجذب والانجذاب، والعزم والانثناء، والصبر والجزع، والرضا والسخط، والهجر والوصال. وشاعرنا العاشق قد صوره في غير واحد من الديوان وعبر عن حبه بآلاف من الأبيات. نقتطف بعضها هنا قال:

دلم به ناوك جشمت هزار وزن شد ... زصورت توبهر روزن آفتابى هست

شب من أزجه سبب تيره ترشود هرروز ... جوازرخ توبهر خانه ما هتابى هست

(إن سهم عينيك قد ثقب قلبي آلافا من الثقوب، وفي كل ثقب شمس محياك طالعة.)

(لم تظلم ليلى كل يوم ما دام قمر وجهك طالعا في كل بيت.)

وقال:

عاشق شدم ومحرم ابن كارنه دارم ... فريادكه غم دارم وغمخورانه دارم

يك سينه برار قصه هجراست وليكن ... ازتنكد لي طاقت كفتارنه دارم

(إنني عشقت وليس من يعرف عملي هذا. وا حسرتاه! عندي ألم، وليس لي رفيق في الألم)

(إن صدري مملوء بحكاية هجر (المحبوب)، ولكني من ضيق صدري لا أقدر أن أعبر عنها.)

وقال:

جندمى برسى كه خسرو راكه كشت ... غمزه توجشم توا بروي تو

إلى متى تسألين من قتل خسرو؟ ... ما قتله إلا لحظك وعينك وحاجبك

وقال:

بجان رسيدم وازدل خبر نمي يابم ... وزآنكه برد دلم نيزا ثرنمى يابم

وقال:

بهارآن وكلها شكفت ليك جه سود ... كه نوى توز نسيم سحر نمى يابم (دنوت من الموت وليس لدي خبر عن قلبي، ولا أجد أثر من خطفه.)

(جاء الربيع وتفتحت الأزهار، ولكن لا فائدة لي منه، لأني لا أجد ريحك في نسيم الصبح)

وقال:

مردمان درمن وبهوشى من حيرانند ... من درآ نكس كه ترابيند وحيران نشود

(يعجب الناس منى ومن فقدان صوابي، وأنا أعجب ممن يراك ولا يفقد الصواب)

وصف أرسطو الشعر أنه رمز إلهامه أو محاكاة عمل ذلك الإلهام. وذهب دانتى إلى أن عمله هذا أيضاً رمزي، فالكلام الشعري الذي يقوله الشاعر لا يمثل ذلك العمل في شكل وقوام فني خاص، بل يقدم فيه المعنى الرمزي له. فأنت ترى خسرو كيف رمز إلى شدةنعاناته في الحب في البيت الآتي حين أشار إلى أنه عرف قدر الليل بألم الأرق، ولكنه لم يقدر أن يقيس ليلة الهجر بألم الهجر العظيم حتى بعد معرفة الليل، فان مقياس إدراك الأسباب الآلام هي الآلام قال:

(ازين دو ديده بي خراب شب شناس شدم، ... ولي قياس شب هجر درنمى يابم

(إني عرفت قدر الليل بعيني هذه المؤرقة، ولكني لم أجد قياساً لليلة الهجر)

قال شيلى: إن الشعر ليس له أثر أخلاقي بغير تعيين ناحية خاصة من نواحي الأخلاق. لأن حقيقة الأخلاق عنده هي الحياة الفكرية في أعلى سموها وأبهى جمالها. ومظهر حيوية الفكر الخيال الذي يغذيه الشعر. ففي نعيش في العالم الذي يصدر منه شعورنا بغاية الأشياء وبالخلق العملي فالأبيات الآتية لخسرو تبين لك ما ذهب إليه شيلي قال ما ترجمته:

(ما دامالحبيب معنا فلم نستعجل رؤيته؟ وما دام يوسف في مصر قلبنا، فلم يجري نهر النيل من عيوننا؟)

(طلبت منه قتلى بلحظة القتال فقال، ما دام الصياد في كمين فلماذا يستعجل الصيد؟)

(إن سالكي طريق العشق لا يبالون بالراحة والألم، إن عشاق الكعبة لا يسألون عن الطريق والميل)

السيد أبو النصر أحمد الحسيني الهندي

موكب آذار