مجلة الرسالة/العدد 91/حول الأوزاعي أيضا

مجلة الرسالة/العدد 91/حول الأوزاعي أيضا

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 04 - 1935


ً

للأستاذ علي الطنطاوي

أسكر للكاتب الفاضل صاحب ترجمة الأمام الأوزاعي رضي الله عنه المنشورة في الرسالة التاسعة والثمانين عنايته بدراسة تاريخنا الجليل، واستخراج (جواهره) التي شغلتنا عنها (أصداف) غيرنا، وأرجو أن يقبل هذه الملاحظات قبولاً حسناً، وأن يعلم أن الذي حفزني إلى نشرها إنما هو حرمة الحق، وأمانة التاريخ

1 - يقول الكاتب في تحقيق نسبة الأوزاعي: (وقد اختلف في

معنى هذه الكلمة، فمن قائل إنها بطن من ذي الكلاع من

اليمن، وقيل بطن من همذان (بالذال)، وقيل إن الأوزاع قرية

بدمشق خارج باب الفراديس) اهـ

والصحيح أنه ليس بين هذه الأقوال اختلاف، فالأوزاع اسم قبيلة من اليمن، سكنت هذا الموضع فسمي بها - كما ذكر باقوت - ونسبهم في حمير ولكن عدادهم في همدان - كما قال في التاج - وهمدان - كما في اللسان - قبيلة في اليمن، أما همذان التي ذكرها الكاتب فمدينة مشهورة في أرض العجم، وعجيب أن ينسب إليها الأوزاعي، وأعجب منه أنه نقل هذه الرواية عن ابن خلكان، وهي في ابن خلكان في الصفحة التي نقل منها الرواية، همدان بالدال لا همذان بالذال!

وقد وجدت في كتاب - لا يحضرني اسمه - أن الأوزاعي من العقيبة (قرية بظاهر دمشق). والعقيبة اليوم حي كبير من أحياء دمشق، بالقرب من السور خارج باب العمارة، وهذا الباب هو باب الفراديس بعينه، وهولا يزال موجودا، ولا يزال داخله طريق مواز للسور، يسمى طريق (بين السورين)، فعلى هذا تكون العقيبة هي قرية الأوزاع

2 - وقال الكاتب إن الأوزاعي (لم يكن يستعمل الرأي، بل

إنه - كما فعل غيره - عدل إلى الكتاب والسنة) اهـ

والذي يفهم من هذه الجملة أن من يقول بالرأي يعدل عن الكتاب والسنة، وهذا خطاء فاحش، لأن أصحاب الرأي أو القياس، لا يعملون رأيهم، ولا يجرون قياسهم، إلا في المسائل التي لم يرد فيها نص من كتاب ولا سنة، فهم يرجعونها إلى هذين الأصلين، ويطبقونها عليهما؛ وليس لمسلم أن يقول في الدين برأيه، ويتكلم فيه بهواه؛ والحنفية هم الذين يسمون بأصحاب الرأي؛ وجميع الحنفية - كما يقول ابن حزم - مجمعون على أن مذهب أبي حنيفة أن ضعيف الحديث عنده أولى من الرأي والقياس. وقد قدم أبو حنيفة رحمه الله العمل بالأحاديث المرسلة على العمل بالرأي في مسائل عدة

ولعل الكاتب لم يقصد هذا الذي قد يفهم من كلامه!

3 - وقال الكاتب: (ذهب بعض المؤرخين أمثال كولدزيهر

إلى أن الفقه الإسلامي قد تأثر بالفقه الروماني، وأنا أقول إن

كان هذا صحيحاً فأخر بالأوزاعي أن يكون آخر المتأثرين به

لأنه من أبعد الفقهاء عن الرأي) اهـ

فلم يهتم الكاتب بدحض هذه الفرية التي افتراها كولدزيهر وأمثاله من المؤرخين، ولم يبين أنها في رأي العلم خرافة من الخرافات، وأن المحققين قد تكلموا فيها، وبينوا خطأها، بل كان جل همه أن يبرئ الأوزاعي منها، ولو يسلم ضمنا بأن الفقهاء قد تأثروا بالفقه الروماني!

على حين أنه لا يمكن أن يقوم دليل علمي واحد على أن الفقه الإسلامي مأخوذ من الفقه الروماني، إلا إذا كان القرآن مترجما عن لغة الرومان، وكان سيدنا محمد صلى الله عليه واله وسلم رومانياً خرج من أبوين عربيين! والذي نقوله إنه إذا كانت هناك علاقة بين الفقهين، فإن الفقه الروماني المعروف اليوم هو المقتبس عن الفقه الإسلامي، ودليلنا على هذا أن الفقه الروماني الحاضر جديد، لفقه طائفة من العلماء، بعد أن اندثر الفقه الروماني القديم، وهذا الدليل على علاقة أقوى من دليلهم على دعواهم، فليثبتوا إن استطاعوا أن الفقه الروماني الحاضر هو القديم ذاته، وليأتونا بالأسانيد الصحيحة والروايات المضبوطة، كما نأتيهم نحن بأسانيد حديثنا، وروايات سنتنا!

4 - هذا وإن في ترجمة الأوزاعي كتابا قائما برأسه نشره من عهد قريب كاتب الإسلام الأمير شكيب أرسلان فلينظره الكاتب

الفاضل

علي الطنطاوي