مجلة الرسالة/العدد 912/العيد الفضي لجامعة فؤاد:

مجلة الرسالة/العدد 912/العيد الفضي لجامعة فؤاد:

ملاحظات: بتاريخ: 25 - 12 - 1950



كيف نشأت أول جامعة في مصر

للأستاذ سيد محمد كيلاني

إن فكرة إنشاء جامعة في مصر فكرة قديمة اختمرت في رؤوس بعض المفكرين المصريين. وقد كان يعقوب باشا أرتين أحد وكلاء وزارة المعارف السابقين أول من تناول هذا الموضوع وكتب فيه. ففي سنة 1894 أخرج كتاباً عنوانه (القول التام في التعليم العام) ومما جاء فيه قوله (. . . ومتى وقع الإقرار على هذا التعديل ألمحتم وتم إخراجه من عالم القول إلى عالم الفعل وأصبحت مدارسنا العالية مؤسسة على أسلوب منتظم وقائمة على قواعد متينة يقضي بها العقل، حينئذ تتجه الرغبات إلى ضمها كلها (المدارس العالية) بعضها إلى بعض وجعلها مدرسة كلية جامعة. وبما أن العناصر اللازمة لإنشاء هذه المدرسة الكلية تكاد تكون متوافرة لدينا بتمامها فعندما نتمكن من الحصول على الأساتذة القديرين على التدريس في هذه المدرسة الكلية يكون من السهل وصولهم إلى درجة الاستعداد والكمال، فتكتسب البلاد فوائد عظمى من حيث تقدم العلوم والآداب والفلسفة النظرية والعملية وما يحدث من السنن والتقاليد وبما يظهر من روح الموالاة في العمل وبالمزاحمة والمسابقة اللتين تتولدان بالطبع بين مدرستنا الكلية ونظائرها الأخرى.).

غير أن سياسة المحتلين كانت ترمي إلى حرمان المصريين من كل تقدم أو رقي، فكان المستشار المالي من ناحية ومستشار المعارف (دنلوب) من ناحية أخرى ينفذان بكل دقة وأمانة الأوامر الإنجليزية الاستعمارية القاضية بالحيلولة بين الشعب المصري وبين التعلم حتى يعيش جاهلاً فيسهل عليهم قياده ويهون إذلاله واستعباده.

ولما نشأ الحزب الوطني وكثرت الصحف أخذت الأصوات ترتفع من كل جانب مستنكرة سياسة المحتلين التي حرمت الأمة من نور العلم. وكانت حملات الكتاب والشعراء في ذلك عنيفة قاسية. ولكن المحتلين لم يغيروا خطتهم المرسومة فرأينا المستشار المالي يكتب في تقريره الذي أصدره سنة 1904 ما نصه (إن الحكومة لا تملك المال للإنفاق على تعليم الأمة وإنما هي تعلم في مدارسها العدد الذي تحتاج إليه في وضائفها فقط).

وفي سنة 1905 ظهرت في الصحف فكرة إنشاء جامعة مصرية؛ وأخذ الكتاب يحررون المقالات في التنويه بمزايا إنشاء هذه الجامعة. فخشي اللورد كرومر أن تخرج هذه الفكرة إلى حيز الوجود، فأراد أن يقضي عليها وهي في بدايتها. فشد رحاله إلى الفيوم وألقى خطبة في أعيان تلك المدينة قال فيها (. . إن التعليم الذي تحتاج إليه الأمة المصرية هو تعليم الكتاب فقط.).

وحث الأعيان والحكام في جميع جهات القطر على إنشاء الكتاتيب فجمعت آلاف الجنيهات، ولكن لم ينشأ من الكتاتيب إلا عدد يسير لم يلبث أن حول إلى حظائر للمواشي والأغنام.

كانت سياسة المحتلين هذه حافزاً للمصريين على إنشاء المدارس والعمل على نشر العلم بين أبناء الشعب، فظهرت الجمعيات الخيرية كجمعية المساعي المشكورة بالمنوفية، وجمعية العروة الوثقى بالإسكندرية، وقد جدتا في فتح المدارس وتعليم الفقراء فيها بالمجان، وحذت حذوهما الجمعيات الخيرية الإسلامية والقبطية في كثير من جهات القطر المصري.

إلا أن فكرة الجامعة بقيت حلماً من الأحلام حتى قام أحد أعيان بني سويف في شهر سبتمبر سنة 1906 وأعلن أنه تبرع بمبلغ 500جـ م لإنشاء جامعة ودعا المصريين إلى التبرع لهذا العمل الجليل. أما هذا الرجل فهو مصطفى بك كامل الغمراوي. وفي شهر أكتوبر من تلك السنة اجتمع في منزل سعد زغلول بك (باشا) بعض الأعيان والوجهاء وشكلوا لجنة لتسليم التبرعات سموها (لجنة الجامعة) وقد قرروا إنشاء جامعة تسمى (الجامعة المصرية) وأصدروا نداء جاء فيه:

(إن جميع الذين يشعرون منا بنقص تربيتهم العقلية يرون من الواجب أن التعليم يجب أن يتقدم خطوة في بلادنا نحو الأمام وإن أمتنا لا يمكنها أن تعد في صف الأمم الراقية لمجرد أن يعرف أغلب أفرادها القراءة والكتابة أو أن يتعلم بعضهم شيئاً من الفنون والصناعات كالطب والهندسة والمحاماة، بل يلزمهم أكثر من ذلك.).

وكان من رأي هذه اللجنة أن تشمل الجامعة التعليم بأنواعه الثلاثة: الابتدائي والثانوي والعالي. ولكن نظراً لتعذر تنفيذ ذلك كما ذكرت ولوجود التعليم الابتدائي والثانوي رأت أن تكتفي مؤقتاً بالتعليم العالي الذي لم يكن له وجود في ذلك الوقت.

وقد تبرع أعضاء اللجنة بمبلغ 4485 جـ م ثم أخذ الناس يبعثون بالتبرعات من جهات مختلفة: وقد دبت روح الغيرة الوطنية في النفوس. انظر إلى ما كتبته صحيفة اللواء في شهر أكتوبر سنة 1906 وهو: (دبت في نفوس الناشئة روح الشعور الشريف نحو مشروع الجامعة المصرية حتى أن من التلامذة من يقتصد من مصروفه الخاص بعض الدراهم فيتبرع بها لذلك المشروع فلقد جاءنا كتاب يفيد أن حضرة أحمد أفندي رأفت التلميذ بمدرسة راتب باشا بالإسكندرية اقتصد من مصروفه خمسين مليماً ودفعها للجنة اكتتاب الجامعة. ونحن نشكر هذا الشعور ونرجو الله تنميته في الناشئة).

ولكن سياسة الإنجليز التي أشرنا إليها قد وضعت نصب عينيها دفن هذا المشروع قبل أن يظهر إلى الوجود. فأخذ رجالهم يحاربون هذه الفكرة القيمة بطرق شتى ويحاولون صرف المصريين عن تحقيق ما يجول في أذهانهم في هذا الصدد. وقد كتب لورد كرومر في تقريره عن سنة 1906 يقول (. . ولما كان إخراج هذا المشروع من القول إلى الفعل يقضي زماناً فإني أشير على أصحابه أن يدرسوا تاريخ إنشاء المدارس الجامعة في البلدان الأخرى، ويبذلوا الجهد في إفهام المصريين الغرض الحقيقي الذي يتولونه، ويجدر بهم أيضاً إعمال الفكرة في بعض التفاصيل الخاصة بالمشروع وأهمها تدبير الطلبة وتعيين اللغة التي تتخذ أساساً للتعليم، وإعداد الأساتذة والمعلمين للجامعة في المستقبل فهذه هي الأمور الجوهرية التي يحسن أن يدور البحث الأول عليها، ويتلوها أمر الشؤون المالية وعلاقة الجامعة بنظارة المعارف والمدارس الفنية العالية، وتأليف مجلس إدارة لها ووضع نظام فدارة الطلبة والسكن إلى غير ذلك من الأمور التي تستحق النظر والاعتبار.) ,

بهذا أراد كرومر تثبيط الهمم وإضعاف العزائم، فهو يشير على لجنة الجامعة بأن تبذل الجهد في إفهام المصريين الغرض الذي كانت تتوخاه في حين أنه هو كان يبذل الجهد في محاربة هذا المشروع والقضاء عليه.

ولما كان سعد زغلول هو الذي نهض بتشكيل لجنة الجامعة، وهو الذي جد واجتهد في الترويج لتلك الفكرة، ظن كرومر أنه قادر على قبر هذا المشروع الجليل بإقصائه سعداً عن اللجنة.

وأقدم على تنفيذ هذا الغرض فعين سعد وزيراً للمعارف في سنة 1907 فخلفه قاسم أمين بك الذي واصل الجهاد والكفاح. وقد أخذ حافظ إبراهيم يستحث الهمم بشعره ويلهب العواطف فمن ذلك قوله من قصيدة:

ذر الكتاتيب متشبها بلا عدد ... ذر الرماد بعين الحاذق الأرب

فأنشئوا ألف كتاب وقد علموا ... أن المصابيح لا تغني عن الشهب

هبوا الأجير أو الحراث قد بلغا ... حد القراءة في صحف وفي كتب

من المداوي إذا ما علة عرضت ... من المدافع عن عرض وعن نشب

ومن يروض مياه النيل إن جمحت ... وأنذرت مصر بالويلات والحرب

ومن يوكل بالقسطاس بينكم ... حتى يرى الحق ذا حول وذا غلب

ومن يطل على الأفلاك يرصدها ... بين المناطق عن بعد وعن كثب

يبيت ينبئنا عما تنم به ... سرائر الغيب عن شفافة الحجب

ومن ينر أديم الأرض ما ركزت ... فيها الطبيعة من بدع ومن عجب

يظل يرشد من ذراتها نبأ ... ضنت به الأرض في ماض من الحقب

ومن يميط ستار الجهل إن طمست ... معالم القصد بين الشك والريب

فما لكم أيها الأقوام جامعة ... إلا بجامعة موصولة النسب

هكذا وقف حافظ مبيناً أهمية التعليم الجامعي وضرورته لمصر والمصريين، داعياً إلى تحقيق هذا المشروع الذي فيه حياة مصر قال:

ولا حياة لكم إلا بجامعة ... تكون أما لطلاب العلا وأبا

وفي سنة 1908 أوعز الخديوي عباس إلى الأمير أحمد فؤاد (المغفور له الملك فؤاد) أن يرأس لجنة الجامعة فقبل ذلك ووقف جهده ووقته في العمل على إخراج تلك الفكرة السامية إلى حيز الوجود كما أوعز الخديوي إلى وزارة الأوقاف فقررت للجامعة إعانة سنوية قدرها خمسة آلاف جنيه.

وفي ديسمبر من تلك السنة افتتح الخديوي عباس الجامعة المصرية في حفلة أقيمت بمجلس شورى القوانين. وقد خرج تلاميذ المدارس الابتدائية والثانوية والفنية حاملين أعلامهم وساروا حتى وصلوا إلى مكان الاحتفال ووقفوا في انتظار قدوم الخديوي.

وقد ألقى الأمير (الملك) أحمد فؤاد خطاباً جاء فيه:

(. . . وإنني أبتهل إليه تعالى أن يجعل هذه الجامعة نافعة لطلاب العلم عموماً ولشبيبتنا المصرية خصوصاً. إذ أننا لم نقدم على هذا العمل الجسيم ولم نسهر الليالي بسببه إلا لترقية هذه الشبيبة).

ورد الخديوي عباس مبدياً سروره واغتباطه لتحقيق هذا المشروع الوطني الجليل وختم كلمته بقوله (فباسم الفتاح العليم أعلن افتتاح الجامعة المصرية وأسأله تعالى أن يجعلها منهلاً عذباً لطلاب العلم والعرفان على اختلاف الأجناس والأديان.).

وكان الطلبة على نوعين: منتسبون ومستمعون، فالطالب المنتسب هو الذي يواظب على حضور جميع المواد التي كانت مقررة، وهذا الطالب يدفع رسم قيد قدره 240 قرشاً يضاف إليها رسوم مكتبة قدرها عشرون قرشاً.

وكانت المحاضرات تلقى بعد الظهر من الساعة الرابعة والنصف إلى الساعة السابعة والنصف. أما مكان الجامعة فكان بأحد القصور الواقعة في أول شارع قصر العيني من جهة ميدان الخديوي إسماعيل (محل الجامعة الأمريكية الآن).

وقد بلغ عدد طلبة الجامعة بين مستمعين ومنتسبين في العام الأول من افتتاحها 754 طالباً.

وفي سنة 1909 أنشأت الجامعة قسماً للسيدات وكانت المحاضرات تلقى فيه صباح يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع. وقد ذكرت الجامعة في إعلانها عن هذا القسم أن المحاضرات تلقى فيه في غير أوقات المحاضرات الخاصة بالطلبة ثم جاء في هذا الإعلان ما نصه:

(وزيادة على ذلك فإن الجامعة أناطت بسيدتين أوربيتين مقابلة السيدات اللاتي يرغبن في حضور هذه المحاضرات الخاصة بالسيدات بحيث لا يصادفهن أحد من موظفي الجامعة ولا من الأجانب عند دخولهن وخروجهن.). هكذا أرادت الجامعة أن تطمئن السيدات على أنفسهن. وكانت السيدة تدفع خمسة قروش في سماع محاضرة واحدة. وقد بلغ عدد المستمعات ثمانية وخمسين سيدة بين مصرية وأجنبية.

وكانت الدراسة في الجامعة عبارة عن محاضرات تلقى في موضوعات شتى في الأدب وتاريخه والتاريخ الإسلامي وعلم الفلك عند العرب وآداب اللغتين الإنجليزية والفرنسية. وفي سنة 1910 أنشأت الجامعة قسماً خاصاً للآداب والفلسفة.

وبدأت بإنشاء فرع للعلوم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وقد بلغت نفقاتها السنوية في ذلك الوقت 3200 جـ م. هذا غير ما كانت تنفقه على الطلبة الذين أرسلتهم إلى أوربا للدراسة في الجامعات.

وسعت الجامعة لدى الحكومتين الفرنسية والإيطالية لتقبلا في مدارسها أطفالاً من سن ثماني إلى عشر تنتخبهم الجامعة ليربوا ويتعلموا بمدينتي باريس وروما حتى يتموا الدراسة الثانوية وذلك على نفقة الحكومتين المذكورتين. وقد قبلت كل من الحكومتين ذلك فأرسلت الجامعة أربعة أطفال إلى فرنسا ومثلهم إلى إيطاليا.

وفي هذا العام أعني عام 1910 منحت الجامعة أول دكتوراه فخرية للسيد روزفلت الرئيس السابق لجمهورية الولايات المتحدة.

وفي سنة 1911 احتفلت بعض جامعات أوربا بمرور مائة عام على تأسيسها. فدعت الأمير (الملك) أحمد فؤاد لحضور تلك الاحتفالات بصفته رئيساً لأحدث جامعة. وكان رحمه الله كما ذكرنا يبذل جهداً جباراً في النهوض بالجامعة. وقد ذكر في تقريره عن سنة 1911 ما نصه (- ولو كنا ممن يميلون إلى الاستعارات والتشبيهات لقلت إن من السهل تشييد الجامعة بتشييد تلك الأبنية الشاهقة والمعابد الشامخة التي يتبادر إلى الذهن أنها لا تتم أبداً لما تستدعيه من المعدات الهائلة المختلفة الأنواع، غير أني أوثر العمل على زخارف الكلام العديم الفائدة وعلى تسليم أن عملي مؤسس على خيال فإني آمل أن يصبح بناؤنا يوماً بعد تمامه مركزاً لإعادة مجد العلوم والفنون في هذه البلاد، وأن تكون خيالات اليوم حقائق الغد.). فالأمير (الملك) أحمد فؤاد كان عليماً بالصعوبات الجمة الهائلة التي كانت تكتنف هذا المشروع وتحول دون قيامه. ولكنه لم ييئس بل آثر العمل في هدوء وسكينة متذرعا بالصبر، متحلياً بالعزيمة الصادقة، مؤملاً كما ذكر (أن تكون خيالات اليوم حقائق الغد) وقد تحقق ظنه وقدر له أن يرى في مصر جامعة عظيمة مستكملة العدة قائمة على مكان في أجمل بقاع مدينة القاهرة وفي أبنية رائعة فخمة. وهذا هو الحلم الذي يراود القائمين بأمر الجامعة حينما افتتحوها في منزل صغير قديم وحينما كانت الجامعة مجرد قاعة لإلقاء محاضرات في بعض المواد.

وفي سنة 1914 تبرعت الأميرة فاطمة إسماعيل للجامعة بتسعة عشر فداناً من أجود أراضيها في الجيزة كما تبرعت بجواهر تبلغ قيمتها 26 ألف جنيه؛ ففكرت الجامعة في إقامة بناء على تلك الأرض.

وفي 30 مارس سنة 1914 وضع الخديوي عباس الحجر الأساسي لمباني الجامعة. وفي سرادق الاحتفال غنى المطرب زكي عكاشة قصيدة شوقي التي مطلعها

يا بارك الله في عباس من ملك ... وبارك الله فيكم آل عباس

ولكن قيام الحرب العظمى الأولى قضى على فكرة بناء أمكنة للدراسة وتعرضت الجامعة للإفلاس واضطرت إلى استدعاء بعثاتها من أوربا بعد أن إنعدمت التبرعات.

وفي سنة 1914 منحت الجامعة أول دكتوراه علمية للطالب طه حسين (بك) بعد أن جرت فيها أول مناقشة علمية علنية برياسة الشيخ الخضري وقد حضرها جمهور كبير من الطلبة والأساتذة.

وفي عام 1915 فكرت الحكومة في إنشاء جامعة. وفي 27 فبراير سنة 1917 وافق مجلس الوزراء بصفة مبدئية على ما اقترحه وزير المعارف من إنشاء جامعة. وناط بوزارة المعارف إعداد مشروع لهذا الاقتراح فشكلت لجنة لهذا الغرض بقرار وزاري صدر في 20 مارس سنة 1917 وقامت بالعمل في الحال وقدمت في 17 نوفمبر من تلك السنة تقريرها التمهيدي الأول متناولاً الاقتراحات التي ترى العمل بها في وضع النظام الذي تقوم عليه الجامعة وبيان ما لرجالها والهيئات المكونة لها من الحقوق وما عليهم من الواجبات. ثم وقفت اجتماعات اللجنة مدة تزيد على سنتين من 22 يناير سنة 1918 إلى 24 مارس سنة 1920 وفي 4 يناير سنة 1921 رفعت اللجنة تقريرها إلى وزير المعارف.

وقد كانت أغلبية أعضاء هذه اللجنة من الأجانب، لذلك قررت أن تكون لغة الدراسة بالجامعة هي اللغة الإنجليزية أو الفرنسية.

أما الأعضاء المصريون وكانوا ثلاثة فقد احتفظوا برأيهم وسجلوه في التقرير وهو تدريس المواد باللغة العربية. وقد بقي هذا المشروع في طي النسيان حتى شهر مارس من سنة 1925 إذ صدر مرسوم ملكي بإنشاء (الجامعة المصرية) وقد جرت مفاوضات بين الحكومة والقائمين على الجامعة القديمة. وانتهت هذه المفاوضات بضم الجامعة القديمة إلى الحكومة. ولم تكن الجامعة الذي صدر بها هذا المرسوم تشمل سوى أربع كليات وهي: الآداب، والعلوم، والحقوق، والطب.

وفي 7 يناير سنة 1928 وضع المغفور له الملك فؤاد الحجر الأساسي لمباني الجامعة الحالية. ولعل من محاسن الصدف أن يكون الرئيس الأعلى لجامعة فؤاد الآن هو أول طالب حصل منها على شهادة الدكتوراه.

ونحن إذ نحتفل في ظل الفاروق حفظه الله بالعيد الفضي لجامعة فؤاد إنما نحتفل بانتصار إرادة الأمة على إرادة الطغاة المحتلين.

لقد أراد المحتلون أن يحرمونا من التعليم العالي بل ومن التعليم الثانوي وأن يقنعونا بالاكتفاء بالكتاتيب؛ فنجد غورست مثلاً يقول في تقريره عن سنة 1908 ما نصه (وما دامت المدارس نقطة الدائرة التي تدور حولها مساعي المضللين السياسيين فلا مناص من إبطاء تعليم الشبان المصريين.). ولكن الأمة أرادت عكس ما أراده لها المستعمرون فكان لها ذلك ونصرها الله نصراً عزيزاً مؤزراً.

محمد سيد كيلاني