مجلة الرسالة/العدد 927/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 927/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 927
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 09 - 04 - 1951



طرابلس وليست ليبيا

بمناسبة استقلال الشعب الطرابلسي وفوزه بالحرية المنشودة كثر خوض الصحف في ذكر أسم رددته ألسنة العامة والخاصة ولم يقتصر الأمر على هذا وذاك بل وتعداه إلى المحاضر الرسمية باسم ليبيا وتعنى القطر الطرابلسي بأقاليمه الثلاثة (فزان وبرقة وطرابلس) ومن الغريب أن الرأي السائد عند أهلها يساير هذا الإطلاق أيضا. وهو وأن لم يكن خطأ في الجملة من ناحية فهو ليس بصحيح على وجه العموم من ناحية أخرى على ما سأبينه أما ليبيا. فقد قال عنها ياقوت في معجم البلدان ج7ص341 (لوبية - ليبيا - مدينة بين برقة وإسكندرية) وأهمل ياقوت ضبط موقعها الجغرافي على غير عادته في دقة التحديد بالدرجات والدقائق القوسية. وهذه المدينة لم يبق لها أي أثر يذكر الآن ويقول اليوزباشي محمد إبراهيم لطفي المصري في كتابه (تاريخ طرابلس الغرب) ص8 ما معناه: أن ليبيا هذه هي الصحراء المتاخمة لحدود مصر الغربية وسميت بذلك نسبة للوبى ابن حام بن نوح عليه السلام؛ فقد كانت تسكن هذه الصحراء قبائل من نسله فنسبت إلى جدهم الأكبر؛ وطلبا للخفة وبحكم التطور عرفت فيما بعد بليبيا. ويلاحظ شيء فارق بين هذا وما ذكره ياقوت

وقال ياقوت ج6ص34 عن طرابلس - بألف وبدونه - وذكر أن معناها - مركبا - ثلاث مدن عند الإغريق والرومان وهى مساحة تشغل ما لا يقل عن ثلاثمائة من الكيلومترات ثم أفاض في وصف محاسنها وخيراتها بما يشرف هذا القطر العزيز وانتهى إلى قوله: (وهذا يدل على أنها ليست مدينة بعينها وأنها كورة) أي أنها قطر. وأنها أعم اسما من ليبيا، ثم ذكر طائفة من مشاهير أدبائها ومؤرخيها وذكر في كل نسبة إما الأطرابلسي أو الطرابلسي وأغفل النسبة إلى ليبيا لأي أحد منهم. ومن مؤرخيها العظام (أبو الحسن على عبد الله بن مخلوف الطرابلسي - ولم يقل الليبي - له اهتمام بالتاريخ. . .

وصنف تاريخنا لطرابلس الغرب. . . وقال أبو الطيب يمدح:

لو كان فيض هديه ماء غادية ... عز القطا في الفيافي موضع اليبس

أكارم حسد الأرض السماء بهم ... وقصر كل مصر عن طرابلس.

وقال شاعرها المحارب أحمد بن خراسان الطرابلسي

أحبابنا غير زهد في محبتكم ... كوني بمصر وأنتم في طرابلس

أن زرتكم فالمنايا في زيارتكم ... وأن هجرتكمو فالهجر مفترسي

ومن هذا كله يتبين أن أسم طرابلس أشمل وأعم من ليبيا وفى نفس الوقت له ما يستند إليه الأسماء الوجودية وأملنا في العهد الجديد كبير في أن يصحح هذه الأوضاع بتعميم اسم طرابلس على جميع القطر رسميا بدلا من ذلك الاسم الحاير - ليبيا - هذا ونحن نهيب بمن يعثر على التاريخ المشار إليه آنفا أن يدل عليه شباب هذا القطر حتى ينتفع به ويكون بذلك قد أستجاز الثناء وأستوجب الشكر من القطر العربي العريق

مختار محمد هويسة

حتى تموت العصبية القبلية:

في عدد مجلة المصور. . . الذي صدر يوم الخميس 29 من مارس 1951 قرأ الناس قصة عراك نشب في بلدة حلوان بين فريق من أهل البلدة وفريق من أهل دمياط سببه أطفال صغار كانوا يلعبون بكرة أمام منزل أحد الحلوانيين وراح ضحيته رجل في مقتبل العمر خلف وراءه في يد الأقدار أفراخا لما ترش بعد وزوجته مكلومة يقطر قلبها بالدم فذكرتني تلك الحادثة بأخرى تماثلها حدثت في مدينة السويس منذ عام بين جماعة من أهل الإسكندرية جاءوا بقضهم وقضيضهم من مصنع السماد الذي يعملون فيه وجماعة من أهل السويس وتجمعوا لملاقاة السكندريين وكانت معركة رهيبة أغمدت فيها السكاكين في الجسوم وتفجرت الدماء غزيرة في منظر بشع تقزز منه النفس ولا أظن أن كان لتلك الحادثة سبب أقوى من السبب في الحادثة الأولى بل هو كالذي وصفته المجلة بقولها (يعملها الصغار ويقع بها الكبار) أو كما هو معروف من المثل الشائع (وأول النار من مستصغر الشرر) فهذان الحادثان وأمثالهما مما يقع عادة بين العائلات وخاصة في الريف، لا يجوز للعاقل أن يسميها بالحوادث الطارئة التي تحتمها ظروف خاصة قهرية وتتمخض سريعة في نفس اللحظة التي يولد فيها السبب والدافع ثم لا تلبث أن يضيع آثرها أما أن تركت ذيولا وأثارا فذلك ما ردت من القارئ أن يشاطرني فهم نتائجه فهما صحيحا وهل خليق بتلك الذيول أن تعمل عملها في الناس وتثير بينهم مثل هذه النوازع إلى الشجار العنيف المميت؟ أم أن الناس جبلوا على أن يتناولوا المبدأ القديم (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما) تناولا عماده الجهل وعدم تقدير للعواقب كما كان العرب يتناولونه ويطبقونه في تصرفاتهم قبل شروق الإسلام وأخذ المسلمين به بعد تبنيه من الرسول عليه السلام؟ الحق الذي لا مراء فيه هو أن الأسباب مادامت متهالكة واهية والمقدسات ركيكة متداعية فإن النتائج تكون أوهى أو هي وأضعف وليست ذا بال. . . فلنخلص من ذلك إلى كلمة نسم بها تلك الحوادث المخجلة المخيفة (وهى النتائج الفادحة لمقدسات تافهة لا قيمة لها وعمل الشعوب المتدني الحديثة) فنقول: إنها العصبية القبلية والمنهجية البغيضة التي طالما سمعنا وقرأنا عنها وهى تفعل أفاعيلها بين أهل الريف من قرى الصعيد وكثر من قرى الوجه البحري حيث يفنى بعضهم بعضا ويحكم بعضهم على بعض بالإعدام تارة بالرصاص وأخرى بالذبح وثالثة بالشنق والخنق، وهل بعيدة عنا تلك الحوادث الدامية التي دارت رحاها بين قبيلتي (الهوارة والفلاحين) في مركز دشنا؟ وأنا لنرى متعجبين أن حياة النازحين من أهل الريف إلى القاهرة والإسكندرية والسويس مثلا برغم تبدلها بانتقالهم من بيئة خشنة جافة في الريف إلى أخرى لينة ناعمة في العواصم فلم تبرح تلك العصبية تتملك أزمتهم وتحيا في رؤوسهم حتى بات الأخذ بالثأر القانون الأول في دستور ابن الريف. ولا ندرى متى تنتهي تلك العصبية القبيحة البالية؟ ومتى تحل محلها عصبية أخرى من المحبة والسلام والخير والجمال؟ ليت شعري هل يكون صاحب الدم نفسه أول من يستجيب فيرضي الله مخلصا بالتسامح والعفو، فيضع حدا لسفك الدماء حقنا لها وإبقاء على حياة البرآء الآخرين؟

(السويس)

محمد عبد الرحمن