مجلة الرسالة/العدد 934/بحث مفارق
مجلة الرسالة/العدد 934/بحث مفارق
أصلكلمة (ختن)
للأستاذ الأب مرمرجي الدومينيكي
يتهمني بعضهم بالتعصب الشديد للعربية لمجاهرتي بتفوقها على أخواتها السامية من وجوه شتى، منها محافظتها على الأصول البدائية العريقة في القدم. ويرشقني غيرهم بسهام الملام ناسبين إلى (الابتداع في العالم اللغويات) لقولي بأن (الثنائية والألسنية السامية) من أنجع الوسائل للتحقيقات المعجمية، ومن أمكن الأسس للاشتقاقات اللفظية، والتطورات المعنوية.
على أن أفضل السبل في نظري وحسب خبرتي للرد على هذه المدعيات هي اللامبالاة مع المثابرة على اتباع خطتي المختطة من أمد بعيد، وترك الخيار لأهل الذوق والعلم في قبول النظرية أو رفضها.
في هذه الفرصة أتخذ موضوعاً للبحث كلمة (ختن) الزاعم بعضهم بأنها سريانية دخيلة في العربية. وقبل إمعان النظر في الموضوع أسرد مواد البحث كما هي واردة في الألسنة السامية.
السريانية: خالية من المجرد. وفيها (حثنا): ختن، صهر، عريس. (حثين) خاتن، صاهر. (إثحتين): صاهر، تزوج.
العبرية: (ختن)، حمو: (خوتين): زوج ابنته، تصاهر. (هتختين): تصاهر. (خوتن): صهر، ختن، زوج البنت، عريس وقربى.
الأكدية: (ختانو): قطع، حمى. (ختنو) سكين، موسى، حماية. (ختانو): صهر، ختن، حمو.
الحبشية: لاوجود فيها لهذه المادة.
العربية: ختن: ختن الشيء: قطعه. ختن الغلام: قطع فلقته. اسم الفاعل: خاتن. اسم المفعول: مختون وختين. المصدر. ختن وختان، ودعوة الختان. حرفة الخاتن: الختانة. الختن: الحمو، وكل من كان من قبل المرأة، مثل الأب والعم والأخ. والختن أيضاً زوج ابنة الرجل، أو صهره. وأصل المعنى في هذه المادة القطع
تنسيق وتعليل: 1 - إن الرس الأصيل لهذه المادة وارد في العربية وحدها، دون بقية أخواتها السامية. وهذا الرس هو الثنائي (خت)، المراد به: طعن بالسنان متداركاً. وهو بدء المعاني المتطورة، وفي الطعن قطع.
2 - توسع الثنائي (خت) بزيادة النون تذييلاً، فنجم عنه الثلاثي (ختن) ومعناه الأول: قطع، من باب الإطلاق. وهذا مدلول القطع وارد أيضاً في الأكدية، في لفظة (ختانو). ومنه (ختنو): سكين، موسى، أي آلة القطع. ثم دل في الأكدية أيضاً على (الحماية). لأنها متوقفة على منع أو قطع الأذى منأن ينزل بالشخص المحمى.
لكن في العربية وحدها جاء، من باب التقييد، الفعل (ختن) بمعنى قطع القلفة. والفاعل أو المحترف (خاتن)، والمفعول أو المتحمل العملية (مختون وختين)، واسم العمل (الختن والختان) ثم الدعوة أو الوليمة بمناسبة الختان. و (الختانة) حرفة الخاتن. وورد في السبئية (مختن): دار الختان.
كل هذه الفحاوي المتضمنة في فعل (ختن) ومشتقاته لا وجود لها في العبرية، ولا في السريانية ولا في الحبشية لأن الفعل المستعمل في العبرية لدلالة على الختان هو (مول)، والختانة (ميلة) والخاتن (موهيل). وفي السريانية ينظر إلى فعل (ختن) (جزر) والختانة (جزرتا)، والخاتن (جازورا). كذلك الحبشية لا اثر فيها لفعل (ختن) فإن الوارد فيها فعل (كسب). (مقابله في العربية: (كسف) و (جزر) (ينظر إليه في العربية: جزر) وكلاهما بمدلول: ختن.
في العربية، يطلق اسم (الختن) على أبي الزوجة، وعلى كل من كان قبل المرأة، مثل العم والأخ. ويراد به أيضاً زوج ابنة الرجل، أو صهره. ومنه صدر فعل خاتن صاهر.
في العبرية، وردت لفظة (ختن) دالة، كما في العربية، على الحمى أو أبي المرأة و (خوتن) بمعنى الصهر، أو زوج بنت الرجل، والعريس، والمختون أما السريانية فلا يوجد فيها إلا كلمة (حثنا) بمدلول الختن والصهر. ومن (حثنا) اشتق ارتجالا المزيدان (حثين) و (إثحثين). صاهر، تزوج. أما أبو المرأة فيقال له: (حيم).
في الأكدية، يطلق (ختانو) على الحمى والصهر معاً أما الحبشية فلم يرد أدنى صيغة من هذه المادة بمعنى الحمى والصهر، لأن المستعمل فيها هو (مرعاوي): صهر عريس.
ومؤثثه (مرعات): عروس و (حم) بفحوى الحمى.
كل ذلك يدلك على أن هذه المادة قد بدأت في العربية وحدها وتوسعت بطريق التطور الطبيعي والمنطقي، من الثنائي (خت) إلى آخر المداليل لفعل (ختن) ومشتقاته. وتماثلها الأكدية في ذلك ببعض المماثلة. أما العبرية ولا سيما السريانية - فالتطور ناقص. إذلافعل مجرد فيهمايدل على الختان.
ولمعترض أن يقول: أية مناسبة بين (الختان) ورابطة القرابة الأهلية بين الأسر؟ الجواب على هذا هو أن التاريخ يعيدنا كثيراً في شأنه لأنه يعلمنا أن (الختان) كان عند أغلب قدماء الشعوب، من الشروط الضرورية لدخول المرء في الحياة الاجتماعية، ومن الأمور الممهدة للحياة الزوجية، فكان يجري قبل الزواج. وكان الأب، أو رب البيت يقوم بهذا العمل. وشاهد عمل إبراهيم الذي ختن هو ذاته ابنه إسماعيلومن كان في بيته.
وكان من حقوق الأب أن يشترط على من يخطب ابنته، أن يختن قبل زواجه، ولما كان الأب هو الخاتن، أو الملزم بختان صهره، دعى في العبرية والعربية (ختناً) أو قل (خاتناً).
وإذا كان خاطب بنت الرجل أو صهره ملتزما بأن يكون مختوماً قبل زواجه، سمي أيضاً في العربية والعبرية (وفي هذا وافقتهما السريانية)، وفي الأكدية باسم (الختن) بمعنى المختون أو الختين.
ومن يعرف العبرية ويطالع العهد القديم من الكتاب المقدس يجد التأييد لما بسطناه فيكثير منالموان. من ذلك ورد (ختن) في النص العبري بدلالة الحمى، وفي الآياتالتالية: خروج 1: 3، 18: 4، 1 - 15. قضاة 6: 1، 11: 4. وجاء
(خوتن) بدلالة الصهر، في هذه الآيات الأخر: سفر الخلق 12: 19؛ خروج 25: 4؛ قضاة 6: 15، 5: 19 - 1؛ سموئيل 18: 18؛ 14: 12.
13 - ومن باب التوسع، شمل أسم (الختن) غير أفراد من العائلة، كالعم والأخ؛ لا؛ بل أن جميع أقارب المرأة يدعون (أختاناً) بالنسبة إلى الصهر، أو زوج بنت الرجل.
فأين من كل هذه الحقائق الجلية زعم القائل (ختن حرف سرياني) ومراده بذلك أنه دخيل في العربية من السريانية. ومن هذا لابحث يظهر بوضوح تفوق العربية على أخواتها السامية، لصيانتها الأصول القديمة، والرساس البدائية. وتتجلى أيضاً فائدة (الثنائية واللسنية السامية) للأبحاث المعجمية، وبهذا تسقط المدعيات الاعتباطية والسلام.
الأب مرمرجي الدومنكي