مجلة الرسالة/العدد 944/في الحديث المحمدي

مجلة الرسالة/العدد 944/في الحديث المحمدي

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 08 - 1951


10 - في الحديث المحمدي

للأستاذ محمود أبو ريه

كعب الأحبار وعمر:

لما قدم كعب الأحبار إلى المدينة في عهد عم بن الخطاب مظهراً إسلامه أخذ يعمل في دهاء ومكر لما اسلم من أجلهن وكان مما وجه غليه همه أن يفتري الكذب على النبي صلوات الله عليه ولكن عمر فطن لكيده فنهاه عن الروية عن النبي وتوعده أن يلحقه بأرض القردة

وعلى أن عمر قد ظل يرقب هذا الداهية بحزمة وحكمته وينفذ إلى أغراضه الخبيثة بنور بصيرته كما سترى في قصة الصخرة فإن شدة دهاء هذا الرجل اليهودي قد تغلبت على فطنة عمر ويقظته فظل يعمل بكيده في السر والعلن إلى أن قتل عمر، ومن ثم انفجر بركانه بالخرافات والأساطير التي لم يسلم منها كتاب في التفسير والحديث والتاريخ

قصة الصخرة

لما افتتحت إيلياء في عهد عمر في سنة 16هـ ودخل عمر بيت المقدس وجد على الصخرة زبالة عظيمة كان النصارى من الروم قد ألقتها عليها معاندة لليهود الذي يعظمون الصخرة ويصلون إليها، فأخذ عمر ومن معه في تنظيفها، وبينما هم في عملهم إذ سمع عمر تكبيراً من خلفه فقال ما هذا؟ فقالوا: كبر كعب وكبر الناس بتكبيره! فقال علي به. فقال يا أمير المؤمنين أنه قد تنبأ على ما صنعت اليوم نبي منذ خمسمائة سنة!! قال وكيف؟ قال: إن الروم أغاروا على بني إسرائيل فأديلوا عليهم فدفنوه. . . إلى أن وليت - فبعث الله نبيا على الكنانة فقال ابشري أو يرى شلم عليك الفاروق ينقيك مما فيك

ولما فرغوا من نظيف الصخرة قال عمر لكعب: أين ترى أن ابني مصلى المسلمين؟ فقال: ابنه خلف الصخرة - أي أن تكون الصخرة قبلة - فقال له عمر: ضاهيت والله اليهودية يا كعب. وفي رواية أخرى، خالطتك يهودية يا ابن اليهودية وقد رأيتك وخلفك نعليك!! أبنية في صدر المسجد. فبناه في قبلي المسجد - وهو الذي يسميه كثير من العامة اليوم الأقصى، والأقصى اسم للمسجد كله وظلت الصخرة مكشوفة في خلافة عمر وعثمان وعلي ثم كذلك في إمارة معاوية وابنه وحفيده. فلما كان زمن عبد الملك ابن مروان بنيت القبة على الصخرة. وقد تم بناؤها وعمارة المسجد الأقصى في سنة 73 هجرية وكان السبب في ذلك على ما رواه صاحب (مرآة الزمان): أن عبد الله بن الزبير كان قد استولى على مكة وكان يخطب في أيام عرفة ومقام الناس بمكة وينال من عبد الملك ويذكر مساوئ بني مروان ويقول: إن النبي لعن الحكم وما نسل منه وأنه طريد رسول الله ولعينه. . وكان يدعو الناس إلى نفسه وبلغ ذلك عبد الملك فمنع الناس من الحج فضجوا فبنى القبة على الصخرة والجامع الأقصى ليشغلهم بذلك عن الحجج ويستعطف قلوبهم. . وكانوا يقفون عند الصخرة ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة وينحرون يوم العيد ويحلقون رؤوسهم

وذكر ابن تيميه في اقتضاء الصراط المستقيم غير ذلك، أن عبد الملك بن مروان قد جعل عليها من الكسوة في الشتاء والصيف ليكثر قصد الناس للبيت المقدس فيشتغلوا بذلك عن قصد ابن ابن الزبير - والناس على دين الملوك - وظهر من ذلك الوقت من تعظيم الصخرة وبيت المقدس ما لم يكن المسلمون يعرفونه، وصار بعض الناس ينقل الإسرائيليات في تعظيمها حتى روى بعضهم أن كعب الأحبار قال: إن الله قال للصخرة أنت عرشي الأدنى. وقد وصف طائفة من الناس مصنفات في فضائل بيت المقدس وغيره من البقاع بالشام وذكروا فيها من الآثار المنقولة عن أهل الكتاب وعمن أخذ عنهم ما لا يحل للمسلمين أن يبنوا عليه دينهم. . وأمثل من ينقل عنه تلك الإسرائيليات كعب الأحبار. وكان الشاميون قد أخذوا عنه كثيراً من الإسرائيليات

ومما قاله كعب في الصخرة كذلك أن الله قد نظر إلى الأرض فقال: إني واطئ على بعضك فاستبقت له الجبال وتضعضعت الصخرة فشكر لها فوضع عليها قدمه

قتل عمر ويد كعب فيه:

مما ريب فيه أن قتل عمر كان بمؤامرة اشترك فيها هذا الدهى وجماعة منهم الهرمزان ملك خراسان وكان قد جيء به إلى المدينة أسيراً في عهد عمر

ذكر المسور بن مخرمة أن عمر لما انصرف إلى منزله بعد أن أوعده أبو لؤلؤة جاءه كعب الحبار فقال يا أمير المؤمنين جاءه كعب الأحبار فقال يا أمير المؤمنين (أعهد) فإنك في ثلاث ليال (رواية الطبري في ثلاثة أيام) قال، وما يدريك؟ قال أجده في كتاب التوراة! قال عمر: أتجد عمر بن الخطاب في التوراة! قال اللهم لا ولكن أجد حليتك وصفتك وإنك قد فني أجلك! قال لك وعمر لا يحس وجعاً. فلما كان الغد جاءه كعب فقال: بقي يومان! فلما كان الغد جاءه كعب فقال: مضى يومان وبقي يوم (ورواية الطبري - وبقي يوم وليلة وهي إلى صبحتها، فلما أصبح خرج عمر إلى الصلاة ودخل أبو لؤلؤة في الناس وبيده خنجر فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته

وأتى كعب عمر بعد أن ضرب فقال له: ألم أقل لك إنك لا تموت إلا شهيداً وإنك متى أين وأنا في جزيرة العرب؟ وفي رواية أنه قال له قبل هذه العبارة. الحق من ربك ف تكونن من الممترين

وعن شداد بن أوس عن كعب قال: كان في بني إسرائيل ملك إذا ذكرناه ذكرنا عمر، وإذا ذكرنا عمر ذكرناه، وكان إلى جنبه نبي يوحي إليه فأوحى الله إلى النبي أن يقول له أعهد عهدك واكتب إلى وصيتك فإنك ميت إلى ثلاثة أيام. فأخبره النبي بذلك، فلما كان اليوم الثالث وقع بين الجدار والسرير ثم جاء إلى ربه فقال: اللهم إن كنت تعلم أني كنت أعدل في الحكم وكنت وكنت فزد في عمري حتى يكبر طفلي وتربوا أمتي، فأوحى الله إلى النبي: قد زدته في عمر عشرة سنة، فلما طعن فقال: اللهم اقبضني إليك غير عاجز ولا ملوم مخلصاً

ولم يكن قتل عمر على يدي أبي لؤلؤة تنفيذاً لتلك المؤامرة التي دبرها الهرمزان لما كان يكنه من الحقد والموجدة للعرب بعد أن نالوا عرش الفرس ومزقوا دولتهم وأعانه عليها كعب لأن عمر هو الذي أجلى اليهود عن جزيرة العرب. ومما يمتلخ عرق الشك من أن كعباً له يد في قتل عمر والتآمر به ما أخرجه الخطيب عن مالك أن عمر دخل على أم كلثوم بنت علي (وهي زوجته) فوجدها تبكي فقال ما يبكيك؟ قالت هذا اليهودي - أي كعب يقول إنك من باب من أبواب جهنم. . . فقال عمر ما شاء الله! ثم خرج فأرسل إلى كعب فجاءه فقال يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة، فقال ما هذا!؟ مرة في الجنة ومرة في النار! قال: أنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقتحموا فيها فإذا مت اقتحموا! وقد برت يمينه لعنه الله فقد قتل عمر في ذي الحجة سنة 23هـ

هل تجوز رواية الإسرائيليات:

جاءت الشريعة الإسلامية فنسخت ما قبلها من الشرائع، وبين القرآن أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى قد بدلوا من كتاب الله وكتبوا بأيديهم كتباً زعموا أنها من عند الله ليشتروا بها ثمناً قليلاً، ومن أجل ذلك نهى رسول الله صلوات الله عليه عن أن يأخذ المسلمون عن أهل الكتاب شيئاً، وكان يغضب أشد الغضب إذا رأى أحداً نقل عنهم أو استمع إليهم، فروى أحمد عن جابر بن عبد الله أن عم بن الخطاب أتى النبي بكتاب أصابه عن بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي فغضب وقال: أمهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني

ولقد كان صلوات الله عليه يقول لأصحابه لا تصدقوهم ولا تكذبوهم إذ قد يكون في قولهم الكذب مما بدلوه فتصديقه يضر. . وقد يكون في قولهم الصحيح الذي لم يبدلوه فتكذيبه يضر كذلك. وهذا قول حكيم. ونحن هنا بعض ما روى عن النبي (ص) في ذلك: روى البخاري عن أبي هريرة لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهاكم واحد ونحن له مسلمون. وروى أحمد عن أبي نملة الأنصاري عن أبيه قال إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمناً بالله وكتبه ورسله فإن كان حقاً لم تكذبوهم وإن كان باطلاً لم تصدقوهم - وروى البخاري عن ابن عباس أنه قال: كيف تسألون أهل الكتاب عن شئ وكتابكم الذي أنزل على رسوله أحدث الكتب تقرءونه محضاً لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه بأيديهم وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً، ألا ينهاك ما جاءكم من العلم عن مسألتهم! لا والله ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذي أنزل إليكم)

هذا بعض ما روى عن النبي (ص) في النهي عن رواية الإسرائيليات وهو الحق الذي يتفق مع مبادئ الإسلام الصحيحة وتفكير العقول السليمة، ولكن ما لبث الأمر بعد أن أغتر المسلمون بمن اسلم من أحبار اليهود خدعة إلا أن ظهرت أحاديث رفعت إلى النبي تناقض نهيه الأول وتبيح الرواية عن بني إسرائيل إباحة مطلقة

فقد روى أبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله قال: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج. . ومعلوم أن أبا هريرة وعبد الله بن عمرو كانا من الذين تلقوا عن كعب، وأن عمرو هذا كان قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من علوم أهل الكتاب فكان يحدث منهما بأشياء كثرة من إسرائيليات قال فيها الحافظ ابن كثير: منها المعروف والمشهور والمنكور والمردود. وسنحدث إن شاء الله عن ابن عمرو وزاملتيه وقيمتها

رواية يعص الصحابة عن إجابة اليهود:

ولقد كان اثر ذلك أن بعض الصحابة روى عن أحبار اليهود وقد نص رجال في كتبهم في باب رواية الأكابر عن الأصاغر أو رواية الصحابة عن التابعين: أن العبادلة وأبا هريرة ومعاوية وأنس وغيرهم قد رووا عن كعب الأحبار وأخذوا عنه - وكان أبو هريرة أكثر الصحابة وثوقاً بهم وأخذ عنهم وانقياداً لهم كما تبين لك من تاريخه الذي سيقابلك إن شاء الله. وقد استطاع هذا اليهودي كما دعته السيدة الجليلة أم كلثوم بوسائله الشيطانية أن يدس من الخرافات والأوهام والأساطير في الدين ما امتلأت به الكتب وكانت شبها على الإسلام يحتج بها عليه أعداؤه، ويضيق بها ذرعاً أولياؤه

ومما يدلك عل أن الصحابة كانوا يرجعون عليه فيما لا يعرفون ما رواه عبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عباس قال: أربع آيات من كتاب الله لم أدر ما هي حتى سألت عنها كعب الأحبار وذكر منها آية (وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب) وكان جواب كعب عن ذلك: أن الشيطان اخذ خاتم سليمان الذي فيه ملكة فقذف به في البحر فوقع في بطن سمكة ثم وقعت هذه السمكة في يد سليمان فاشتهوها وأكلها فإذا فيها خاتمه فرجع إليه ملكه!

وفي تفسير الطبري أن ابن عباس سأل كعباً عن سدرا المنتهى فقال إنها على رؤوس حملة العرش وإليها ينتهي علم الخلائق ثم ليس لأحد وراءها علم ولذلك سميت سدرا المنتهى لانتهاء العلم إليها

وفي حديث أبي هريرة - هي شجرة من اصلها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن وأنهار من خمر وأنهار من عسل وهي شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاماً لا يقطعها والورقة منها تغطي الأمة كلها. ولا نستكثر فهي لا تعد على أن كثرة رواياته الباطلة قد أوحيت أن يشك في روايته بعض الصحابة حتى قال فيه وهو أحد تلاميذه إنه من أصدق هؤلاء المحدثين عن أهل الكتاب وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب رواه البخاري وغيره اليد اليهودية في تفضيل الشام:

ذكرنا لك من قبل أن إشارة كهان اليهود إلى أن ملك النبي سيكون في الشام إنما هو لأمر خبئ في أنفسهم. ونبين هنا أن الشام ما كان لينال من الإشادة بذكره والثناء عليه إلا لقيام دولة بني أمية فيه، تلك الدولة التي قبلت نظام الخلافة. إلى ملك عضوض، وتحت كنفها نشأت الفرق الإسلامية التي فتت في عضد الدولة ومزقتها تمزيقاً. . أفكان جديراً بكهنة اليهود أن ينفخوا في نار الفتنة ويهيئوا لها وقودها. وكان من هذا الوقود أن يبالغوا في مدح الأم وأهله. وان الخير كله فيه والشر في غيره

لم يكتف هؤلاء الكهان بما قالوه في الشام وفي أهله وما صنفوه من كتب في فضائل بلادهن وان الإبدال سيظهرون به، بل زادوا على ذلك أن جعلوا الطائفة الظاهرة على الحق إنما تكون بالشام كذلك. . . وحتى نزول عيسى سيكون به. . فقد روى الشيخان: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك - وفي البخاري - هم بالشام! وعن مسلم عن أبي هريرة أن النبي قال لا يزال أهل الغرب ظاهرين حتى تقوم الساعة - قال أحمد وغيره هم أهل الشام! وفي كشف الخلفاء أن كعب الحبار وقال: أهل الشام سيف من سيوف الله ينتقم الله بهم من العصاة. ولعل العصاة هم الذين جاءوا من المدينة والكوفة وغيرها بقيادة أمير العصاة على!!

ومن أحاديث الجامع الصغير للسيوطي التي أشرنا عليها بالصحة: الشام صفوة الله من بلاده إليها يجتبى صفوته من عباده، فمن خرج من الشام غلى غيرها فبسخطه، ومن دخلها فبرحمته. طوبى للشام إن الرحمن لباسط رحمته عليه. ليبعثن الله من مدينة بالشام يقال لها حمص سبعين ألفا يوم القيامة لا حساب عليهم ولا عذاب، مبعثهم فيما بين الزيتونة والحائط

ومدينة حمص هذه يجب أن يكون لها هذا الشان العظيم حتى في الآخرة لن سيدنا كعب الأحبار قد اتخذها مقاماً له. ثم مات فيها، ولا نطيل بإيراد كل ما قيل في فضل الشام أهله لأنه يملا مصنفات

المنصورة

للكلام بقية محمود أبو ريه