مجلة الرسالة/العدد 944/ورطة يهود اليمن في إسرائيل

مجلة الرسالة/العدد 944/ورطة يهود اليمن في إسرائيل

مجلة الرسالة - العدد 944
ورطة يهود اليمن في إسرائيل
ملاحظات: بتاريخ: 06 - 08 - 1951



للأستاذ عمر حليق

تواجه الدولة اليهودية اليوم مشكلة داخلية أولدتها هجرة يهود اليمن إلى إسرائيل. ونستعرض فيما يلي أوجه هذه المشكلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومصادر هذا التقرير عديدة توفرت لنا هنا من هيئة الأمم في نشرات وبحوث مختلفة، بعضها يهودي والبعض الآخر من تحريات المرسلين الأجانب

توطئة:

قامت دائرة الأبحاث الشرقية في الجامعة العبرية بالقدس بدراسة تاريخ اليهود في اليمن وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية إلى ما قبيل عملية الترحيل التي قامت بها القيادة الصهيونية العالمية - هذه العملية التي سميت بساط الريح نظراً للسرعة الفائقة التي تمكن بها أعوان الصهيونية في محمية عدن من نقل عشرات الألوف من يهود اليمن على متن القلاع الجوية الطائرة في مدة لا تتجاوز بضعة أسابيع

ونحن ننقل في هذه التوطئة ملخص هذه الدراسة على علاتها. تقول هذه الدراسة إن يهود اليمن كانوا يستوطنون بقعات مختلفة من البلاد بلغ عدد جالياتهم فيها حوالي 800 بين صغيرة وكبيرة ومتوسطة العدد

وكان جزء من يهود اليمن قد استقر هناك منذ الأجيال التاريخية القديمة، وكان الجزء الآخر - وهو الأقل عدداً - قد هاجر من الشواطئ الأفريقية أو نزح من أعالي بلاد الشام والعراق بقصد المتاجرة مع اليهود الأصليين في اليمن السعيد

ويعرف يهود اليمن بتعلقهم بمذهبهم على الطريقة التقليدية، وقد خالط يهوديتهم بعض الدخائل الوثنية ولكنهم مع ذلك بقوا من اشد الجاليات اليهودية تعلقاً بالعادات والتقاليد القديمة وكان يهود اليمن يتكلمون العربية طبعا، ولكن عربيتهم كانت تختلف إلى حد كبير عن العربية التي يتكلم بها يهود العراق مثلاً

حياة يهود اليمن الاقتصادية:

استعرضت المجلة الجغرافية الأمريكية في مجلد عام 1947 نصيب يهود اليمن من الح الاقتصادية هناك فقالت إن طبيعة المناخ الجبلي والسهول الخصبة في ربوع اليمن قد ساعدت على نشوء تجارة وصناعة محلية سيطرت عليها الجاليات اليهودية هناك سيطرة تامة وفرت لها بعض الرخاء على نحو ما كان متوفراً لأكثرية اليمنيين العرب. وقد شرح كاتب يهودي - كانت الجمعية الصهيونية العالمية قد أرسلته إلى اليمن قبل مأساة فلسطين بسنتين - الوضعية الاقتصادية ليهود اليمن في كتاب أسماه ابن سفير فقال - لا تخلو منطقة من المناطق اليمنية التجارية والزراعية من جالية يهودية تتحكم في الوضع الاقتصادي للمنطقة. فقد كانت معظم حوانيت البيع في يديهم. وفي يدهم تركزت صناعة الجواهر والسلع التجارية المحلية والخارجية. وكان يهود اليمن على اتصال مستمر مع يهود العالم الخارجي عن طريق محمية عدن مما ولهم توسيع نشاطهم التجاري بحيث شمل الداخل والخارج. ولم يقتصر تركز يهود اليمن الاقتصادي على التجارة والصناعة وأعمال المصارف (القروض والربا والرهن) وإنما شمل احتلال الأراضي الزراعية والسيطرة على مصادر المياه والتحكم في توزيعها على صغار المزارعين اليمنيين العرب في القرى والدساكر. ومع ذلك لم تنشأ في اليمن أزمة يهودية كما نشأت في بلدان أوربا مثلاً. وسبب ذلك سماحة الإسلام وما طبع عليه المسلمون من إكرام للغرباء والصبر على المكاره. ولم يكن ملاك اليهود في اليمن قائمين على الزراعة بأنفسهم، وإنما كانوا يؤجرون الأرض للمزارع اليمنى وينالون من أتعابه نصيباً كبيراً مما سعاد على تركز جزء كبير من الثروة الزراعية والنفوذ الاقتصادي في أيديهم

وفي عام 1946 اليمن مبعوث أرسلته لجنة التوزيع اليهودية الأمريكية المشتركة (وبعث بتقرير إلى مرءوسيه في نيويورك قال فيه): إن يهود اليمن بالرغم من العزلة الجغرافية التي كانت تحيط بهم استطاعوا توحيد جهودهم وتنظيم وحدتهم المذهبية والطائفية وتبادل التجارة والمنفعة الاقتصادية في أسلوب لم يثر حفيظة اليمنيين العرب، وذلك لأن هذا النظام والتكاتف كان محاطاً بالسرية الدقيقة، وكان يلاقي معونة مادية وأدبية من المنظمات اليهودية العالمية في بريطانيا وأمريكا والعراق ومصر وغيرها من الأمصار التي كانت للجاليات اليهودية فيها نفوذ وقوة عالية وسياسية بالغة)

وكانت حلقة الاتصال بين يهود اليمن وبين هذه المؤسسات اليهودية الخارجية وكر يهودي اتخذ مدينة عدن مركزاً. وكان هذا الوكر معروفاً للحاكم البريطاني في عدن الذي كان يرعاه ويحنو عليه ولا بدافع العطف فحسبن بل بدافع المنفعة المادية التي كان هذا الوكر يفرقها بسخاء على الموظفين البريطانيين في جنوبي شبه جزيرة العرب

ولقد كان هذا الرخاء الاقتصادي وهذا التنظيم الداخلي، وهذه المعونة الخارجية (اليهودية البريطانية) التي توفرت ليهود اليمن - كان هذا كله من أهم العوامل التي حفظت ليهود اليمن كيانهم سالماً لن يتأثر مطلقاً في ناحيته السياسية أو المالية أو الدينية. ولذل حرص اليهود على السكنى متجاورين معاملة بعضهم مع بعض وستر اجتماعاتهم وإخفاء تدابيرهم عن أعين اليمنيين المسلمين. وهذا هو السر الذي حقق لليهودية العالمية سرعة نقل يهود اليمن إلى فلسطين في دقة فائقة، إذ أن هذه السرعة كانت مسبوقة باستبعاد داخلي وتنظيم دقيق مستتر عن طريق الوكر اليهودي المنظم في محمية عدن

وقد كان من ألوان هذه المخادعة التي ستر بها يهود اليمن خططهم للرحيل إلى فلسطين تفاديهم الظهور بمظهر الباذخ المثري، فقد كان أغنياؤهم حريصين على أبسط الثياب والسكنى في بيوت ظاهرها لا تأخذه العين وإنما تتجمع في داخلها ثروات من المال والجواهر والسلع الغالية الثمن. ولم يكن في اليمن ما يدفع اليهود إلى هذا اللون من الخداع إلى ما كانوا يضمرونه من خطط لمستقبل، فلم تكن الحكومة اليمنية متعسفة في معاملتهم ولم يسبق لمسلمي اليمن أن اعتدوا على يهودي بغير حق

كتب أحد عملاء الصهيونية الذين زاروا اليمن قبيل هجرة اليهود منها في مجلة (كومانتري) الأمريكية اليهودية في عدد يوليو سن 1951 ما يلي:

(لم أسمع من يهودي اليمن في مساورتي لهم سوى المديح لجيرانهم المسلمين. فلم يحدث في تاريخ اليمن أن احرق كنيس يهودي أو انتهكت له حرمة. وكانت معابد اليهود تضاء وتحلى بألوان الزينة تحت أعين اليمنيين المسلمين وأبصارهم. وكان هؤلاء المسلمون يقدرون عنصر التوحيد في الديانة اليهودية حق تقديره، ولم تنشأ في حاضر اليمن أو قديمها أي حركة توخت الحد من الحرية الدينية والاجتماعية للجاليات اليهودية هناك. وكان حاخاميو اليمن يلقون بعض العون المادي من حكومة جلالة الإمام اليماني. ومن الأدلة على سماحة المسلمين في هذه الأيام أن الجاليات اليهودية هناك كانت تحتفظ بنسخ من التوراة يرجع عهدها إلى مئات السنين في حين أن مثل هذا الرث الدينين قد أعدم مراراً في أوربا الشرقية والغربية خلال القرون الوسطى وفي التاريخ المعاصر)

(وكتب يهودي آخر في مجلة (كومنري) نفسها قال: (إن خلو حياة يهودي اليمن من الاضطهاد المحلي لم يمنعهم من الانقسام إلى طوائف متخاصمة. فقد كانت بعض الجاليات اليهودية لا ترضى بزعامة بعض الحاخاميين من الجاليات الأخرى، وهذا الأمر كثيراً ما أولد بينهم الشقاق ولطالما لجأت هذه الجاليات اليهودية إلى الحكومة اليمنية أو الأئمة المسلمين في اليمن بغية التوسط في وضع حد لمثل هذه الخلافات الطائفية بين اليهود أنفسهم. . ومع ذلك لم يكن هذا الشقاق ليحول دون تكاتفهم (يهود اليمن) على الخطط التي وضعتها لهم القيادة الصهيونية العالمية للرحيل عن اليمن السعيد والامتثال لتعليمات مبعوثي تلك القيادة الذين كانوا يتخذون وكر الصهيونية في محمية عدن مركزاً لهذه الخدعة الكبرى)

والآن وقد أنتجت هذه الخدعة الكبرى ثمارها وتم رحيل يهود اليمن عن هذا البلد الإسلامي إلى إسرائيل فلنلتفت إلى وضعية يهود اليمن في إسرائيل وما خلقوه لأنفسهم والدولة اليهودية من متاعب أصبحت تؤلف مشكلة داخلية من النوع العويص. ولا ريب أن هذه التدابير البعيدة التي اتخذتها القيادة الصهيونية العليا لنقل يهود اليمن إلى إسرائيل تتوخى أهدافاً سياسية واقتصادية معينة سنحاول أن نتعرف على داخلها من صميم المصادر اليهودية والأجنبية المتوفرة لدينا

(للكلام صلة)

نيويورك

عمر حليق