مجلة الرسالة/العدد 944/ ألمانيا

مجلة الرسالة/العدد 944/ ألمانيا

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 08 - 1951


2 - ألمانيا

للأستاذ أبو الفتوح عطيفة

امتاز تاريخ ألمانيا بظهور عبقريات فذة وأبطال عظام استأثروا بالسلطة في الدولة وكانوا أول خدامها، وكان اعظم هؤلاء البطال أربعة: فريديك الأكبر وبسمارك وليم الثاني (غليوم) وهتلر. وإني هنا احدث القراء عن البطل الأول وهو فريدريك الأكبر

ولكني قبل أن أبدأ حديثي احب أن أذكر أننا إذا رجعنا القهقري إلى العصور الوسطى وجدنا العالم الأماني مقسماً على عدة ولايات ولم تكن هناك دولة موحدة في ألمانيا. وكانت النواة الأولى لقيام الدولة الألمانية دوقية برندنبرج، وقد استطاع حكامها وهم من أسرة الهوهنزلون ضم بقع متناثرة من شرق ألمانيا وغربها ووسطها وكونوا منها دولة موحدة هي مملكة بروسيا، وكان أول ملك لها فرديك الأول 1688 - 1713

وقد خلفه على العرش فردريك وليم الأول 1713 - 1740الذي استطاع أن يصلح حال روسياً اقتصادياً وكون لها جيشاً قوياً ونظم إدارتها وشؤونها حتى أن كثيرين من المؤرخين يعدونه من أقوى واحسن ملوك بروسيا

فردريك الأكبر 1740 - 1772:

في 1740 لفظ فردريك وليم الأول آخر أنفاسه وترك لابنه فردريك دولة قوية اقتصادياً وحربياً، ولعله قد مات ونفسه تقطع حسرات على ملكه ودولته، ذلك أن وراثة فردريك الثاني لم يثبت في شبابه أنه سينهض بأعباء المملكة بعد وفاة، والده بل أنه على العكس أثار استياء والده بشغفه بقراءة الكتب الفرنسية وبحبه للشعر والموسيقى، وقد حاول الهرب من التعليم العسكري وهو في الثامنة عشرة من عمره ولكن اكتشف أمره وأحضر أمام والده الذي بلغ به الغضب أن كان على وشك أن يقتله بسيفه

تولى فردريك الثاني في ربيع 1740 يلبث إلا قليلاً حتى اثبت عبقريته وعظمته لنفسه لقب فردريك الأكبر

وكان أول أعماله عمله على توسيع رقعة املاكه، واصطدم في هذا بالنمسا وكانت صاحبة السيادة على العالم الألماني وتحكم إمبراطورية واسعة تشمل النمسا والمجر وبوهيميا وغيرها. ولم يرهب النمسا رغم اتساع أملاكها وسرعان ما قامت الحرب بينه وبينه ضمان وراثي:

كان شارل السادس إمبراطور للنمسا وكانت ابنته ماريا تريزا هي الوارثة للمملكة، واحتياطاً طلب شارل إلى ملوك الدول (بروسيا وروسيا وإنجلترا وفرنسا وإسبانيا) أن يقرروا قبولهم اعتلاء ماري لعرش دون نزاع، وقد وافق الملوك على ذلك وتعرف هذه الوثيقة في التاريخ بوثيقة الضمان الوراثي

ومات شارل السادس في خريف 1740 حين من الدهر اعتلت فيه ماريا العرش ولم تجد منازعاً فانصرفت بقوتها وشبابها إذ كانت في الثالثة والعشرين من عمرها إلى العناية بشؤون إمبراطوريتها الشاسعة الأطراف المتعددة الشعوب والأجناس وإصلاح أحوالها والنهوض بها

حرب الوراثة النمساوية: 1740 - 1748

لكن حلم بالسلام لم يدم طويلاً، ذلك أن فردريك - رغم أن والده كان من الموقعين على الضمان الوراثي - لم يعبأ بهذا الضمان وعرض على ماريا أن نزل عن سيلزيا فرفضت وقالت إنها مستعدة للدفاع عن بقايا رعاياها ولن تبيعهم. حينذاك تقدم فردريك إلى سيلزيا واحتلها واستولى على برزلاو أشهر مدنها ولم يعلن الحرب، وكانت حجته أن سيلزيا كانت ملكاً لأحد أجداده

جمعت ماريا قواتها وتقدمت للقاء فردريك ولكنه انتصر عليها انتصاراً رائعاً في معركة مولتر في أبريل 1741. . انتهزت فرنسا وإسبانيا وبافاريا وسردينيا الفرصة وحاولت انتزاع أملاك ماريا. تقدمت جيوش فرنسا وبافاريا ودخلت بوهيميا واحتلت براج في نوفمبر 1741 دوق إمبراطوراً بدلاً من ماريا ولقب شارل السابع)

توغل الأعداء داخل أملاك ماريا ومع هذا لم تفقد شجاعتها ولجأت إلى رعاياها المجربين أقنعتهم بالاشتراك معها فقبلوا

وفي فبراير 1742 يوم تتويج شارل السابع إمبراطوراً ودخلت جيوش ماريا ميونخ عاصمة فرنسا. ولتتفرغ ماربا لأعدائها تصالحت مع فردريك وتنازلت له من سيلزيا. قبل فردريك الصلح وترك فرنسا وحيدة وقال عبارته المعروفة (ما اسعد أولئك الذين يستطيعون تحقيق آمالهم ثم ينظرون في هدوء وابتسام إلى أولئك الذين أوقعوا أنفسهم بين شقى الرحى)

وقد دامت الحرب أكثر من سبع سنين وفي 1748 انتهت بصلح إكس لا شابل به وأعيدت الحالة إلى ما كانت عليه قبل الحرب، وأخذ فرربك سيلزيا واعترف هو والدول بماري إمبراطورة وبزوجها فرنسيس إمبراطور للنمسا

حرب السنين السبع 1756 - 1763

كان صلح أكس لا شابل هدنة بين فردريك وماري. ذكر مبعوث إنجليزي أن ماري إذا رأت أحد رعاياها السيلزيين نسيت أنها ملكة وأجهشت بالبكاء، ولهذا عملت جاهدة على استرداد سيلزيا. لكنها قبل أن تبدأ الحرب عمدت إلى اتخاذ وسائل النصر فتحالفت مع فرنسا رغم الخصومات السابقة بينهما والروسيا والسويد وسكسكونيا وكلهم طامع في تقسيم أملاك فردريك، وأعدت جيشها. ولم يجد فردريك حليفاً أمامه سوى إنجلترا

انقسمت أوربا إلى معسكرين: الأول البروتستانية وهي إنجلترا وبروسيا في ناحية، والدول الكاثوليكية في ناحية أخرى

ووقعت الحرب 1756 وتقدم أعداء فردريك من نمساويين وفرنسيين وروسيين وغيرهم يهاجمون املاكه، واحتلت ماريا سيلزيا أعلنت أن حقوقها قد ردت إليها موقف فردريك حرجاً للغاية

لكنه مع هذا لم يتزعزع وتذرع بالثبات والحزم وعمد إلى مباغتة أعدائه فهزم الفرنسيين هزيمة منكرة في موقعه روسباخ 1857 ثم هزم النمساوين فذعرت السويد وذهلت سكسونيا وتوقف الروس بعد أن أوقع بهم فردريك الهزيمة

وأما إنجلترا فكان هناك ما يشغلها، فقد قامت تحارب فرنسا فيما وراء البحار وتستولي على مستعمراتها في أمريكا والهند، واقتصرت مساعدتها لفردريك على استخدام فرقة مرتزقة من الأمان شغلت الفرنسيين عن التمكن من مساعدة أعدائه. وفي 1761 بقبول الصلح ولكنه رفض وظل يكره إنجلترا مدى حياته

وقد ساعد الحظ فردريك فماتت قيصرا روسيا 1762 بطرس الثالث وكان من المعجبين بفردريك، فعقد معه صلحاً. عندئذ تفرغ فردريك للنمسا فطردها من سيلزيا واضطر ماري إلى عقد الصلح

وفي عام 1763 صلح باريس وبه أخذت إنجلترا من فرنسا مستعمراتها في أمريكا والهند، وصلح هيوبرتسبرج وبه أخذ فردريك سيلزيا من النمسا مقابل اعترافه بأن يكون ابن ماريا تريزا إمبراطوراً بعد أبيه، أو بعبارة أخرى وارثاً للعرش الإمبراطوري

مصلح:

لكن فردريك لم يكن قائداً حربياً فحسب، ولكنه كان مصلحاً كبيراً: في فترات السلم كان شديد العناية بالإصلاح. فعنى بالزراعة والتجارة والصناعة عناية كبيرة، وكان قصره مجمع العلماء ومنتدى الفلاسفة والشعراء، وكان فلتير من الأدباء الذين أقاموا حيناً في بلاطه، كما كان فردريك نفسه شغوفاً بالقراءة والكتابة وخاصة ما يتعلق بالتاريخ والسياسية، وقد كتب 24 مجلداً في هذه المسائل وكلها باللغة الفرنسية

أبو الفتوح عطيفة

المدرس الأول للعلوم الاجتماعية بسمنود الثانوية