مجلة الرسالة/العدد 953/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 953/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 953
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 08 - 10 - 1951



للأستاذ عباس خضر

وفاة شاعر ومباهج شعراء

دعا جماعة من الشعراء، يوم الجمعة الماضي، إلى ندوة شعرية ينشدون بها في (مباهج الصيف) بحديقة جمعية الشبان المسيحية، وكان بين هؤلاء الشعراء الذين سيقولون في المباهج أسم الشاعر صالح الشرنوبي، ولكن الأقدار أبت على الطائر الذي ظل حياته كسير الجناح أن يذهب إلى فننه ليغرد، وشاءت أن تصنع مفارقة في مجال الشعر والأدب، فقد نشر نعي الشاعر في نفس العدد (من الأهرام) الذي نشر به أسمه مع شعراء الندوة!

عرفت الأستاذ صالح الشرنوبي من نحو عام، لقيته أول مرة في إحدى الأمسيات بندوة (الرسالة) ولقيته بعد ذلك بضع مرات، وقرأت له شعراً أطربني، لمست في شخصه روح الإنسان وأنس الأديب، ورأيت في شعره روعة الفن وصدق الأداء ولمحت فيه رقة الحال المستترة بالتجمل، ويخيل إلي أنه كان يتجمل بالشعر. . كان يعيش بقصائده التي تعمر جيبه. . ولم يكن يشعر أحداً بحاله، فقد كان من البؤساء المتعففين، فلم يثر جلبة حوله، وكان حيياً متواضعاً، إن ذكر شعره بالثناء خجل وأبدى شكره في تواضع عذب.

إنسان رقيق النفس ورقيق الحال، عاش وديعاً موادعاً، ومر بأصدقائه ومعارفه مرور النسمة اللطيفة، وكان في مصر. . ومع ذلك برز أسمه بين الشعراء!

ويظهر أن شدة الأيام قد استحت من طول محاسنته، فحاسنته، وأخذت به منذ شهور إلى مكان في تحرير جريدة الأهرام. وأخيراً أراد أن يتغنى بين إخوانه الشعراء بمباهج الصيف، ولكن الموت عاجله، فخلى مكانه في الندوة، وكان موته حرياً أن يحيلها كلها إلى حزن وحداد، ولكن الشعراء - سامحهم الله - منحوه نصف ساعة ذكروه فيه على عجل، ثم أسرعوا إلى مباهجهم منشدين!

بدأت الندوة بكلمة من الأستاذ خالد الجرنوسي، رثي فيها الفقيد وعبر عن أساه لفقده، وألقت الآنسة روحية القليني أبياتاً في رثاء الشاعر، كما ألقى الأستاذ أحمد عبد المجيد الغزالي قصيدة رثاء أيضاً كانت أحسن ما قيل في الندوة، ووقف خطيب لم يعلق اسمه بذاكرتي فارتجل كلمة كنا نسامحه على ما جاء فيها من أخطاء وما لابسها من فهاهة لولا أنه ألقى أبياتاً من قصيدة للشاعر الفقيد فأقض مضجعه وآلم روحه بما أرتكبه فيها من تكسير وتشويه!!

والأبيات تنتهي بهمزة مكسورة، فبلغت الجناية مبلغها حينما كان يقلب القافية على أوجه الإعراب المختلفة من رفع ونصب وجر.

ومما قاله ذلك الخطيب أن الشاعر مات ولم يحن حينه (بفتح الحاء) يقصد أنه مات في شبابه قبل الأوان. . وكنت أغض عن هذه الزلات لولا أننا في ندوة شعراء يقصدها الناس ليستمعوا إلى ما يلقى فيها وقد يأخذون عن أصحابها.

ومن تلك الزلات أن الأستاذ خالد الجرنوسي أثنى على الشاعر الكبير السيد حسن القاياتي الذي كان (ضيف الشرف) في الندوة، فخاطب الحاضرين قائلاً عنه: هذا الماثل أمامكم ولم يكن السيد القاياني واقفاً بل كان جالساً على كرسي. .

وتكلم مدرس بكلية أصول الدين، قدم على أنه سيعقب على الندوة فقال إن مشاركة الآنسة روحية قليني في الندوة تذكر بالشاعرة (الفحلة) الخنساء. . والفحولة هي الذكورة، بل الذكورة العارمة، وقد استعملت مجازاً في الشعر لدلالتها على القوة والاقتدار، فهل يستساغ أن توصف بها الأنثى؟ على أن وصف الشاعر بأنه فحل أصبح غير مقبول في الذوق العصري.

وكنت أود أن يؤثر شعراء الندوة حسن الذوق على رغبتهم في إلقاء ما أعدوه في مباهج الصيف، فإما أن يجعلوا الندوة كلها في الرثاء أو يكتفوا بما تيسر منه ويفضوها. .

ولكن يظهر أن تلك الرغبة عارمة في نفوسهم، فاستسلموا لشهوة الإلقاء، وجانبوا ما يليق، فراحوا يتحدثون عن البحر والأمواج والجمال والأزهار والتفاح والرمان. .

رحم الله الفقيد وغفر لإخوانه الشعراء.

أدباء الثقافة بوزارة المعارف:

في الإدارة العامة للثقافة بوزارة المعارف طائفة من الأدباء بعضهم من المعروفين لجمهور القراء بأقلامهم وإنتاجهم وبعضهم متأدبون ذوو ثقافة واطلاع. وهم هناك في وضعهم الملائم من حيث قدرتهم وخبرتهم وثقافتهم التي تتطلبها أعمال الإدارة في الشؤون الثقافية المختلفة، فهناك مثلاً من يقرؤون الكتب التي تقدم للتقرير في مكتبات المدارس لإبداء الرأي في صلاحها لهذا العرض، وهناك من يترجمون الكتب التي يقع عليها الاختيار، وهناك من يحررون السجل الثقافي الذي يصدر سنوياً مبيناً نواحي الثقافة العامة في البلاد المصرية معرفاً بما يصدر فيها من مؤلفات ومترجمات وما بها من جمعيات وأندية ومعارض ومتاحف. الخ

وقد تولى الإشراف على هذه الإدارة منذ إنشائها أساتذة من كبار الأدباء، منهم طه حسين وأحمد أمين وفريد أبو حديد، والأول هو منشئها وصاحب فكرتها، وقد اختير لها في أوائل هذا العام الدكتور سليمان حزين بك الذي كان أستاذاً للجغرافية بجامعة فاروق، وهو وإن لم يكن معروفاً بإنتاج أدبي إلا أنه في السنوات الأخيرة شارك في النشاط الثقافي العام بأحاديثه وتعليقاته في الإذاعة وبعض الأبحاث الأخرى.

ومن المعروف أن الأعمال الأدبية والثقافية تحتاج إلى مزاج رائق وراحة شعورية موفورة، فأهلها يستهلكون أعصابهم ويعتصرون أفكارهم.

لهذا جرى الأمر في إدارة الثقافة على أن يتاح لموظفيها الفنيين شيء من الحرية في مواعيد الحضور والانصراف وخاصة أن بعضهم تقتضي طبيعة عمله انتقاله إلى هنا أو هناك للاتصال بالهيئات الثقافية، ومنهم من يؤثر إنجاز ما لديه في منزله.

وبعض الناس حينما يرون ذلك يظنون أن أولئك الموظفين لا عمل لهم. . وقالت بعض الألسنة الطويلة إن إدارة الثقافة (تكية) للأدباء! وقد زين لكثير من المدرسين أن يلجئوا إليها فأرهقوا الوزراء والكبراء بطلب الوساطات. .

ويظهر أن الدكتور سليمان حزين بك مدير الثقافة العام، تأثر بتلك الأقاويل. . ويظهر أيضاً أن بالقرب منه موظفين تقصر بهم الأسباب الطبيعية دون الغايات المرموقة فيحاولون أن يصطنعوا أسباباً أخرى من الملق والإيقاع بمن ينفسون عليهم. . . زين هؤلاء للدكتور حزين أن يغير الوضاع المألوفة في معاملة الفنيين، واستغلوا في ذلك رغبته في أن ينفي عن الإدارة ما ترمي به من التقصير ومما يدل على هذه الرغبة قوله: أنه يريد أن يغير سمعة الإدارة إلى النقيض حتى لا يرغب فيها المدرسون، فيخف الضغط على الوزراء!

وعلى ذلك جعل الدكتور حزين بأخذ أدباء الثقافة بالشدة ويعاملهم بالحرفية في مواعيد الحضور والانصراف وأتخذ في ذلك وسائل جاوز فيها عماله المدى اللائق، فقد حدث مثلاً أن صعد سكرتيره إلى بعض الحجرات فوجد حجرة خالية بها ثلاثة مكاتب لثلاثة من الأساتذة الموظفين، وكان واحد منهم يتحدث بالتليفون في حجرة أخرى، والثاني يقف في الردهة، والثالث في المرحاض، فأغلق السكرتير الحجرة الخالية لأن موظفيها ليسوا على مكاتبهم. . وذهب بالمفتاح إلى سعادة المدير العام، فحكم على العمل أن يظل معطلاً بقية اليوم. .

ونحن مع الدكتور في رغبته المحمودة أن يدفع عن إدارة الثقافة ما ترمي به من التقصير، ولكنا نخالفه في الطريقة.

الواقع أن أدباء الثقافة لا يستخدمون في تحقيق الأغراض الثقافية المنشودة كما ينبغي، ولكن ليست الوسيلة أن يحضروا في الثامنة صباحاً وينصرفوا في الثانية بعد الظهر، وأن تغلق حجراتهم ليشربوا قهوة لدى المدير العام، إنما الوسيلة الصحيحة أن ينظم العمل الفني وتذلل عقباته وتوضع المشروعات الثقافية التي تستغل فيها جهود أولئك الفنيين، والدكتور حزين بك أستاذ موفور النشاط، ويمكن أن يكون نشاطه مجدياً لو وجه طاقته إلى معالجة المسائل الثقافية وتوجيه الجهود إلى الإنتاج الذي يرفع شأن الإدارة ويدفع عنها ما تعاب به، فهناك مثلاً التراث الثقافي المعطل، والذي يتمثل في عشرة كتب مخطوطة دفعت الوزارة ثمنها لمحققيها، ثم حكم عليها بالحبس! وهناك - مثلاً أيضاً السجل الثقافي الذي شعرت البيئات الثقافية في مصر والخارج بفائدته، وأبدى الجميع أرتياحهم إليه، هذا السجل صدر منه عددان عن سنتي 1948، 1949 ولا يزال سجل 1950 واقفاً ينظر إلى الميزانية وينتظر أن يسمح بالأخذ في إجراءات طبعه وقد أوشكت سنة 1951 أن تنتهي. . وقد صدر كل من السجلين الأولين في أوائل السنة التي تلي سنته وكان ذلك في الوقت الذي لم يكن فيه أحد يقول لمحرريه: لماذا تأخرتم وأين كنتم!

والدكتور حزين بك أستاذ جامعي، والذي يليق به أن يهتم بالبحث الثقافي ويتبادل الرأي مع من يعملون معه من الأدباء بقية الوصول بالأعمال الثقافية إلى أهدافها المقصودة، وقد بدأ استعداده لذلك حينما دعا الموظفين الفنيين إلى الاكتتاب لإقامة حفلات شاي، وقد توالت هذه الأكتتابات، وأقيم بعض الحفلات، ولكن لم يحدث فيها سوى تناول الشاي وبعض الحلوى، فلم يتحدث في موضوع، ولم يجد تعارف، فالجميع زملاء يعرف بعضهم بعضاً من قبل، وكان كل جماعة في حجرة والمدير العام في حجرة أخرى مع بعض الخاصة والزائرين، ولعل حفلة الشاي المزمع إقامتها قريباً تكون اكثر جدوى من حفلات الشاي السابقة.

إن كل ما نبغيه أن تكون إدارة الثقافة بوزارة المعارف أداة فعالة في حركة البلاد الثقافية، والسبيل الذي نراه لذلك أن نستغل الطاقات في الإنتاج. بدلاً من استهلاكها في مراعاة المراسيم والشكليات.

عباس خضير