مجلة الرسالة/العدد 954/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 954/البريد الأدبي
تحقيق نسبة أبيات - لفضل الشاعرة، لا لعلي بن الجهم:
ذكرت في كتابي (ملامح من المجتمع العربي) الذي صدر في سلسلة (اقرأ) الأبيات السينية التالية ونسبتها - معتمداً على أوثق المصادر وأصحها - إلى الشاعرة (فضل) المجودة للشعر في عصر المتوكل العباسي. والأبيات هي:
// لأكتمن الذي بالقلب من حرق ... حتى أموت ولم يعلم به الناس
ولا يقال شكا من كان يعشقه ... إن الشكاة لمن تهوى هي الياس
ولا أبوح بشيء كنت أكتمه=عند الجلوس إذا ما دارت الكاس
ولكن الأستاذ عبد العليم علي محمود استدرك في العدد 951 من (الرسالة) الغراء، ذاكراً أنه وجد الأبيات بعينها في كتاب (المنتخب) منسوبة للشاعر علي بن الجهم. ثم ذكر الأستاذ في خلال تحقيقه طبعة هذا الكتاب المدرسي بالمطبعة الأميرية، كما ذكر أسماء (العلماء طه باشا والسكندري رحمه الله وأحمد بك أمين وغيرهم).
وليس طبع هذا المنتخب المدرسي في المطبعة الأميرية، وإشراف هؤلاء العلماء الآجلة على جمعه وترتيبه بمانعنا من أن نقول إن نسبة هذه الأبيات لعلي بن الجهم من باب الوهم الذي يجب أن يصحح.
ولا نقول هذا القول من غير دليل. . ففي الجزء العاشر من الأغاني طبعة دار الكتب المصرية ص214 وفي أخبار علي أبن الجهم بالذات قصة الشاعرة (فضل) التي أمرتها الجارية (قبيحة) جارية الخليفة المتوكل أن تقول أبياتاً عنها في وصف حكاية حال لها مع المتوكل. فخرجت (فضل) الشاعرة إلى المتوكل بهذه الأبيات السينية التي قالتها، فقرأها المتوكل وقال لها: (أحسنت يا فضل!) وأمر لها ولابن الجهم بعشرين ألف درهم، لأن أبن الجهم كان قد صنع في المناسبة نفسها أبياتاً بائية أولها:
تنكر حال علتي الطبيب ... وقال أرى بجسمك ما يريب
ومن هنا جاء الوهم بأن الأبيات السينية هي لابن الجهم لاشتراك الشاعر والشاعرة في مناسبة واحدة، مع أن رواية كتاب (الأغاني) يفهم منها بدون جهد أن الأبيات للشاعرة (فضل) كما ذكرت ذلك في كتابي (ملامح من المجتمع العربي).
على أن هناك دليلاً آخر، وهو أن ديوان (علي بن الجهم) هو بين أيدينا في طبعته الوحيدة المحققة التي أخرجها أخيراً الأستاذ الجليل مردم بك ونشرها المجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1949 عن نسخة خطية وحيدة في العالم كله، محفوظة في (الإسكوريال) تحت رقم 369، ومنسوخة سنة 1002 هجرية بخط مغربي. فليس في هذا الديوان المطبوع حديثاً لابن الجهم أثر لهذه الأبيات السينية، على الرغم مما بذله العلامة مردم بك من جهد في إضافة أشياء من شعر أبن الجهم لم تكن في النسخة الخطية، ولكنه استخرجها من بطون كتب الأدب والتاريخ والتراجم مطبوعة ومخطوطة.
والعجيب أننا لا نجد في ديوان أبن الجهم وفي قافية السين إلا خمس مقطعات صغيرة، ليس منها من بحر (البسيط) إلا اثنتان لا تعتمدان على ألف التأسيس كما تعتمد التي للشاعرة (فضل) التي أوردتها في كتابي، والتي هي موضع هذا الرد.
وقد فطن المرحوم الأستاذ عبد الله بك عفيفي إلى الوهم في نسبة الأبيات إلى علي بن الجهم، فذكرها في الجزء الثالث من كتابه (المرأة العربية) صفحة 36 منسوبة إلى (فضل) الشاعرة. فأقر بذلك الأمر في نصابه، ووضع الأبيات موضعها الصحيح، بل أغلى من قيمة الشاعرة في أبياتها هذه فقال: وهل يحسن البحتري وأشباه البحتري أن يقولوا خيراً مما تقول فضل؟. وذكر الأبيات.
على أنه بعد هذه الأدلة المادية لا نرى وجهاً لأن تستكثر هذه الأبيات على الشاعرة (فضل) بعد ما قال عنها إبراهيم ابن المهدي: (كانت فضل الشاعرة من أحسن خلق الله خطاً، وأفصحهم كلاماً، فقلت يوماً لسعيد بن حميد: أظنك يا أبا عثمان تكتب لفضل رقاعها وتقيدها وتخرجها، فقد أخذت نحوك في الكلام وسلكت سبيلك. فقال لي وهو يضحك: ما أخيب ظنك! ليتها تسلم مني لأخذ كلامها ورسائلها! والله يا أخي لو أخذ أفاضل الكتاب وأماثلهم عنها لما استغنوا عن ذلك).
وأشكر الأستاذ الفاضل عبد العليم علي محمود الذي أتاح لي أن أدافع عن مسألة كنت واثقاً منها وأنا أضعها في كتابي (ملامح من المجتمع العربي).
محمد عبد الغني حسن
دائرة المعارف الحديثة: الأستاذ أحمد عطية الله، مدير متحف التعليم، من الأساتذة المشهود لهم بوفرة الإنتاج وغزارة المادة، فله ما يقرب من خمسة وأربعين كتاباً (مطبوعاً) بين مؤلف ومترجم. .! ولكنه أحياناً لا يدقق في بعض ما يكتب وفي بعض ما يسرد من حقائق ووقائع. .!
فها هو ذا مثلاً بين يدي الجزء الثامن من دائرة المعارف الحديثة التي تتولى مكتبة الأنجلو المصرية نشرها له في أجزاء شهرية منذ ديسمبر سنة 1950. . فهو يقول تحت مادة (فاروق الأول) أنه (. . الابن الوحيد للملك أحمد فؤاد. .)، مع أنه من المعروف للعامة قبل الخاصة أنه كان لجلالة الملك فاروق أخ أكبر غير شقيق هو الأمير إسماعيل، من والده المرحوم الملك فؤاد وزوجه الأولى المرحومة الأميرة شويكار، وقد توفى منذ زمن بعيد، فكيف غابت هذه الحقيقة المعروفة عن الأستاذ عطية الله.
ثم هو يستطرد فيذكر في نهاية تلك الأحداث التي نمت في عهد الفاروق، فيذكر بعضها ويهمل البعض الآخر. .! فهو يهتم بتسجيل اجتماع جلالة الملك فاروق بالرئيس روزفلت - على تفاهته السياسية - عام 1945، إذا به يغفل مثلاً زواج جلالته الأول. .
وقد يخونه التعبير عما يريد أحياناً (فيقول مثلاً) في سياق تعداد تلك الأحداث ما نصه: (. . وجلاء القوات البريطانية عن القاهرة والمدن المصرية عام 1947. .)، وهو بالطبع لا يريد: (القاهرة والمدن المصرية) القطر المصري برمته.!
هذا، وما أردت بهذه الكلمة أن أقلل من قيمة هذه الدائرة الحديثة التي لا أشك أبداً في جزيل نفعها، ولكني أردت أن أضرب مثلاً فتناولت مادة من موادها العديدة وأشرت إلى ما أشرت إليه ليتداركه ويتدارك أمثاله الأستاذ المؤلف في الطبعات المقبلة إن شاء الله.
بور سعيد
محمد عثمان محمد
رد على نقد:
في البريد الأدبي العدد 949 يتساءل الأستاذ كيلاني حسن سند عن كلمة سوسان الواردة في قصيدة للفيتوري يقول:
(أما كلمة (سوسان) فلا أعرف إلا السوسن فقط فلعل القافية هي التي جاءت بهذه الألف. .
ولعلها لغة فيها والشاعر هو الذي يستطيع أن يفيدنا ذلك. والقاموس لم يذكر سوى سوسن وسوسنة).
ونقول للأستاذ إن كلمة (سوسان) وردت في قصيدة أبي نواس التي يقول فيها:
صهباء تبني حباباً كلما مزجت ... كأنه لؤلؤ يتلوه عقيان
كانت على عهد نوح في سفينته ... من حر شحنتها والأرض طوفان
إلى أن يقول:
وما بها من هشيم العرب عجرفة ... ولا بها من غذاء العرب خطبان
لكن بها جلنار قد تفرعه ... آس وكلله ورد وسوسان
وللأستاذ تحياتي واحترامي
صالح بيلو