مجلة الرسالة/العدد 957/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 957/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 957
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 05 - 11 - 1951



للأستاذ عباس خضر

اللغة الأجنبية الأولى: د

لا تزال اللغة الإنجليزية هي اللغة الأولى في بلادنا، نعلمها للناشئة من السنة الثالثة الابتدائية، وتوشك أن تفرض على جميع المصريين بعد تنفيذ قرار التعليم الإجباري في مرحلة أولى موحدة

لا شك أن ذلك من أثر الاستعمار الإنجليزي في مصر، وأعني بذلك جعل الإنجليزية هي اللغة الأجنبية الأولى في التعليم، ولولا ذلك الاستعمار لكانت لغة مثل الفرنسية هي الأولى، أو لكنا وزعنا اهتمامنا باللغات الأجنبية على عدد من اللغات الحية ولم تكن الإنجليزية على أي حال الأولى

ومن الواضح أن سواد المتعلمين حين تفرض عليهم لغة أجنبية بعينها من البدء يضطرون إلى توجيه عنايتهم إليها أكثر من غيرها، فيقل اهتمامهم باللغة الثانية - كما هو الواقع بالنسبة إلى الفرنسية النتيجة هي الاستعمار اللغوي، وما أبغض الاستعمار بجميع أنواعه! والسؤال الأول: هل هناك - غير الاستعمار الإنجليزي في مصر - ما يدعو إلى أن تكون الإنجليزية اللغة الأولى في المدارس والمعاهد والجامعات المصرية؟ ولا أحسب أن لدى أحد من أحرار العقول جواباً عن هذا السؤال

فلو قارنا بينها وبين اللغة الفرنسية لخرجنا من هذه المقارنة بأن اللغة الفرنسية أولى منها بهذه المنزلة. فاللغة الإنجليزية لا تنتشر إلا في إنجلترا ومستعمراتها، على خلاف الفرنسية التي يسود التفاهم بها في أكثر البلاد الأوربية إن لم يكن في جميعها حتى إنجلترا نفسها وكذلك في أمريكا، والفرنسية هي اللغة الأولى في المحافل والمجامع والهيئات الدولية، وهي العالمية للآداب والفنون، ما من أثر أدبي أو فني ذي قيمة في البلاد الأخرى إلا وهو مترجم إليها

والسؤال الثاني: ما الذي يحملنا إذا على الرضاء بذلك الاحتكار اللغوي الذي أصبح أهله أبغض الناس إلينا، ولماذا لا نزيح عنا هذا الكابوس في جملة ما نعتزمه؟

إن الإنجليز من غير شك - يحبون نشر لغتهم ويحرصون على إذاعتها، وقد تضم الاتفاق بينهم وبين الباكستان أن يبقى تعليم الإنجليزية فيها إجباريا بجميع التلاميذ، ولم ننس بعد الدعوة التي وجهتها الحكومة الإنجليزية في العالم الماضي إلى الدكتور طه حسين باشا وزير المعارف إلى زيارة إنجلترا0وجامعاتها وإلقاء محاضرات فيها، والحفاوة التي لقيها معالية هناك. نعم إن المكانة والصيت اللذين أحرزهما معالية في ميدان الفكر العالمي جديران بأن يحتفي به من أجلهما في أي مكان، ولكن لم يكن خافيا أن الإنجليز - وهو الإنجليز - كانوا يرمون من وراء ذلك إلى غرض آخر، هو كسب الوزير المصري الخطير، كي يرعى جانبهم ولو بعض الشيء في المجال الثقافي الفرنسية - أن تطفي على الإنجليزية في مصر

ونحن نعلم رأي معالي الدكتور طه حسين باشا في تعليم اللغات الأجنبية في مصر كوسيلة للمشاركة في الثقافة العالمية، فهو يرى عدم قصر الجهود على لغة واحدة، ويقول بوجوب التنويع في ذلك بين المواطنين، ليتاح للثقافة المصرية أن تقطف خير الثمار من مختلف الجهات

وعلى ذلك تحرير المسألة في أمرين، الأول أن الإنجليزية ليست خير اللغات حتى نجعلها اللغة الأجنبية الأولى في بلادنا، فيجب أن نستبدلها بغيرها ولتكن الفرنسية، والأمر الثاني أن الإنجليزية في وضعها الحالي بمصر من آثار الاستعمار الإنجليزي الكريهة، وأن الإنجليز يسوؤهم أن نزحزحها عن مكانتها، فيجب إذن أن نزيل ذلك الأثر المنتن. . وأن نسوء إنجليز في لغتهم كما نسوؤهم في غيرها

والوقت الحاضر هو أصلح وقت لهذه الضربة القاصمة، التي ترضى الشعور الوطني، وتنال من الأعداء، وتنفع البلاد

فهيا أيها الرجل العظيم، اضرب الضربة. .

حذار من الوعظ والتهريج:

تطور النزاع بيننا وبين الإنجليز تطروا خطيراً عقب إلغاء المعاهد وما تبعه من اعتداءاتهم المنكرة المتكررة، وصارت البلاد إلى حال تستوجب بذل جميع الجهود وتوجيه الكفايات المختلفة نحو معركة التحرير القائمة، ولا يد للأدب والعلم والفن أن تساهم في هذه الحركة إن لم تقدها. وقد نشر أن هيئة التدريس بجامعة فؤاد الأول اجتمعت بقاعة الاحتفالات في الجامعة ودار البحث في هذا الاجتماع حول أحسن الوسائل التي ينبغي اتخاذها لخدمة القضية الوطنية في الخارج والداخل، واستعرض المجتمعون بعض الوسائل التي تتخذ في هذا السبيل، ومنها الاتصال المباشر بهيئات التدريس في الجامعات الأجنبية، ومنها قيام الأساتذة بإلقاء محاضرات تذكى الحماسة الوطنية في المدرجات الجامعية وغيرها

ويقال إن محطة الإذاعة المصرية تعمل الآن على تغيير برامجها وإعداد برامج تناسب الحركة الوطنية الحاضرة وقد بدأنا فعلاً نسمع منها شيئاً من ذلك، أقله جديداً، وأكثره قديم، وكل ذلك حسن، ولكن الذي تخشاه أن ينقلب الأمر إلى وعظ ممجوج، وخطابة يذهب أثرها مع الريح، وتهريج مسف مبتذل

نريد أن تستغل المواهب الممتازة والعقليات الناضجة في تقديم إنتاج جيد، في محاضرات تقوم على الحقائق وتبصر بدقائق الأمور، وفي فن يستميل القلوب ويعرف الطريق إلى مداخل النفوس

إن هذا الحشد من الأناشيد التي تحفظه الإذاعة لتعيده على الأسماع في كل مناسبة، لم يعد صالحاً للعمل، لأنه سخيف في تأليفه وتلحينه وإلقائه وقد مجته الأسماع من كثرة التكرار والترديد، وقد بدأت الإذاعة تلقيه على رؤوسهم كالحجارة، ونرجو أن تسبدل بهذه البضاعة المملولة جديداً موفقاً

وكم أود أن أتعلق بالتفاؤل ورجاء الخير فيما ستقدمه الإذاعة من جديد، وإن كنا نرى فيما بدأت تذيعه بعض الإسفاف الذي رجونا أن نبتعد عنه، فقد سمعت في إحدى تمثيلياتها أخيراً، رجلا قروياً يقول لزوجته:

(وبعدين يا مبروكة في الجماعة الإنجليز أولاد الـ. . . . دول!)

الحرية في الأدب العربي:

ومن أحسن ما سمعته من الإذاعة في هذا الظرف، حديث للأستاذ محمد رفعت فتح الله عن (الحرية في الأدب العربي) بدأه قائلاً: (الحرية وما هيه؟ فتنة القرون الخالية، وطلبة النفوس العالمية، غذاء الطبائع، ومادة الشرائع، وأم الوسائل والذرائع، بنت العلم إذا عم، والخلق إذا تم، وربيبة الصبر الجميل والعمل الجم. . .)

وقد استرعى انتباهي هذا الأسلوب الأدبي المحتفل له، وأعجبني منه قوته مع سهولته، وكان نبر الأستاذ في الإلقاء يوضح مقاصده

وبعد تلك المقدمة ساق طائفة من أقوال العرب - شعراً ونثراً - في الحرية وتمجيدها، ثم ختمها هذا الختام الطريف:

(ولقد استطاب اللسان العربي هذه الحرية وتخيرها، واستعارها للشيء الفاخر المختار الخالص من الأقدار، فيقال (حر الفاكهة): للمختار منها، و (حر الشعر) للفاخر الرائق منه، و (الحر من الفعل): ما كان حسناً خالصاً، و (الحر من الأرض): الطيب الجيد، و (حرية القوم): أشرفهم. ومن الطريف في الأدب العربي أن (حرية المرأة) لها معنى في الأدب القديم. ومعنى آخر في العصر الحاضر، فحرية المرأة - بالمعنى القديم -: شرفها وكرامتها، فإذا قيل (المرأة الحرة) فالمراد الشريفة الخالصة من أغلال العار، وأما (حرية المرأة) في عصرنا فالمراد بها تخلصها من قيود اجتماعية كانت عليها من قبل

القاموس الجغرافي للبلاد المصرية:

هو كتاب وضع أصوله المرحوم محمد رمزي بك، وقضى في تحقيقاته زهاء أربعين سنة، معتمد على مشاهدته، وعلى مراجع تاريخية وجغرافية، وعلى وثائق في المصالح الحكومية، فجاء شاملاً لجميع البلدان المصرية من مدن وقرى، سواء القديم منها والمستحدث

وقد أشرت إلى هذا الكتاب في أوائل العام الحالي، وذكرت أن دار الكتب المصرية قد اشترت جزازات هذا القاموس وأصوله من ورثة المؤلف بعد وفاته، وتسلمتها في فبراير سنة 1949 على أن تطبع الكتاب في خلال سنة على الأكثر ولكن الدار تراخت في تنفيذ ذلك

وعلى أثر كتبناه إذ ذاك، اهتم ورثة المؤلف الفقيد حرصاً منهم على بقاء هذا الأثر الخالد وإخراجه للناس، واستحثوا دار الكتب في ذلك، فعنيت الدار بالأمر، وعهد الأستاذ توفيق الحكيم بك عقب تعيينه مديراً لها إلى وكيلها الأستاذ أحمد رامي في أن يشرف على إعداد هذا الكتاب للطبع وندب لمعاونته الأستاذ أحمد لطفي السيد الموظف بالقسم الأدبي في الدار، والذي زامل المرحوم رمزي بك زهاء خمسة عشر عاماً وفهم منه نظام العمل في هذا القاموس وفي خلال الشهور الماضية قام الأستاذ لطفي السيد بمراجعة بطاقات القاموس وتحقيقها وترتيبها وتهيئتها للمطبعة، وأصبح الكتاب الآن معداً للطبع، والمرجو أن يبدأ طبعه في أقرب وقت، وألا يلتفت إلى المعوقين الذين يريدون تعطيل هذا العمل النافع. . .

عباس خضر