مجلة الرسالة/العدد 957/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 957/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 11 - 1951



الدين والتاريخ

تأليف الأستاذ عباس كرارة

للأستاذ منصور جاب الله

هذا واحد من الكتب التي يضعها الأستاذ عباس كرارة بين الفينة والفينة مصدرة بكلمة الدين، وله قبل هذا الكتاب مؤلفات دينية أخرى منها الدين والأدب، والدين والحرم، والدين والحج، والدين والصلاة، والدين والصحة إلى غير ذلك من الموسوعات التي يحتسبها المؤلف الورع لوجه الله تعالى ابتغاء مرضاته

وهو قد كسر مؤلفه الأخير على تبيان مراحل حياة رسول الله فتحدث عن مولده وبعثته وهجرته وغزواته ووفاته، وقسم الكتاب ثلاثة أقسام: اختص الأول منها بالدور الأول من حياة النبي الكريم ويبتدئ من ولادته وينتهي ببعثته وقدره أربعون سنة، واختص القسم الثاني ببعثة الرسول في مكة إلى يوم وفاته

فالكتاب إذن من كتب السيرة النبوية العاطرة، وهو لا يعدو في جوهرة تلك الكتب التي وضعت في حياة الرسول، ولكن المتأمل في هذا السفر لا يتلبث إذ يمضي في المطالعة حتى يجد نفسه حيال مؤلف جديد لم يسبق أن وقع عليه، ذلك أن الأستاذ عباس كرارة لا يكتب لمجرد شغفه بالكتابة، فالذي يبدو أن الكتابة ليست هوايته المفضلة، ولا مهنته الأصلية، وإنما هزة لهذا القصد حبه لرسول الله وشغفه به وحبه لنفع المسلمين إذ يتدفق الإخلاص من بين تدفقاً، وهو يروي في مقدمة كتابه ما دعاء إلى إمساك القلم والتحدث إلى الناس عن هذا النبي العربي العظيم (هنالك تجردت الروح من الشواغل الدنيوية والأفكار المادية، وانصرفت عن المطامع، وخلصت من الأغيار، وجالت جولة في عالم الشهود، فتم التجلي والصفاء، وتوجهت إلى الله بقلب سليم، ودخلت الروضة بشوق عظيم، وفرح جسيم، فحالما تمت مواجهتي لصاحب الشريعة الإسلامية والملة الحيفية، نسبت نفسي وجلت في عوالم الصفاء، وتجردت عن الحس والمادة، فاغرورقت عيني من الفرح بالدموع، وخفق قلبي من السرور بين الضلوع) إلى آخر ما قال المؤلف المتصوف الورع في هذا المجال

فكتابة وليد تشوق ولهفة رجب لرسول الله وأهل بيته، ومن ثم ينهى مقدمة الكتاب بهذه الكلمات (كان الفراغ من تبييض هذا الكتاب بمكة المكرمة. وببيت الله الحرام بجوار الكعبة المعظمة)

ولا يقتصر الكاتب على ما نقله من كتب السيرة، فإنه أزجى في كتابه الفريد مقالات مما كتب المسلمون في الذكريات الإسلامية المجيدة، فوضع كل مقال في بابه، فجاء منسجماً كالعقد نضدت جواهره ولآلئه في سمط محبوك الأطراف، وإن كنا نأخذ على المؤلف الفاضل انه أسرف في الاقتباس بإيراد ومقالات الصحف السيارة، ولكنه يعزز ذلك بقوله (وإلى جانب ما قمت باختياره ووضعة، وتلخيصه وجمعه، اخترت بضع مقالات دبجتها يراعه بعض الكتاب الأفذاذ في العصر الحاضر، رأيتهم أخلصوا النية فيما كتبوه بأقلامهم وسطروه في صحفهم لله ولرسوله، واستجابوا فيها لوحي إيمان العميق، ونور الإسلام المشرق الوضاء، وجدتها مبعثرة هنا وهناك في الجرائد والمجلات، فجمعت شملها وألفت بين المتفرق منها ليعم الانتفاع بها)

فالرجل قد بذل جهداً في جمع الأشتات والتأليف بين النظائر، وانتقاء المحاسن، ولم يقصر مؤلفه على مجرد السرد والقصص واستخلاص العبرة من حياة خاتم المرسلين، ذلك لأنه أراد من مؤلفه وجه الله ولم يرد الكسب المادي كما سلف الكلام والكتاب فوق هذا وهذا تحفة فنية جميلة، إذ وشاه صاحبه بنقوش جميلة للآيات القرآنية الجميلة، مكتوبة بأيدي كبار الخطاطين، ورسوم للأماكن المقدسة لا تكاد تقع عليها العين حتى تفيض لما عرفت من الإيمان وبعد، فإن الحاج عباس كرارة يستحق تقدير كل مسلم لهذا الجهد الذي يبذل في خدمة الإسلام وتفقيه المسلمين بدينهم. وفقه الله وأثابه

منصور جاب الله