مجلة الرسالة/العدد 959/الأدب والفن في إسبوع

مجلة الرسالة/العدد 959/الأدب والفن في إسبوع

ملاحظات: بتاريخ: 19 - 11 - 1951



للأستاذ عباس خضر

ساعة مع الحكيم:

أقبلت على الأستاذ توفيق الحكيم بك في غرفة مكتبه بدار الكتب المصرية، بعد أن فرغ من تصريف مسألة من مسائل الدار، وقد خرج الأستاذ الكبير عن مكتبه، وجلسنا على مقعدين متقابلين، فطالعت منه وجه الفنان، وأحسست إني في محراب من محاريب الفن، لا في حجرة من حجرات أصحاب المناصب الكبيرة

وقضيت معه ساعة تناولنا فيها بعض شئون الأدب والأدباء، وقد تحدث إلي منطلقا مستفيضا، وأصغيت إليه مستوعبا مستعذباً، ويرف أصدقاء أديبنا الكبير ما في حديثه من متعة وعمق، لأنه يمزج فيه الفكر بماء من الفن كما يصنع في كتابته

وكان يلقي إلي الحديث على طبيعته المرحة الهادئة الوادعة، وهو لا يعلم إني سأنقله إلى قراء الرسالة. . فلما علم بهذه النية ظهرت عليه البغتة وأبتدرني قائلاً: إذاً فأنت تريد أن تعمل حديثا وسكت وكأنما يقول في نفسه: الأمر لله

بدأ الحديث بالسؤال عن الأستاذ الزيات بك، ثم ذكر (الرسالة) لا سائلا عنها فهي لا تغيب عنه، إذ هي معه وهو معها كل ' سبوع، بل قال: الرسالة يتنسم منها الإنسان عبير الأدب في هذه الآونة التي قطعت الصحف والمجلات الأخرى علاقتها بلأدب ومسحت آثاره من صفحاتها. . حتى ما تنشره أحيانا من قصص تراه حكاية لحوادث لا فن فيها ولا تشعر بأن كاتب القصة يسوق إليك من خلال كتابته خواطر أديب

وتحدثنا في إنصراف أكثر الناس عن القراءة الأدبية، وقلت أن القصة باعتبارها فنا من الأدب تستطيع أن تنافس الكتابات غير الأدبية في إجتذاب جمهور القراء. قال: على شرط أن تكون أدباً. . فأن بعض من يكتبونها كما - قلت - يسوقون وقائع لم تعاشرها نفوسهم ولم تتمثلها خواطرهم، فالفن لا ينتج من وحي الساعة، بل لا بد أن يمضي على الأحداث من الأنظار وقت كاف لنضجها وهضمها. ولهذا أرى ألا يفرض على الأديب أن يكون لونا معينا من الأدب وإنما يترك لشعوره وإستجابته

وعدنا إلى حديث المجلات الأدبية وقلة الأقبال على قراءة الأدب، فقال الأستاذ الحكيم: الواقع أن المجلات الأدبية هي البقية الباقية. وما زلت أذكر الحديث الذي أدلى به إليك معالي الدكتور طه حسين باشا ونشر بالرسالة منذ شهور والذي أعرب فيه عن عمل وزارة المعارف، وإستعدادها للعمل، على تشجيع الأدباء والأخذ بكل ما يغذي الحركة الأدبية والثقافية في البلاد. إن وجود طه حسين على رأس وزارة المعارف فرصة ذهبية عظيمة ينبغي أن تنتهز لإحياء الأدب وإزدهاره عن طريق مساعدة الدولة وإثابتها للجهود الأدبية

ومال الحديث إلى الناحية العملية في الموضوع، فقال الأستاذ الحكيم:

إن وزارة المعارف بإعانها للمجلات الأدبية تسدي الصنيع، لا لهذه المجلات فحسب بل للأدب والأدباء بوجه عام، فإن ذلك سسيبعثها ةعلى الإجادة والإكثار من إستكتاب الأدباء المجيدين. ويا حبذا أن تخصص الوزارة لهذا الغرض مبلغا من الإعتماد المخصص لكتب المطالعة الإضافية، فالمجلات الأدبية نفسها تعتبر من هذه المطالعة

قلت: إن الدولة تتبع سياسة تعويض المنتج وتشجيعه على الإنتاج الذي لا يجزيه الجمهور جزاءه الحق، أو بتعبير إقتصادي، لا يغطي نفقاته، كما تصنع مثلا في الخبز والسكر، أفليس لغذاء العقول مكان؟

ثم جر الحديث لتكوين جمعية الأدباء، فقال الأستاذ الحكيم: أذا اراد الأنسان أن يلقى إخوانه الأدباء فأين يجدهم؟ أليس إجتماع الأدباء وتحدثهم مثلاً فيما يجد من الأفكار أو في كتاب جديد قيم وما ينشأ من إحتكاك الآراء من تنشيط العقول وإثارة القرائح - اليس ذلك خيراً وأبقى من أن يذهب الإنسان إلى قهوة يجد فيها موظفين يقتقلون الوقت بالحديث عن الدرجات والعلاوات؟

ثم قل لي: إذا جاء إلى مصر أديب من الخارج وأراد أن يلقى أدباء مصر فأين يلقاهم إذا لم يكن لهم ناد يقصد إليهم فيه؟

وختمت حديثي مع الأستاذ الكبير بسؤاله عن جهده الأدبي في الفترة الأخيرة أو ما يعتزمه من الإنتاج في مجال الأدب والفن، قال: إنه ينوي أن يخرج كتابا أدبيا ولكنه لم يعرف بعد إسمه ولا موعد ظهوره. لأنه يحلو له دائما أن يكون هو المفاجأ بظهور كتابه فبل أن يكون المفاجئ. .

لحن فصيح! كتب الأستاذ محمد أحمد بريري في جريدة الأساس

(3111951) مقالا عنوانه (خطأ مشهور) أجرى فيه الكلام -

على طريقته - حوارا بينه وبين (شيخه) نتاول فيه تعريب

إسم (هانس أنور) ثم شبك الكلام بمسألة أخرى هي التي تهمنا

ألآن

قال الأستاذ وهو ينقل مسألة تعريب ذلك الأسم إلى مسألتنا: (قلت إذا أردتم أن تغفلوا الحرف الأخير من الكلمة فتنادون. .

قال - صه. . فقد أقلقت سيبويه، رحمه الله حين قلت فتنادون. . قل فتنادوا. . أفنسيت فاء السببية.؟

قات - فما قولكم، دام الله فضلكم، في قول الحطيئة:

الشعر صعب وطويل سلمه ... إذا إرتقى الذي فيه لا يعلمه

زات به إلى الحضيض قدمه ... يريد أن يعربه فيعجمه

بضم الميم في قوله (فيعجمه)

وفي قول الدكتور طه حسين عن بعض العابثين من الشباب: (يريدون أن يضحكوا من الصحف ورؤساء التحرير فيدخلون عليها فصولا نشرت على إنها لم تنتشر. . ألخ) دون حذف نون يدخلون

قال - أما عن شعر الحطيئة فالفاء ليست سببية. . وهذا واضح لأن إرادة الأعراب ليست علة الإعجام أو سببه. . فالشاعر لا يعجم الشعر بسبب إنه أراد إعرابه. . ومتى إنتفت فاء السببية إنتفى النصب

وأما كلام الدكتور طه حسين فالنصب فيه محقق. . فالسببية واضحة بين ضحك هؤلاء الشبان من الصحف ورؤساء تحريرها، وبين إدخال الفصول التي نشرت على إنها لم تنتشر. .

وإني لأنبه الدكتور طه حسين إلى إنه يلحن كثيرا في مثل هذا الحرف فيرفعه وحقه النصب

قلت - وغير الدكتور طه حسين من المؤلفين والكتاب ألا يلحنون في مثل هذا الحال.؟

قال - قلت لك إني لا أحصى لحن غير العلماء. . وإن شهرة الخطأ إنما تستمد من شهرة المخطئ بالدقة على المحافظة على سلامة اللغة. .

قلت - فما حاصل حديثنا اليوم.؟

قال حاصله أو حاصلاه إن شئت الدقة أننا عربنا السيد. (هانس أوتو) فقلنا (هنسوت) ثم رجونا إلى الدكتور طه حسين أن يعطف على فاء السببية فينصب المضارع بعدها متى تقدم مسوغ النصب. . والله الموفق إلى الصواب)

سبحان الله يا أستاذ! ويا عجبا لك ولشيخك!! كيف غاب عنكما أن فاء السببية التي ينصب المضارع بأن مضمورة بعدها هي التي تسبق بطلب أو نفي؟ وأين الأمثلة التي سقتها من ذلك. .؟

إن الفاء في هذه الأمثلة فاء العطف، أما عبارتك التي خطأك فيها الشيخ فما هي علينا! وأما قول الشاعر (يريد أن يعربه (فيعجمه) ففيه الفعل (يعجم) معطوف على (يريد) وكلاهما مرفوع، وأما كلام الدكتور طه حسين (يريدون أن يضحكوا. . . ألخ) ففيه الفعل (يدخلون) معطوف على (يريدون) وكلاهما مرفوع ايضا، وليس فيه نصب محقق أو غير محقق. . وإذا كان الدكتور طه حسين يلحن كثيرا في مثل ذلك. . فما أفصح هذا اللحن! وبعد فأرجو أن تكون هذه المسألة من الأستاذ بريري (هفوة عالم) ولعل خجلته منها تدعو إلى التبين والتحقق فيما بعد

رسالة الشباب في الكفاح:

ألقى الأستاذ كامل الشناوي بك يوم السبت الماضي بجمعية الشبان المسلمين، محاضرة قيمة موضوعها (رسالة الشباب في الكفاح الشعبي) تناول فيها الموضوع تناولا أثار الأعجاب والحماسة في نفوس المستمعين

حث الأستاذ الشباب على الغضب لكرامة الوطن، وقال: إن واجبكم أيها الشباب أن تحاربوا الرضا وأن تحاربوا القناعة ايضاً، فالقناعة في طلب المال غبى ولكنها في طلب الحق فقر وفاقة! وعرض للتحالف الذي يطلبه أعداؤنا. فقال: لماذا تنحالف ألنحارب أم لندافع؟ إننا لا نطمع في غزو ولا في إستعمار حتىنحارب. أما الدفاع فإن الشعوب تدافع عن حريتها، وحريتنا هم غاصبوها، فلن يكون دفاعنا إلا موجهاً أليهم. إنهم يخيفوننا بالخطر والروسي، فعلى أي شيء نخاف عليها. . ولكنا ستأخذها بأيدينا، وبعد ذلك نعرف من نعادي ومن نصادق، سنعادي الدولة التي تعتدي علينا ولو كانت روسيا القوية، وسنصادق الدولة التي ترعى حقنا ولو كانت تركيا الضعيفة!

وناقش الحلف الرباعي الذي رفضته مصر هكذا: تبت في أمريكا فكرة تدعو إلى نفض يد أمريكا من مساعدة بريطانيا من منطقة الشرق الأوسط. وفرنسا التي إستسلمت في الحرب الماضية من أول طلقة مدفع، ستسلم في الحرب القادمة عند أول صفارة إنذار. . وتركيا متاخمة لروسيا، لروسيا، فهل ستحمي نفسها أم ستحمينا. .؟ سنبقى إذن مع بريطانيا وحدها، وبريطانيا لم تعد إلا قوة ذهبت ولن تعود، فهل نتحالف مع الذكريات. .؟

وضرب الأستاذ الشناوي مثلا - لوجوب مواجهة العدو القوي ولو بقوة أقل من قوته - أبا أيوب الأنصاري، إذ خرج إلى القتال وهو شيخ هرم، فأراد أصحابه منعه، فقالوا له: إن الله تعالى يقول (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فقال لهم: لا تفسروا كتاب الله على هواكم. . إنما هذه الآية نزلت فينا معشر الأنصار لكي لا نقعد عن الجهاد فنهلك، فما التهلكة إلا القعود عن الجهاد. .

عباس خضر