مجلة الرسالة/العدد 96/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 96/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 96
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 06 - 05 - 1935



سان ماركو

قامت إيطاليا في ظل الفاشستية بكثير من الأعمال العلمية والفنية العظيمة؛ ومن ذلك اكتشافات أثرية عظيمة في ضواحي رومة وفي جنوب إيطاليا، وإصلاح لكثير من الآثار الشهيرة، وإصدار موسوعة إيطالية كبيرة، ووصل ثغر البندقية بالأرض بجسر عظيم يبلغ طوله نحو كيلومترين. وأخر الأعمال الفنية العظيمة التي أتمتها الحكومة الإيطالية، هو إصلاح كنيسة سان ماركو (القديس مرقس) الشهيرة في البندقية؛ وتعتبر هذه الكنيسة التي يرجع بناؤها إلى نحو ألف عام من أعظم التحف الفنية في إيطاليا، وتعتبر الثانية من حيث عظمتها الفنية بعد كنيسة القديس بطرس في رومة. وتمتاز بالصور والنقوش الرائعة التي صنعت كلها من الفسيفساء الملون، في جدرانها السفلية وأروقتها العليا. وهي تجاور قصر الدوجات وتقع على يساره، وأمامها ميدان سان ماركو الشاسع الذي كان خلال العصور ميدان الاحتفالات والاجتماعات العامة أيام الجمهورية؛ وقد بدأت أعمال الإصلاح فيها منذ ثمانية وعشرين عاما، وذلك بعد أن قرر الخبراء أنها في خطر، وأن أسسها قد اضطربت وتشققت جدرانها؛ وذلك على أثر سقوط برج (الكامبنيلي) الشهير في سنة 1902؛ وهو يقع أمام قصر الدوجات على مقربة من الكنيسة، وقد جدد، وهو يرتفع إلى علو شاهق، ويشرف على ثغر البندقية وجميع الجزر (اللاجون) التي تقوم عليها. وبدئ الإصلاح بتقوية أسس الكنيسة وأعمدتها، وعهد إلى المهندس والفنان الكبير الأستاذ لويجي مارانجوني بالأشراف على أعمال الإصلاح الفنية. وقد بذل هذا الفنان مجهودات فادحة لإنقاذ زخارف الفسيفساء التي كاد بعضها يتلاشى، واستطاع بمعجزة حقيقية أن يعيدها إلى بهائها الأول. ولم تمضي أسابيع قلائل حتى ترفع الأعمدة والحواجز الخشبية التي حجبت بعض واجهات الكنيسة عن النظارة زهاء ثلاثين عاما، ويستطيع الزائر أن يمتع الطرف بمشاهد الصور والنقوش البديعة التي صنعت كلها من فسيفساء ملون، وبينها صور القديسين ومناظر من الكتاب المقدس

ويعتبر إصلاح هذه الكنيسة من أعظم الأعمال الفنية التي قامت بها إيطاليا في هذا العصر؛ ويرجع إلى عزم الحكومة الفاشيستية وسخائها في تعزيز الأعمال الفنية والأثرية، الفض في سرعة إنجاز هذا العمل العظيم

حول أزمة السياحة

تتحدث الصحف الفرنسية منذ حين عن (أزمة السياحة)، لان السياحة مورد من موارد فرنسا العظيمة، وقد لوحظ أن الإقبال على زيارة فرنسا قد أخذ يتناقص في الأعوام الأخيرة، وتأثرت جميع الجهات والمصالح التي تتصل بموسم السياحة، وأخذت تفكر في ابتكار الوسائل لمكافحة هذه الأزمة وترغيب الأجانب في زيارة فرنسا. وقد درس كثير من الخبراء والباحثين أسباب هذه الأزمة في الصحف، ونسبها بعضهم إلى ارتفاع الفرنك وغلاء الأسعار في فرنسا لدرجة فاحشة؛ ونسبها البعض إلى الأزمة العالمية التي أصابت كل الموارد؛ ولكن كاتبا مطلعا وعضوا في مجلس الشيوخ، أدلي برأي جديد في أسباب أزمة السياحة، فقال أنها ترجع قبل كل شيء إلى تغير النفسية الفرنسية، وتحول الفرنسي من مضيف رقيق الطبع كريم الوفادة، إلى تاجر جاف الخلال، تغلب لديه فكرة الكسب على كل فكرة أخرى، فجميع الجهات والأفراد الذين يشتغلون بموسم السياحة كوكالات السفر والفنادق، والسكك الحديدية، وأصحاب المطاعم والملاهي وغيرها، يعمل كل لصالحه فقط، ولا تجمع بينهم رابطة مشتركة وكل يحاول أن يقتضي من السائح أوفر غنم؛ واليوم يلقى السائح في الجمارك الفرنسية موظفين جامدين، وتستقبله في فرنسا قوانين وإجراءات شديدة، ولا يكاد يلقى الابتسامة على ثغر أحد؛ ومن رأي الكاتب أن الاستقبال الحسن هو أهم عنصر لتشجيع السياحة، ويجب أن يشعر الزائر بهذه الخاصة، منذ دخوله البلد حتى خروجه منها، ويجب أن يحسن استقباله أين سار: في الجمارك وفي الفندق، وفي المتاجر والمصالح، وكل ماله مساس بتجواله أو درسه أو متعته. وعلى هذا الأثر الحسن يتوقف مستقبل السياحة اليوم؛ وقد فرنسا في الأعوام الخيرة كثيرا من هذا الأثر الحسن الذي كانت تشتهر به فيما مضى

حول الراغب الأصبهاني

. . . طالعت في العدد السابع والثمانين من مجلة الرسالة الغراء كلمة الأستاذ الباحثة علي الطنطاوي في الراغب الأصبهاني، فأستغربت كثيرا عدم عثوره على غير المصادر التي أشار إليها، ولهذا أرى أن من حق الأدب عليّ وخدمة للتاريخ أن ادله على المصادر التالية التي أفردت للكلام عنه بحثا ضافيا، وهي:

(1) كتاب هدية الأحباب للشيخ عباس القمي المطبوع في النجف

(2) كتاب روضات الجنات للشيخ محمد باقر الخونساري المطبوع في إيران

وسأتقدم بمقال ضاف عما قريب إلى (الرسالة) الزهراء عن المشار إليه، والأمل أن يتفضل صاحب الرسالة بنشره

النجف - العراق

محمد كاظم كمونة

جامعة مشيغن الأمريكية وشباب الشرق

على أثر عودة الدكتور أغا أوغلو أستاذ الفنون والصنايع الإسلامية في جامعة مشيغن إلى أمريكا، بعد زيارته إيران وحضوره حفلات الفردوسي، رفع إلى إدارة الجامعة تقريرا مفصلا بلزوم تعهد الجامعة بنفقات عشرة طلاب من طلاب الممالك الإسلامية ليدرسوا فيها فروع الصناعات الإسلامية والفنون الجميلة الشرقية. وبعد مداولات كثيرة بين الأستاذ اغا أوغلو وبين أعضاء إدارة الجامعة، وافقت الجامعة على طلبه، أما الطلاب العشرة فقد وزعتهم الجامعة على الوجه التالي:

طالبان من العراق، طالبان من ايران، طالبان من تركيا، طالبان من مصر، طالبان من سوريا وفلسطين.

تأليف مجمع للغة الإيرانية

بالنظر إلى اتجاه الأوساط الأدبية والصحفية نحو إحلال اللغة الإيرانية محل الفارسية وتطهيرها من الكلمات والتعبيرات الأجنبية التي قد دخلت عليها واعتبارها أن مثل هذه الحركة إذا تركت بلا توجيه يخشى أن تضر بجمال اللغة - قررت الحكومة أن تنشئ قريباً مجمعاً للغة الإيرانية. وسيضم هذا المجمع نخبة الكتاب وعلماء اللغة الوطنيين، وستكون مهمتهم أن يضعوا معجماً لاستبدال الكلمات الأجنبية الكثيرة، ولاسيما الكلمات المشتقة من العربية والتركية في اللغة الإيرانية الحالية بكلمات إيرانية بحتة وقد أرسلت وزارة المعرف تنفيذا لهذا القرار وتجنبا لأي اضطراب في أعمال المجمع منشورا إلى جميع الوزارات والمصالح يحرم استعمال الكلمات الجديدة التي تذيعها الأوساط الأدبية التي ليست لها السلطة ولا الخبرة التامة المطلوبة لهذا العمل؛ والكلمات المستعملة سيستمر استعمالها إلى أن تستبدل تدريجياً كلما انتهى مجمع اللغة الإيرانية الملكي إلى اتخاذ قرارات في بعض البحوث

مؤتمر القلم الدولي

يجتمع المؤتمر الدولي الثالث عشر لنوادي القلم في ثغر برشلونة عاصمة قطلونية (أسبانيا) في العشرين من شهر مايو الجاري، ويستمر انعقاده إلى يوم 25 منه. وقد وضع البرنامج النهائي لأعماله واجتماعاته. ففي الساعة العاشرة من يوم الاثنين 20 الجاري تفتح مكاتب المؤتمر في (كازال ولايتجي) وفي الظهر يطوف الأعضاء ثغر برشلونة، ويزورون متاحفها ومشاهدها، وفي اليوم التالي يفتح المؤتمر بصورة رسمية، وتلقى خطب الافتتاح وتصرف بقية اليوم في حفلات نظمتها لجنة المؤتمر؛ وفي اليوم الثالث يستقبل الفنانون في برشلونة أعضاء المؤتمر في معرض للصور والتماثيل أقيم تكريما لهم. وفي الأيام الثلاثة الباقية يعقد المؤتمر جلساته في صباح كل يوم، ويشهد المؤتمرون بقية اليوم بعض الحفلات والاستقبالات التي نظمت لهم، ويختتم المؤتمر بمأدبة غذاء رسمية في فندق (رتز) أعظم فنادق برشلونة؛ وقد نظمت رحلات أثرية للمؤتمرين في بعض أنحاء قطلونية ورحلة إلى جزائر البليار؛ وستعنى لجنة المؤتمر بأن تعرض على المؤتمرين جميع النواحي الفنية والثقافية الأسبانية والقطلانية بنوع خاص

في الجامعة المصرية

وأخيرا صدر المرسوم الملكي بتعيين زعيم النهضة الفكرية الحديثة الأستاذ الجليل أحمد لطفي السيد بك مديرا للجامعة المصرية. والتعيين هنا معناه إعادة الأستاذ إلى منصبه بعد أن ظل باستقالته منه شاغرا أربع سنين كابدت فيها الجامعة من الأحداث الجسام ما كابدته الأمة كلها في سيادتها ومرافقها وأخلاقها من عبث الطغيان المسرحي الأحمق. استقال الأستاذ استقالته المثلية النبيلة حين رأى عبث العهد البائل ينال حرم الجامعة فيعدو على استقلالها، ويعتدي على حقوق رجالها، وينقل عميد كلية الآداب فيها إلى منصب أخر من غير رأيه ولا علمه. ثم هيمنت على إدارة الجامعة وإرادتها سلطة متجنية كانت تدفع الحق دفعاً عن أهله، حتى انجلت عن السياسة المصرية غشاوة الزيغ وسحابة الباطل، فوجد المظلوم العدل، وابصر التائه الطريق

ولم يكن من السهل حتى في ذلك العهد الذي أنكر الكفاية، وجانب المنطق، أن تظفر الجامعة بخلف للطفي بك، فإن ثقافته الشاملة، وعقليته المنطقية، ونزعته الحرة، وطبيعته المعلمة، وخلقه الفيلسوف، جعلته اصلح الناس لهذا المنصب، وأحزم العلماء بهذا العمل

في الجامعة الأزهرية

كذلك صدر مرسوم ملكي أخر بتعيين صاحب الفضيلة العالم الجليل الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخا للجامع الأزهر. ومسألة الأزهر كانت كمسألة الجامعة عقدة من عقد العهد البائد، فقد رضى فيه شيخ الأزهر المستقيل أن يكون مطية ذلولا من مطاياه تخب في الزور، وتخبط في الباطل، حتى غضب الناس للدين، وضح العلماء للعلم، وثار الطلاب للكرامة، ووفق الله الوزارة القائمة فعالجت هذه الحال بإقصاء الشيخ الظواهري وتعيين الأستاذ المراغي. والأستاذ المراغي من العباقرة الآحاد الذين يفهمون القرآن بالأدب، ويطبقون الدين على الخلق، ويوفقون بين المدنية والفقه، وينهجون في الإصلاح منهج الإمام محمد عبده

وفاة الشيخ عبد المحسن الكاظمي

في يوم الخميس الماضي استعز الله بالشاعر العربي العراقي الكبير الأستاذ عبد المحسن الكاظمي عن سنة عالية وشهرة مستفيضة؛ وهو من الذين ساهموا في نهضة الشعر الحديثة بقسط وافر من السليقة الخالصة، والقريحة الطيعة، والبديهة التي ترتجل القصيدة المطولة عفو الساعة. هبط الأستاذ مصر منذ خمس وثلاثين عاما، فطابت له فيها الإقامة، ولاذ بكنف الإمام محمد عبده، وهو يومئذ موئل العلم والأدب، فظاهر نعمه عليه كما ظاهرها على الشنقيطي وحافظ والمنفلوطي، حتى اتصل سببه وأثمر أدبه في حماه وتحت عينه. ولم يبتغ الكاظمي الوسيلة إلى الحياة إلا بالشعر - والشعر في هذا الزمن رحم قطعاء وأداة عاجزة - لذلك نكد عيشه قليلا بعد الإمام، فرضى بميسور الكفاف من الرزق، وبالإنتاج القليل من القريض، وأقعده ضعف القلب وكلال البصر وتقدم السن عن غشيان المجالس والأندية، حتى أختاره الله إلى جواره. وسنعود إلى تفصيل أمره وتحليل شعره في عدد مقبل