مجلة الرسالة/العدد 96/المكتبات المدرسية والمتنقلة بإنجلترا

مجلة الرسالة/العدد 96/المكتبات المدرسية والمتنقلة بإنجلترا

مجلة الرسالة - العدد 96
المكتبات المدرسية والمتنقلة بإنجلترا
ملاحظات: بتاريخ: 06 - 05 - 1935



بقلم الأستاذ محمد عطية الأبراشي

المفتش بوزارة المعارف

ليس في المدرسة الإنجليزية مكتبة واحدة فحسب، بل في كل فصل من فصول المدرسة مكتبة صغيرة للتلميذ، بها كتب مدرسية وأدبية تناسب المستوى العلمي للفصل، وبها مصورات جغرافية، وروايات تمثيلية، وكتب للمراجعة. ويقوم كل فصل بانتخاب أحد تلاميذه للعناية بالمكتبة، وهو مسؤول عن ترتيبها ونظامها، فيحضر الكتب منها وقت الحاجة إلى استعمالها، ويعيدها إلى مكانها بمساعدة بعض إخوانه بعد الانتهاء من الدرس

ولكل تلميذ الحق في أن يستعير من الكتب ما شاء لمدة معينة؛ بأن يذهب إلى دفتر الإعارة فيكتب فيه أسم الكتاب الذي استعاره، وأسم المؤلف، ورقم الكتاب، وتاريخ الاستعارة ثم يمضي. والأمانة سائدة بين التلاميذ، فحينما ينتهي التلميذ من قراءة الكتاب في المدة المعينة يعيده إلى موضعه في المكتبة، فلا يضع رقم (10) مثلا موضع رقم (105). وبهذه الوسيلة يتعود التلاميذ النظام، ويبث فيهم روح التعاون. وإذا لم يستعر أحد التلاميذ شيئا سأله مدرسه عن السبب، وكلفه بالاستعارة، ثم أختبره بعد الانتهاء من قراءة الكتاب في موضوعه، وسأله عن أحسن قطعة قرأها فيه، وأحسن رجل اعجب به؛ وبهذه الطريقة يضطر كل تلميذ إلى أن يستعير ويقرأ، ويشجع التلاميذ على البحث والاطلاع. وإذا اعتاد الفتى أن يقرأ كتابا في الخارج كل أسبوعين مثلا قرأ ما ينيف على العشرين كتابا في السنة، فتكثر معلوماته، ويشعر بحب الكتب من الصغر

وحبذا الأمر لو فكر كل مدرس لدينا في أخذ طلبته إلى مكتبة المدرسة، وشوقهم إلى القراءة والاطلاع، وفهمهم طريقة البحث في الكتب، وحثهم على الاستعارة والمطالعة في أوقات الفراغ

وزيادة على المكتبات المدرسية تجد في كل مدينة إنجليزية مكتبة عامة أو اكثر في المدن الكبيرة. وفي كل منزل إنجليزي مكتبة بها الكثير من الكتب الأدبية والعلمية والصحية، ويهدي لكل طفل إنجليزي كثير من الكتب التي تناسب سنه في يوم ميلاده وفي عيد الميلاد كذ وقد تكون للطفل مكتبة خاصة به، وحجرة خاصة بلعبه أو مربى إذا كان من أسرة متوسطة أو غنية. ولا أبالغ إذا قلت إن الطفل في إنجلترا رجل صغير، قوي الملاحظة، كثير الآراء والأفكار الصائبة، فقد يقول لك قبل إن يرى المدرسة: إن هذا الفيل من الهند، ولو فقد هذا الجزء من السيارة لحدث كذا، وهذا الجزء من الطائرة أسمه كذا، ووظيفته (العلمية) كذا، ولقد حدث (لعلي بابا) في ألف ليلة وليلة كيت وكيت

المكتبات المتنقلة بإنجلترا

وهناك أيضا مكتبات متنقلة تنتقل من المدينة إلى القرية مثلا بوساطة سيارة معدة لان تكون مكتبة، تنقسم أربعة أقسام وهي: قسمان للروايات، وقسم للكتب العلمية المختلفة، والقسم الرابع خاص بكتب الأطفال. وتقوم هذه المكتبات بعمل جليل في نشر العلم، وإعطاء الفرصة لسكان القرى النائية الأطراف في أن يستعيروا ما يريدونه من الكتب للقراءة والاستفادة. وهي منتشرة الآن في جميع أنحاء إنجلترا

وتعد المكتبة المتنقلة فرعا من المكتبة العامة التي تمدها بما تحتاج إليه من الكتب. ويقوم بإدارتها موظف تابع لمدير المكتبة العامة. وفي (كنت) مثلا - وهي إحدى الضواحي التابعة للندن - مكتبة متنقلة أنشئت في نوفمبر سنة 1921 وبها نحو 150 ألف كتاب للأستعارة، يستعيرها القراء بالتناوب، ويتداولونها بينهم وأحدا بعد الأخر؛ في سنة 1930 قد بلغ المستعيرون من هذه المكتبة 1223000 وهذا العدد يدل على كثرة الإقبال على القراءة، وعلى أن إنجلترا من اكثر الأمم حباً للقراءة، فلا تركب قطارا أو سيارة عامة إلا وتجد في أيدي كل فرد صحيفة، أو مجلة أو كتابا. فالمكتبة المتنقلة قد سدت فراغا كان الناس يشعرون بالحاجة إلى ملئه منذ زمن ليس بالقصير. وفي (كنت) سيارتان تملأن من المكتبة الرئيسية العامة بها، ثم تزوران كل قرية في تلك الجهة مرتين أو ثلاث مرات في السنة، وقبل قيام المكتبة من (كنت) وهي المركز الرئيسي في تلك الجهة يخبر القائم بأمور المكتبة في القرية بوقت وصول السيارتين إليها حتى يستطيع استدعاء عدد كبير من المستعيرين للمساعدة في اختيار المجموعة الجديدة من الكتب، ورد ما يمكن رده من المجموعة القديمة التي كانوا قد استعاروها من قبل. وينتهي الأمر وهو رد الكتب القديمة، وأخذ كتب أخرى بدلها في نحو ساعة من الزمن وكتب الأطفال في المكتبات المتنقلة اقل من كتب غيرهم من القراء. وحب القراءة مشاهد لدى كل طفل، وبخاصة قراءة القصص والحوادث. ومن الصعب أن تشبع رغبات الأطفال في الحكايات وقراءتها. وليس في هذه المكتبات من الكتب ما يكفي كل الأطفال، ففي (كنت) مثلا 75666 طفلا في المدارس الأولية، وليس في قسم الأطفال بالمكتبات إلا نحو 32 ألف كتاب، ولذا يضطر رؤساء المكتبات إلى جعل الاستعارة خاصة بمن تبلغ سنه 12 سنة. ويقص الرؤساء أحياناً بعض الحكايات المحزنة لرفض مطالب كثيرين من صغار الأطفال، ثمة بأنه كلما كان الكتاب جميل المنظر، جيد الطبع، كثرت عنايتهم به. ولا يزال الكتاب لدى الطفل القروي شيئا ثمينا. فالمكتبات المتنقلة والمدرسية والعامة تقوم بخدمة جليلة للتلاميذ وغيرهم ممن يحبون القراءة، ويجدون مسرة فيها

ودور الكتب العامة مملوءة بالقراء. وهناك نوع من المكتبات التجارية التي تخصص قسما منها للإعارة نظير دفع اشتراك سنوي يسير. فلدى كل فرد صغير أو كبير، غني أو فقير، الفرصة في أن يجد ما يريده من الكتب، من أي نوع من الأنواع

وفي وصف الكتاب وفوائد الكتب، قال نابغة العرب، وأديب العلماء، والعالم بين الأدباء (أبو عثمان عمرو الجاحظ) (الكتاب وعاء ملئ علماً، وظرف حشي ظرفا، وبستان يحمل في ردن، وروضة تقلب في حجر، ينطق عن الموتى، ويترجم كلام الأحياء.) وقال: (. . . . . . ولا اعلم نتاجا في حداثة سنه، وقرب ميلاده، ورخص ثمنه، وإمكان وجوده، يجمع بين التدابير الحسنة، والعلوم الغريبة، ومن آثار العقول الصحيحة، ومحمود الأخبار عن القرون الماضية، والبلاد المتراخية، والأمثال السائرة، والأمم البائدة ما يجمع الكتاب)

ودخل الرشيد على المأمون وهو ينظر في كتاب، فقال: ما هذا؟ فقال: كتاب يشحذ الفكرة ويحسن العشرة، فقال: الحمد لله الذي رزقني من يرى بعين قلبه اكثر مما يرى بعين جسمه

وقيل لبعض العلماء: ما بلغ من سرورك بأدبك وكتبك؟ فقال: هي إن خلوتي لذتي، وان اهتممت سلوتي، وإن قلت أن زهر البستان ونور الجنان يجلوان البصر، ويمتعان بحسنهما الألحاظ، فإن بستان الكتب يجلو العقل، ويشحذ الذهن، ويحيي القلوب، ويقوي القريحة، ويعين الطبيعة، ويبعث نتائج العقول، ويستثير دفائن القلوب، ويمتع في الخلوة، ويؤنس في الوحشة، ويضحك بنوادره، ويسر بغرائبه، ويفيد ولا يستفيد، ويعطي ولا يأخذ، ونصل لذته إلى القلب، من غير سامة تدركك، ولا مشقة تعرض لك

وفي الكتب العربية آيات بينات عن الكتب وفوائدها، شعرا ونثرا فليرجع إليها من أراد الزيادة

محمد عطية الأبراشي