مجلة الرسالة/العدد 971/بين مجزرة (دير ياسين) ومشنقة (الباب المعظم):

مجلة الرسالة/العدد 971/بين مجزرة (دير ياسين) ومشنقة (الباب المعظم):

مجلة الرسالة - العدد 971
بين مجزرة (دير ياسين) ومشنقة (الباب المعظم):
ملاحظات: بتاريخ: 11 - 02 - 1952



الجمل اليهودي وسم الخياط

للأستاذ على حيدر الركابي

عثرت البشرية خلال تاريخها الطويل على مبادئ خلقية سامية اتفقت عليها وجعلتها معالم بارزة في مجرى حياتها فإذا ما اقتربت منها أمة من الأمم وتمسكت بعراها كانت في أوج تقدمها وإذا ما أهملتها وابتعدت عنها كانت في أسفل دركات انحطاطها لا فرق في ذلك بين أمة شرقية أو غربية ولا بين أمة حديثة أو قديمة.

وتشذ أمة يهود عن ركب البشرية في ذلك فتقرر لنفسها مقاييس خلقية خاصة وتبالغ في هذا التخصص حتى تحتكر الخالق، وبهذه الطريقة اليهودية الفذة تصبح العدالة شيئا نسبيا ومثلها الصدق والشرف إلى آخر ما تضمه الأخلاق من صفات معروفة وغير محصورة.

وبالاستناد إلى هذا المذهب اليهودي الخاص في الأخلاق ينقلب الكذب اليهودي صدقا والنذالة اليهودية شرفا والظلم اليهودي عدلا رائعا!. . بينما ينقلب صدق غير اليهود كذبا وشرفهم نذالة وعدلهم ظلما إذا كان في ذلك ما يمس مصلحة يهودية كبرت أو صغرت.

لقد طالبوا بتقسيم فلسطين وأصروا عليه وجندوا الدنيا لإقراره. فلما حققوه أعلنت أبواقهم في كل مكان أنه الحل العادل الوحيد للمشكلة الفلسطينية لأنه يستند إلى حق اليهود التاريخي في أرض الميعاد. أما أن تكون فلسطين مأهولة بأكثرية ساحقة عربية، أما أن تكون هذه الأكثرية مالكة لمعظم أراضي فلسطين منذ قرون، فأمر لا يؤبه له وحق العرب المستند إلى تلك الأكثرية ليس بحق. لماذا؟ لأنه ليس حقا يعود ليهودي!

وطالب العرب بتدويل القدس على الأقل، فقامت قيامة اليهود وأرغوا وأزبدوا. لماذا؟ لأن أكثرية سكان القدس يهودية، وهذه الأكثرية لا تريد تدويل القدس فيجب احترام رأي الأكثرية. .

عجيب والله أمر يهود! تفرض إسرائيل فرضا ضد رغبة الأكثرية من السكان ثم ترفض تدويل القدس احتراما لرأي الأكثرية. . مثال رائع للعدالة النسبية التي تتعشقها يهود!

وينظم اليهود مذابح وحشية لكي يحملوا العرب على ترك ديارهم ويعترف بذلك كبير زعمائهم الإرهابيين - مناحيم بيكن - ويسجل اعترافه في منشورات إنكليزية أشار فيه إلى مذبحة دير ياسين وأنه تولى بنفسه تنظيمها والإشراف عليها لكي يضمن تحقيق التنكيل المتقن بالعرب، ثم يزور بيكن أمريكة فيستقبل في نيويورك ومدنها اليهودية الأخرى استقبال الأبطال الفاتحين. ويمعن اليهود في اضطهاد العرب ومصادرة أملاكهم حتى بعد قيام إسرائيل. يفعلون ذلك دون تردد وبضمير هادئ لأنهم يهود وأعمالهم الوحشية موجهة ضد غير اليهود؛ وإذن فهي في نظرهم تمثل منتهى العدالة، وإذن فهي تمثل منتهى الأخلاق!

وينظم اليهود إرهابا يهوديا منقطع النظير خارج حدود إسرائيل: في دولة عربية؛ ويصبون في هذه الدولة سيلا متدفقا من الجواسيس يتآمرون على سلامتها. وهذا عمل صالح لا غبار عليه لمجرد أنه عمل يهودي موجه ضد غير اليهود! أما أن تفطن تلك الدولة العربية إلى نوايا اليهود نحوها، وأما أن تقوم بإلقاء القبض على أولئك الجواسيس والإرهابيين من يهود، وأما أن تحيلهم إلى المحاكمة العلنية، وأما أن تصدر الهيئة القضائية المختصة حكمها بإعدام بعض وسجن بعض فهي جرأة عجيبة لا تغتفر وهي الظلم بعينه! لماذا؟ لأن الدولة غير يهودية والمحكمة غير يهودية والمتهمين يهود. . . وتحب أمة يهود أن تتجاهل أن التحقيق كان أصوليا وشاملا وأن المحاكمات كانت علنية وأن محامين من غير اليهود تولوا الدفاع عن المتهمين وأن الحكم صدر ببراءة بعضهم. تتجاهل أمة يهود ذلك كله وتكذب لأن كذب اليهود لمصلحة يهودية هو الصدق بعينه.

هذه هي المقاييس الخلقية المقلوبة عند اليهود!. .

من حق (موشي شاريت) أن يعلن حزنه العميق أمام زملاءه أعضاء (الكنيست) اليهودي، ومن حق هؤلاء أن يوقفوا الجلسة حدادا، ومن حق (أوبري إيبان) أن يمتنع عن حضور جلسات هيئة الأمم لشدة حزنه، ومن حق (راديو إسرائيل) أن يبدل برامجه ليذيع الكئيب من موسيقاه اليهودية البغيضة: من حق أمة يهود أن تفعل هذا وأكثر لتعرب عن شعورها لإعدام يهوديين في بغداد وسجن آخرين. ولكن ليس من حقها مطلقا أن تختلق وتغالط وتكذب وتحتال لكي تتهجم على الشرطة العراقية والقضاء العراقي والعدالة العراقية بأسرها وتوجه لها الشنيع من التهم بالبذيء من الألفاظ.

عفوا! قلت ليس من حقها ونسيت أن الحق اليهودي في عروقها له مفهوم يهودي خاص وهو حق ثابت لأنه حق يهودي. ولهذا أعود فأقول: إن من حقها اليهودي أن تفعل ذلك وأكثر، ومن حقها اليهودي أن تستجير بالضمير الإنساني ليثور على حكم قانوني قضى بإعدام يهوديين، بعد أن سخرت كل ما تملك من وسائل جهنمية لتحول دون ثورة ذلك الضمير الإنساني بعينه ضد فظائع فلسطين ومذبحة دير ياسين!

ولا أحب أن أعتقد أن الضمير الإنساني قد ماع إلى هذا الحد الذي يصبح معه أداة طيعة في أيدي اليهود: يثيرونه أو يخمدونه حسب مقتضيات المصلحة اليهودية وإن كان حقا أن الضمير الإنساني قد تدنى إلى هذا الحد في يوم الناس هذا فلا حول لنا ولا طول إلا أن نستجير بالله من يهود!

ولكن الضمير الإنساني في حقيقته السامية لا يمكن أن يصبح يهوديا لأن هناك تناقضا ثابتا بين الإنسانية في معانيها السامية وبين اليهودية. وعليه فلا بد للضمير الإنساني من يوم قريب بإذن الله يثور فيه على اليهودية العالمية وعلى طغيانها في هذا العصر.

وما ذلك على الله بعزيز. . .

بغداد

علي حيدر الركابي