مجلة الرسالة/العدد 974/رسالة الشعر

مجلة الرسالة/العدد 974/رسالة الشعر

ملاحظات: بتاريخ: 03 - 03 - 1952



تكريم صيدح بدمشق

(زار دمشق في خريف عام 1951 شاعر المهجر الكبير الأستاذ جورج صيدح فأقام له - النادي العربي بدمشق - حفلة (تكريمية) كبرى جمعت العدد الأكبر من شعراء دمشق وأدبائها وشبابها المثقف، وها هي ذي قصيدة الأستاذ أنور العطار التي حيا بها صديقه الشاعر الأستاذ جورج صيدح باسم دمشق، تتلوها قصيدة المحتفى به في حفلة تكريمه)

دارة العرب

فلسطين! يا دنيا المجادة والحب ... ويا مهبط الإلهام والحلم العذب

عليك سلام العرب يندى مواجعا ... ويشرب دمع العين غربا إلى غرب

تطوف بك الذكرى ويهفو لك الهوى ... كأني فيك الجسم خلوا من القلب

بنفسي وأهلي أرضها وسماءها ... ويا لهفي للسهل منها وللهضب

حننا إليها وهي ملء ضلوعنا ... كأن رؤاها حائمات على قرب

فديتك لم أمعنت في الهجر والقلى ... وعشت على صدر وأسرفت في العتب

ولم رحت لا تلوين إلا على النوى ... أمن أمل رحب إلى أمل نهب!

ديار الهوى لا زلت مخضرة المنى ... ترف على مغناك فينانة العشب

أراك بعين الحب طيفا مجسدا ... يقاسمني كربي ويغفر لي ذنبي

فهل لفنا الماضي خيالا على المدى ... وألفنا كالهدب يعلق بالهدب

أيا روضة الأحباب لولاك ما ارتوت ... جفوني، ولا روتك بالهاطل الصب

ولا طاف بي التذكار حلوا كأنما ... أعيش به في عالم مونق رحب

خيالك في عيني وذكراك في فمي ... وبي منك ما يغري المحب وما يصبي

لأنت هوى قلبي الذي مضه الهوى ... وعلله بالوصل كالعاشق الصب

وما غبت عن طرفي وإن بعد المدى ... ولكننا في الحب جنبا إلى جنب

وما ذكرتك النفس إلا تولهت ... وهيمها برح فباتت بلالب

وإن بتذكار الديار علالة ... تروح عنها ما تعاني من اللهب

يهيج جواها الشوق والشوق عاصف ... كأن على أنفاسه زفرة النحب فيا لك ذكرى ملؤها الوجد والأسى ... مضرجة الأعطاف بالنوح والندب

دهتك من الدنيا كوارث جمة ... وألقت بك الويلات في مزلق صعب

وما غير الأيام مهما تفاقمت ... بأعظم مما ذقت من فادح الخطب

أيغدو مطاف المجد نهبا مقسما ... ولا تغضب العرباء للنهب والسلب

وكانت إذا نابت ديارا أذلة ... تفجرت الأرواح بالسمر والقضب

حنانيك ربي ما ليعرب لم تفق ... وما خلقت إلا من الشب والهب

فما بالها إن هاجها البغي لم تهج ... وإن قرعت بالسب نامت على السب

أحقا توانت عن منازلة العدا ... أصدقا، وليت الصدق ضربا من الكذب

وهل غضب العادي ديار أحبتي ... وقرت نفوس العرب طوعا على الغضب

فصبرا على البلوى وإن جل أمرها ... وصبرا على الآلام والنوب الغلب

فقد ينجلي الليل الطويل عن السنا ... وتزدهر الأعواد في المهمه الجدب

ويمرع قفر عمه المحل والبلى ... كأنك منه في نماء وفي خصب

ويرجع وجه السلم جذلان ناظرا ... بحرب تلف الأرض بالطعن والضرب

إذا لم يكن في السلم خير ونعمة ... فما الخير إلا في ممارسة الحرب

فبعدا لمن قد عاش في الضعف والونى ... وتبا لعان لا يفيق من الرعب

إذا دهمته الداهمات تلجلجت ... به النفس وانهارت تقول له حسبي

ويا فوز من أسقى العدا أكؤس الردى ... ولم يعي بالأيام نكبا على نكب

يظل شديد البأس بالحق جاهرا ... ويختال في وشي المخيلة والعجب

يا حاديا إما تيممت أرضها ... فعرج عليها وانثر الزهر في الدرب

أمل أصحابي إذا مر ركبهم ... يرون بنثر الزهر ما يزدهي صحبي

وطوف رباع الخلد تطواف عاشق ... حسير الأماني وابك بالمدمع السكب

وغن الحمى حتى يروق لك الحمى ... وينصت مشتاقا إلى نغم الركب

أطل وقفة في الدار ولثم ترابها ... فمن حقها أن تلصق الخد بالترب

وناج دماء أهرقت في رحابها ... وسلسل لها وجدي وصور لها حبي

وقل يا دارا مضها لاعج الأسى ... وأسلمها الباغي إلى الهم والكرب أيا طول شجوى إن خلصت إلى العدا ... ولم ترجعي يا دارة العرب للعرب

ويا (صيدحا) أهدى فلسطين قلبه ... ورد الأذى عنها بمرقمه العضب

وقدم أغلى الشعر مهرا لنصرها ... وما شعره إلا من اللؤلؤ الرطب

إليك أودي بعض ما تستحقه ... رفيفا من التحنان والنغم العذب

وأنت جدير بالدراري فليتني ... أصوغ بياني من سنا الأنجم الشهب

ألست الذي ناجى الخلود بشعره ... ورفرف صداحا على الشرق والغرب

وعيتك في أذني نشيدا محببا ... تغلغل حلوا في السويداء من قلبي

أنور العطار