مجلة الرسالة/العدد 977/بعد عشرين قرنا

مجلة الرسالة/العدد 977/بعد عشرين قرنا

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 03 - 1952


ً

حضارة عربية تنكشف عنها الرمال

للأستاذ وندل فيلبس

رئيس البعثة الأثرية الأمريكية

كان الأمر على جانب من الخطورة، فالعربي في جنوب الجزيرة لا يتردد عن قتل من يسوق سيارة من سيارات النقل، إذا تصور أن تلك السيارة ستنتزع منه ومن بعيره رزقهما من نقل البضائع. لقد حذرونا قبل السفر بان يكون يقظين لأولئك الذين قد يتربصون لنا خلف الصخور.

إن اكتشاف الزيت في شمال الجزيرة العربية قد أزاح الإبل عن العمل في نقل البضائع إزاحة تامة. وهي بالنسبة لأصحاب الإبل نكبة اقتصادية فادحة. فليس في وسع القسم الأكبر من عرب جنوب الجزيرة شراء سيارات لنقل البضائع نظراً لفداحة اثمانها، دع عنك تكاليف صيانتها وحفظها، فالسيارات لا تستطيع العيش كما تعيش الإبل على الكلأ والأشواك، والسير يوماً بعد يوم من غير ماء. ولا أن تغدو طعاماً ووبراً للحياكة عندما ينتهي أمرها كحيوانات للنقل. ولذلك فإن النظام الجديد في عدن لا يستفيد منه سوى المقتدرين. أما أصحاب الإبل الذين لم يتأثروا بعد تأثراً يذكر بمزاحمة السيارات لهم فما زالوا مستعدين للكفاح في سبيل البقاء.

ولكن الخطر الأكبر في طريقنا كامن في الخلاف بين اليمن والإنكليز على الحدود، فقد جائني كتاب من المصادر اليمنية الرسمية قبل حين جاء فيه:

(يجب الالتفات إلى أن حوادث (العنف) التي تقع في المناطق الجنوبية من اليمن، قد أثارت الأهالي في تلك الناحية. بحيث قد يصبح السفر خطراً في بعض الأجزاء النائية منها).

وسرنا من عدن التي جئتها من لندن طائراً خلف سفينتنا، نغذ السير بمحاذاة ساحل حضر موت في القدم تبدو - كشأن الغجريات - جميلة على البعد. أما وقد اقتربنا منها، فإن الأبنية التي كانت تشرق في أشعة الشمس على حافة البحر الأزرق من بعيد، أخذت تبدو لنا الآن قائمة على القرب، والأبخرة العفنة المتصاعدة من أرجاء المدينة تزحم هواء البح النقي برواحها الكريهة.

وانساب نحونا، في كسل، بعض السفن العربية الهبيطة تدفعها مجاديف نوتينها من العرب. فابتدأت من تلك الساعة همتنا الشاقة في الاحتفاظ بسياراتنا على ظهرها حتى نصل بها إلى الساحل. إن ثبات هذه السفن الشراعية على وجه الماء كثبات الزوارق المصنوعة من لحاء الشجر، حتى لقد كدنا نفقد إحدى سياراتنا، فقد اندفعت على حين غرة من جانب السفينة إلى الجانب الآخر فقطعت الأمراس التي كانت تشدها، وبدأت تميل بالسفينة لو لم يتداركها أحدهم بحبل ثم رفعناها بالآلة الرافعة. وكانت الحواجز التي تحتم على ذلك النهار إزالتها من الطريق في الجمرك ابلغ خطراً. فقد كانت السلطات العدنية تدرس مشروعاً لشق الطرق في البلاد، فطلبوا منا المساهمة في تمويل المشروع لقاء السماح لنا بالدخول.

قلت موجها حديثي لجيهان خان الهندي، سكرتير المالية لحكومة المكلا: (لا بأس! فكم تريدون؟)

فأجاب بلغة إنكليزية فصيحة: (أعتقد أن 16 , 200 جنيهاً إنجليزية كافية).

فنظرت إلى رفيقي شارلس انجي وقلت: (معنى ذلك 50 , 000 دولار أمريكي إننا لا نملك هذا المبلغ، فما يريد أن يفعل به؟ أيريد أن يوفد بعثة أخرى من قبله بذلك المبلغ كله؟)

فضحك انجي، وتوصلنا بعد سيوعات إلى حل مرض، فإن حكومة المكلا يرضيها أن نقدم لها هراسة بخارية أو ممهدة للطرق. ومع ذلك فلم يكن لدى أي واحد منها في ذلك الحين. فقنع جيهان خان بتعهد كتابي مني. ويسعدني القول إنني استطعت تحقيق ما جاء في هذا الفصل بفضل هذا التعهد. ثم تشرفنا بعد الظهر من ذلك اليوم، وكان يوم الاحد، بزيارة صاحب السمو السر صالح صالح بن غالب القعيطي. سلطان الشحر والمكلا، وأكبر زعماء الجانب الشرقي من المحمية، فدعانا للعشاء على مائدته تلك الليلة. ولن أنسى ما حييت، وقوفي إلى جانب سموه اقدم له أفراد البعثة. إن السلطان شديد الاهتمام بالأمور المالية، وه يتكلم الإنكليزية ويؤلف في الفلسفة، والعلم، والدين، ويحب الأدوات الحديثة، وقد جهز قصره بالنور الفلوريسيني. وبمسجل للأصوات. ولما كنت جالساً بجانب سموه على مائدة الطعام، كان سؤاله الأول موجهاً إلي، وقد نزل على رأسي، فقد أراد أن يعرف، من بين الأشياء جميعها، الثقل النوعي لأحدث معدن تصنع منه الطائرات النفاثة، فهتفت: (بترى) محيلاً عليه السؤال، فهو وحده من بيننا على علم بمثل بهذه الأمور.

وابتدأنا بالسفر غداة يوم الاثنين 20 فبراير مبكرين، وعند الظهر اندفعت قافلتنا من بوابة المدينة وبدأت تتسلق المرتفعات متغلغلة في داخل البلاد.

كان طريقنا يتجه نحو الشمال إلى وادي حضر موت فوق سلسة من النجود العالية تسمى (الجول) ومن هناك نسير محاذين لطرف الصحراء الجنوبي حتى رملة الصباطين ثم نتجه غرباً حتى نصل إلى الطرف الجنوبي من وادي بيحان.

مدن تحت رمال الصحراء

إن رملة الصباطين بحر مثلث مترامي الأطراف من الرمال الصريحة، وترعرعت على سواحله الصخرية يوماً ما، ثلاث من ممالك جنوب الجزيرة العربية الأربع - معين في الشمال، وحضر موت في الشرق، وسبأ وقطبان من الجنوب. وقد قامت مدينة مأرب عاصمة سبأ في الزاوية الشمالية الغربية من هذه الأرض التي ليس لأحد سلطان عليها، كما قامت (تمنا) في الزاوية الجنوبية الغربية منها. وكلتا المدينتين الآن تحت الرمال التي تذروها الرياح في كل ناحية وصوب في الجزيرة العربية المعاصرة القليلة المياه.

منذ نهاية العصور الرومانية حوالي عام 500 قبل الميلاد عندما جاء الأحباش المسيحيون إلى حضر موت، ثم تلاهم المسلمون المتحمسون للقضاء على الوثنية، حتى عام 1920، لم يتعد عدد من زار حضر موت من الأوربيين ستة أشخاص، ولم يقدر لبعثة أمريكية منظمة قبلنا أن ترى حضر موت أو وادي بيحان النائي.

تبلغ مساحة حضر موت حوالي 400 ميلاً طولاً، ويحدها عدد من النجود المكونة من الحجارة الكلسية التي تعلو في السماء البيضاء الصافية آلافاً من الأقدام. إن حضر موت شحيحة الامطار، وعندما تمطر السماء فيها، فأنها تفرغ نعمها فوق الجبال، فتتجمع المياه هناك أولا على هيئة غدران فجداول فتصبح في النهاية سيولاً جارفة، تتدفق من أعلى الهضاب مدوية من الوديان كاسحة أمامها ما يقع في طريقها.

وكنا خلال اجتيازنا الجول المرتفع القارس في منتهى الحذر خوفاً من أولئك العرب الذين يكرهون سيارات النقل اشد الكره. . فكان مبارك عبد الله ضابط حرس القافلة. . يرتب سياراتنا كل ليلة على هيئة مربع مجوف كما تفعل طلائع الجيوش بسياراتها ومدافعها الرشاشة المتحركة.

لقد حسبنا في اليوم الثالث إننا مشرفون على الوقوع في المشاكل، فطريق السيارات في الجول لا يتسع لأكثر من سيارة واحدة، وكانا جانبا من الطريق مليئين بالصخور الصلدة العظيمة. كنت أسوق سيارة القيادة، وهي من نوع السيارات التي تستعمل في الاستكشافات الحربية، فشاهدت إمامي سحابة من الغبار ثم انجلت بعد حين عن سيارتين من سيارات مكافحة الجراد الذي يكثر في الجزيرة العربية. إنه يتدلى من الشجيرات كالعناقيد فيلتقطه العرب منها كالتوت، ويدسونه في أفواههم وهو لا يزال حياً يرفس برجله.

ووقفت السيارتان امامي، وقفز منها أربعة من العرب يتنكبون بنادقهم. كان الأستاذ (اولبرايت) معي فأمرونا بواسطته أن نخلي الطريق لهم من سياراتنا. فقلت لهم لني لا أرى ما يبرر إخراج 16 سيارة من الطريق من الجل سيارتين. فرفع أحدهم بندقيته، ومرت لحظة من الزمن كنت أسائل نفسي فيها: (أهذه هي النهاية؟) ثم سمعت مبارك عبد الله يقول بصوت مرتفع، وهو يقفز من سيارته وكانت قد توقفت في تلك اللحظة خاف سيارتنا.

(نح تلك البندقية جانباً) فانزل الرجل بندقيته، وقال: (من أنتم؟)

فأجابه مبارك: (أنا الضابط مبارك عبد الله. وإذا لم تتنحوا عن الطريق ألهبت رؤوسكم بالرصاص). فأطاع الرجال وتنحوا لنا عن الطريق بخفة.

عندما قتل ضيفه

إن لمبارك شهرة واسعة في حضر موت. فقد أرسل ذات مرة ضيفاً إلى إحدى حفلات الزواج في حي عمه، فقتل الضيف. فلما بلغ النبأ مباركاً، اشترى بندقية جديدة، ومقدار من الرصاص، وتوجه ليثأر لشرفه طبقاً لما تخوله التقاليد القبلية من الحقوق. وبعد سنة كاملة استطاع أن يريح ضميره مرة أخرى بعد ان قتل ثلاثة من أفراد عائلته كانوا مسئولين عن إراقة دم ضيفه.

كان مبارك يركب دائماً بجانب (جلادس)، ومع إنها كانت رائدتنا فطالما توارت عن أنظارنا عند منعطفات الطرق أو فوق التلاع. ولكني ما كنت اقلق عليها لوثوقي من سلامتها ما داو مبارك بجانبها على قيد الحياة. فقد كان شديد الإعحاب بقيادتها للسيارة.

فالعربي ينظر لمن يسوق سيارة أو يطير طيارة بالإعجاب والإكبار. و (جلادس) كانت هائلة سواء أمام عجلة السيارة أو قيادة الطائرة.

ففي غضون الرحلة التي قمت قبل سنتين منتدباً من جامعة كاليفورنيا كانت جلادس تقود سيارة من سيارات الحمل من القاهرة إلى مدينة الكلب وهي مسافة تقرب من 5000 ميل. وفي العامالمنصرم سجلت رقماً قياسياً في الشرق الأوسط بقيامها بست رحلات في غضون 10 أيام من القاهرة إلى جبل سينا. وقد رافقها (جيفرس كافري) السفير الأميركي في القاهرة في إحدى تلك الرحلات، فلم يستطع احتمالها، فإنها لتمرسها بالأسفار في الصحراء كانت تتغلب على ما يعترض سبيلها من العقبات، ومع ذلك فقد كانت عنايتها عظيمة بحيث لم ينفجر ولا إطار واحد من أطر السيارات أو ينكسر محور واحد في الطريق الصخرية إلى بيحان. وهي مهارة لم اكن أتوقعها.

كانت سيارتها تتقدم القافلة دائماً، بينما كنت انتقل في سيارة من سيارات الاستكشاف بين أضلاع الوديان ومتون الصخور، فقد كان تخصصي العلمي الأول هو الإحاثة فكانت تستهويني التشكيلات الجيولوجية الظاهرة العجيبة، وبعضها يعود إلى الزمن الذي لم تكن في الأرض سوى كرة صخرية جرداء تلفحها الرياح.

كنت في المقدمة عندما تراءت لنا (شيبام) مدينة الأبنية العالية والخصومات. فحينما بلغت سيارتي قمة إحدى الهضاب، وبدا منظر المدينة منبسطاً أمامي على حين غرة، كان الوقت ظاهراً والحرارة محرقة، حتى إن الإعياء كان قد اخذ مأخذه من حراسنا غلاظ الأجسام. كانت الصحراء ترقص أمام أنظارنا في بهر الشمس، وأبراج المدينة تبدو كأنها معلقة في الهواء العائم تشدها خيوط من الفضة فوق الرمال.

تسمى شيبام شيكاغو حضر موت، لا لسبب سوى إن ابنيتها أعلى ما في البلاد، فبعضها يعلو الأسوار التي تحيط بالمدينة وتحميها من هجمات قبائل الصحراء بـ9 أو 10 طبقات. والبلد قسمان: سكان المدن المستقرون، وسكان الصحراء المتنقلون.

وليس ما يمنع تلك الأبنية من المضي فبي الارتفاع سوى عدم سلامة الطين الذي يخلط بالقش (التبن) وبعر البعير، ويسلح بدعائم من الخشب. فإن العلو زيادة في الاحتراس وليس من الضروري لرخص مواد البناء في شيبان. فكلما عشت مرتفعاً بالمعنى المادي، سبقت في رؤية اقتراب الأعداء.

لقد سمعت قصصاً عن شيبام وهي من افظع ما شهدته بلاد العرب من الميادين الحربية الدامية، فقد كانت ميداناً للكفاح من اجل السيطرة استمر قرناً كاملاً بين قبلتين عربيتين كبيرتين هما القعيطيون الذين انتصروا في النهاية، والكثيرون الذين فقدوا السلطة هناك. وهذا طرف من تلك القصص:

لسبب لا نعرفه الآن أجاز السلطان منصور حاكم شيبام الكثيري سنة 1830 للقعيطيين شراء قسم كبير من أملاك المدينة، فلما استقر بهم المقام ساءت نية منصور واخذ ينظر إلى الطارئين الجدد كمعتدين، وبدأ يعمل فيهم السيف. هذه هي البداية. ثم ارتحل قسم من الكثيرين وعادوا بجيش اضطر معه منصور في النهاية إلى تقسيم شيبام بينه وبين الكثيرين.

واستمر الهدوء حيناً من الزمان حتى بدأ منصور، الحول القلب الذي لا يستقر على حال يتطلع للقتال، فسولت له نفسه أن يمكر بالقعيطيين فيدعو ثلاثمائة من كبارهم إلى العشاء. وكان البارود من ضمن الطعام. واكن الخدعة لم تنطل على أحد. فإن الثلاثمائة قعيطي الذين كان يرمي إلى استأصالهم، جاءوا مع عدد كبير من الأتباع اكبر مما كان يقدر. فعاد الكفاح سيرته الأولى من جديد. ودارت الدائرة في النهاية عليه، فشق حلقه من الأذن إلى الأذن، وابتدأ من ذلك الحين استئصال لما بقي من الكثيريين في المقاطعة في تعميم وروية، من غير رحمة أو شفقة، حتى كادوا يفنون عن بكرة أبيهم، إلى أن جاء ما يسمى بصلح أنغرام قبل بضع سنين فوضع الإنكليز به حداً للقتال المنظم. لم يكن المرء ليأمن على نفسه بأن يمشي أو يركب منفرداً في شيبام نهاراً. وكان بيت كل إنسان حصنه. وإذا كنت فقيراً فانك تقتل أعداءك بنفسك. أما إذا كنت غنياً فانك تستأجر من يتولى قتلهم عنك. وكان القتلة دائماً ينالون جزائهم أما مالاً أو قتلاً، وأحيانا مالاً وقتلاً. وعندما يصل إفناء عائلة من العائلات حداً بعيداً، فإن المغلوبين يحاولون عادةحسم الأمور بينهم وبين المنتصرين، فيهيئون وليمة كبيرة، وكجزء من الوليمة يحاولون الاتفاق على تأدية ديات القتلى، وبذلك تذوب في بعض الأحيان ثروات بعض العائلات قبل أن يتم تسديد الديات.

وبالرغم من وجود مبارك الذي يتولى حمايتنا أثناء رحلتنا إلى بيحان، فقد انتابني فزع شديد ذات يوم مرتين. الأولى بسبب جلادس، وبعد ذلك مباشرة بسبب البعثة كلها. كنا قد تجاوزنا شيبام، ووصلنا إلى قلعة منفردة في بئر عسكر. وكان علينا أن نقضي الليل هناك.

وبينما كنا نغادر سيارتنا، التف حول جلادس ما يقارب عشرين امرأة كن قد جئن بإبل القبيلة إلى بئر عسكر. فأخذن في شد مئزر جلادس الغريب الهيئة الأبيض الفضفاض، وهن يتدافعن للاقتراب منها. فأفزعني تدافعهن، ولكني عندما هرعت نحوها ارتحت لما لاحظت إنهن كن لطيفات، وان فضولهن كان ودياً بالرغم من خشونته. وكانت جلادس في أول الأمر تبدو مندهشة، ولكنها أخذت تضحك بعد ذلك، فأخذن في الابتعاد عنها نوعاً ما، وهن يؤلفن حولها حلقة متراصة، وتكز إحداهن الأخرى ويتطلعن اليها ويتهاتفن على ذات الشعر الذهبي.

ثم ارتفع على حين غرة صوت إطلاق الرصاص ناحية حضر موت الرملي. إنه العلامة المتوقعة للخطر الذي كنا في انتظاره منذ ان غادرنا المكلا، فتطلعت عجلا نحو مصدر الصوت ثم أسرعت إلى بندقيتي لأني استطعت إن أشاهدعلى البعد سحابة من الغبار وفي وسطها دون شك بعض الرجال الأشداء على ظهور إبلهم.

ع. ت

(الرسالة)

نقلت شركات البرق إن الأستاذ وندل فيلبس كاتب هذا المقال قد فر هو وبعثته من اليمن إلى عدن. وظل فرار هذه البعثة حديث الناس في كل مكان، يظنون فيه الظنون، ويتلمسون له الأسباب. وقد قال مكاتب (المصري) في عدن من رسالة بعث بها إلى جريدته في الخامس عشر من هذا الشهر: (قمت بتحري الأسباب التي حملت حكومة جلالة ملك اليمن على أبعاد هذه البعثة فعلمت ان ذلك يرجع إلى إن الحكومة اليمنية كانت قد سمحت لهذه البعثة الأمريكية بالتنقيب عن الآثار في منطقة مأرب وغيرها من البلاد اليمنية بموجب اتفاقية عقدت بين الطرفين أهم بنودها أن تكون جميع الآثار التي تعثر عليها البعثة ملكاً لحكومة اليمن التي ساهمت بمبالغ كبيرة في هذا المشروع العلمي الجليل. وقد بدأت البعثة عملها بعد أن وقعت على الاتفاقية بتاريخ 16 أبريل سنة 1951 ونجحت في العثور على آثار عظيمة. ولما أوشكت مدة الاتفاقية أن تنتهي طلب رئيس البعثة من الحكومة اليمنية أن يستمر في العمل واعداً بتلافي الأخطاء التي ارتكبها أعضاء بعثته لجهلهم بتقاليد أهل البلاد وعاداتهم. وفي الوقت الذي كان يفاوض فيه الحكومة اليمنية اعتقل البوليس اليمني عدداً من أفراد البعثة بعد منصف الليل وهم يهمون بمغادرة اليمن حاملين معهم كثيراً من التحف الأثرية والتماثيل، فقررت حكومة الأمام على أثر ذلك عدم تجديد الاتفاقية وأبعدت البعثة عن اليمن.

وقد اكتشفت أخيرا إن بعض إفراد البعثة قد نجحوا في سرقة تمثال بلقيس ملكة سبأ وهو يعتبر من التحف الأثرية النادرة.

وقد علمت إن الدوائر الرسمية في اليمن تعد تقريراً شاملاً لترفعه إلى حكومة الولايات المتحدة لإعادة هذه الأثر العظيم إلى موطنه الأصلي)