مجلة الرسالة/العدد 980/قرية الأدباء

مجلة الرسالة/العدد 980/قرية الأدباء

ملاحظات: بتاريخ: 14 - 04 - 1952



للأستاذ أحمد أحمد العجمي

في كل بلد من بلاد العالم بيئة أدبية تختلف قوة وضعفاً ورقياً وانحطاطاً تبعاً للعوامل المؤثرة في الاتجاهات الفنية حينا بعد حين. ولا تكاد تخلو مدينة أو قرية في كل قطر من فرد أو أفراد شاركوا في الحياة الأدبية بنصيب، وأثروا في النهضة الفنية أو تأثروا بها على أقل تقدير.

من هذه البلاد المصرية التي لها يمض الفضل في إيقاظ الحركة الأدبية في العصر الحديث، بلد ريفي جميل، يجمع بين مزايا المدن وسمات الريف الوريف، لحسن موقعه شرقي نهر النيل، ولكثرة مدارسه وذيوع أسماء كثير من أبنائه الأدباء، هذا البلد، أو هذه المدينة هي (كوم النور) إحدى بلاد إقليم الدقهلية الخصيب.

أول من أذكره من علمائها وأدبائها وشعرائها الأفذاذ المرحوم الشيخ سيد خليل؛ ولقد كان لهذا العالم المتصوف والأديب الشاعر الكبير الفضل الأول على أبناء كوم النور في نهضتها الأخيرة. كان يميل إلى طريقة عمر بن الفارض في الشعر، وإلى طريقة محي الدين بن عربي في التصوف وعلوم الدين، وله أشعار كثيرة مطبوعة وكتب دينية وأدبية مخطوطة أشهرها تفسيره القيم للقرآن الكريم. وكانت له مجلة شهرية أسمها (التذكرة) يصدرها ويحررها بمقالات عظيمة في الأدب والدين والاجتماع.

وقد كان للشيخ سيد (زاوية) يذكر فيها مع أتباعه ومريديه وما تزال إلى الآن؛ وقد آلت رئاستها إلى الأستاذ محمد محمد عبده من فضلاء أدباء كوم النور بعد وفاة رئيسها السابق الأستاذ محمد المتولي هاشم رحمه الله. هذه الزاوية هي الركن الركين لتلاميذ الشيخ سيد، تخرج عليه فيها، وعلى كتبه ودواوينه من بعده جم غفير، منهم أبنه الأستاذ فؤاد السيد خليل، وهو معروف للقراء بشعره ونثره الرصين. ومن شعراء هذه المدرسة الأستاذ عبد العزيز محمد خليل، أحد أفذاذ شعراء دار العلوم ورائد الرعيل الأول من أدباء كوم النور، وفي شعره العذب مزيج من تأثيره بطريقة الشيخ سيد خليل وميل إلى التجديد والتحرر من قيود القديم؛ وشعره يجمع بين الرقة والجزالة في أسلوب عربي متين.

ومنهم الأستاذ محمود عبد المعطي خليل تأثر بالشيخ سيد في الناحية الوصفية حتى غلبت عليه، وغطت النزعة الأدبية فيه، فترك الشعر بعد أن قطع فيه مرحلة واسعة والأستاذ محمد عبد الباري البدري خليفة الشيخ في الورع والتصوف والتبحر في علوم الدين.

ومن أعلام كوم النور وعلمائها البارزين المرحوم الشيخ محمد سليمان عنارة نائب المحكمة العليا الشرعية السابق، وهو كاتب عذب الأسلوب رقيق الحاشية، كتب وخطب وألف وصنف كثيراً من الكتب الأدبية والدينية. ولا ينسى الناس معارضته الشديدة الموفقة لترجمة القرآن الكريم، حتى ألف فيها كتابه القيم (حدث الأحداث ترجمة القرآن الكريم) وكانت له ندوة أدبية في منزله يغشاها الزعماء والوزراء وقادة الرأي يملك الشيخ فيها ناصية الحديث.

ومن علماء كوم النور الراسخين في العلم المرحوم الشيخ عبد العزيز عبد الفتاح خليل المدرس السابق بدار العلوم، كان أحد المتبحرين في علوم الدين، وكان متصوفاً يجنح إلى العزلة ويميل إلى الخشوع.

وفي طليعة علماء اللغة بكوم النور، المرحوم الشيخ عبد الخالق عمر بك. كان حجة في النحو والصرف، ضليعاً بالدقائق والمشكلات والبحوث اللغوية، تولى تدريس اللغة العربية بكثير من المعاهد العالية.

ومن الأعلام البارزة في كوم النور الأستاذ الكبير عبد الحميد السيد أحد كبار رجال التربية والتعليم في وزارة المعارف، وإلى ثقافته الواسعة وأياديه الجليلة على العلم والتعليم يرجع الفضل في شؤون اللغة العربية بالتعليم الثانوي والتعليم الابتدائي.

وإذا كان الشعر هو العنصر الأول في كل بيئة أدبية، فقد عرف به عدد كبير من أبناء كوم النور، منهم هؤلاء الشعراء الأساتذة: محمد سلامة مصطفى وهلال شتا وأحمد البدري وإبراهيم الزين وعباس مصطفى ومحمد هلال ومحمد عبد الخالق ندى وإبراهيم البدري والسيد يوسف جودة وعبد العزيز العجمي ومحمد زيادة ومحمد عمر هاشم وهلال الفيشاوي ومحمد شحاتة وأبو رجيلة وسليمان العزب ومحمود سعيد ندى.

ومن الطرائف اللطيفة أن الشاعر محمد سلامة مصطفى - هو معروف للقراء - كأنما ورث الشعر وراثة عجيبة عن أبيه وجده لأمه، فهم جميعاً شعراء، وقد قلت في ذلك:

وراثة الفن الرفيع الباهر معجزة تحققت للناظر

على يدي (سلامة) المغامر

الشاعر أبن الشاعر أبن الشاعر

ويمتاز الشاعر هلال شتا بكتابة القصص الطريفة، وله مجموعة قصصية مطبوعة منذ سنوات.

ومن الزجالين المعروفين بكرم النور، الأستاذ عبد الحي حمام، وهو ينشر أزجاله السياسية والاجتماعية في مجلة (الشباب) التي يصدرها صديقنا الأديب الكبير الأستاذ محمد مصطفى حمام، ومنهم الأستاذ عبد الفتاح العجمي والأستاذ العوضي جودة.

ومن الخطباء الممتازين بكوم النور الأستاذ محمد عبد الله أبو عيسى، وله قدرة عجيبة على الارتجال البليغ تستحق الثناء والإعجاب، والأستاذ محمد يوسف جودة وهو ينفذ إلى أعماق القلوب، والأستاذ مصطفى داود من كبار المربين.

ومن الصحفيين المعروفين بكوم النور الأستاذ علي عامر رحمه الله، أشتغل بالتحرير في كثير من الصحف والمجلات الراقية، وكانت له شهرة واسعة بالإجادة في كل ما يتصل بالأزهر والأزهريين؛ وقد أقيم له حفل تأبين كبير بدار الشبان المسلمين.

ومن الصحفيين النابهين الأستاذ أمين سلامة عضو نقابة الصحفيين، والأستاذ أحمد فتحي عبد العزيز خليل وهو يصدر صحيفة لطيفة صيفية بكوم النور.

وفي كوم النور عدد ضخم من المثقفين ثقافة ممتازة، كالدكتور الشاذلي محمد الشاذلي المتخرج في أرقى جامعات لندن، ويلقبه إخوانه الظرفاء: والدكتور إبراهيم عبد الشافي الشربيني والأساتذة محمد عبد المنعم سلامة المدرس بكلية التجارة وعصام محمد سليمان وهو كاتب ومؤلف معروف ومحمد المتوكل عبد الله وحامد عبد المجيد عويس وعبد المنعم شعيب أحد المبحرين في الأدب والدين والقانون وعلي خليل وحامد السيد خليل وتوفيق أحمد علي وعلي البداري جابر (مؤرخ كوم النور وحافظ شجرة الأنساب)!!

وقد تفضل بزيارة كوم النور كثير من الشعراء والأدباء منهم الأساتذة أحمد مخيمر وتوفيق عوضي أباظة ومحمد الصادق مسعود وعبد العزيز السعدني ومحمد رجب البيومي وأحمد نار ومحمد أحمد السنهوتي. وزارها من قبل الخديو عباس حلمي الثاني وقال فيها كلمته المشهورة (زرت قرى في أوربا قرية قرية، فلم أجد فيها مثل قرية كوم النور)

ومن أبناء كوم النور، كاتب هذه السطور:

أحمد أحمد العجمي