مجلة الرسالة/العدد 987/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 987/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 987
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 02 - 06 - 1952



سلسلة رسائل الإمام الغزالي

وقعت في يدي خلال الأيام القريبة السابقة رسالة صغيرة عنوانها (التوبة بعد الذنب للإمام الغزالي رضي الله عنه) وفي مقدمتها كتب الناشر أنه يقدم رسائل الإمام الغزالي التي تقع في حوالي ثلاثين رسالة، وأنه قد عثر على الأصل مخطوطا في مكتبة قرطجنة بإسبانيا بعد أن تحمل في الحصول عليها مشقة كبيرة. . .

وما إن قرأت هذا الكلام حتى أخذ مني العجب مأخذا، فما كنت أعتقد أن الاستخفاف بالأمانة العلمية يحدو بإنسان كائنا من كان أن يعبث بعلم رجل كالإمام الغزالي، ويقدم للناس منه زادا غثا، وقدرا ركيكا مضطربا، مدعيا أن هذا وذاك بضاعة الإمام الحجة، ومدعيا مرة أخرى أنه عثر عليها في مخطوطات بمكتبة قرطجنة في إسبانيا. بعد أن تحمل في سبيل الحصول عليها مشقة كبرى. .

ولست أدري ما الذي يحمله على أن يتحمل مشاق السفر إلى إسبانيا، ويتكبد النفقات الباهظة وغيرها، ورسالته الأولى هذه موجودة في الجزء الرابع من كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، وقد كان في استطاعته وهو في بيته أن ينقل منه رسالته المزعومة، دون أن يضطر الإبهام والتغرير إلى التحوير والتغيير والعبث بالمقدسات العلمية. .؟

أتخذ الناشر المصطنع عناوين لرسالته المزعومة، هي نفس العناوين الموجودة في الجزء الرابع من إحياء علوم الدين ومن كتاب التوبة وهو الأول من ربع المنجيات، مع التحوير والتبديل، فالعنوان الأول في رسالته هو (حقيقة التوبة) وفي كتاب الإحياء الطبعة العثمانية (بيان حقيقة التوبة وحدها) ص 3، وعنوان الرسالة الثاني (بيان وجوب التوبة وفضلها) وفي الإحياء نفس العنوان ص 4، وعنوان الرسالة الثالث (وجوب التوبة على الفور وعلى الدوام) وفي الأحياء (بيان أن وجوب التوبة على الفور) ص 7، وعنوان الرسالة الرابع (بيان أن التوبة الصحيحة مقبولة) وفي الإحياء (بيان أن التوبة إذا استجمعت شرائطها فهي مقبولة لا محالة) ص (11)، وعنوان الرسالة الخامس (بيان ما تكون عنه التوبة وهي الذنوب) وفي الإحياء (الركن الثاني فيما عنه التوبة وهي الذنوب صغائرها وكبائرها) ص 14، وعنوانها السادس (انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر) وفي الإحياء (بيان أقسام الذنوب بالإضافة إلى صفات العبد) ص 14. . . وهكذا. . .

ولم يستطع الناشر المصطنع أن يجعل رسالته خاصة بموضوع التوبة، فتراه قد ألحق به موضوعا آخر هو موضوع الصبر والشكر، وكما عاث فسادا في نقل باب التوبة عاث فسادا أيضاً في نقل باب الصبر والشكر، وكأنه يلهو في ميدان لا فرسان فيه، والغريب أن الناشر المصطنع لم يتحر ذرة من الأمانة في النقل مما جعل علم الإمام الحجة ركيكا مضطربا يسئ إلى قدره، ويظهر أن مهمته كانت قاصرة على التجارة الهزيلة ولو على حساب الأئمة من العلماء. . .

وبعد. . . فمتى توجد الرقابة القوية التي تعمل على صوت المقدسات العلمية، وتضرب بيد من حديد على أيدي اللهاة العابثين بها. . حتى يبقى للعلم جلاله وقدسيته؟!

محمد عبد الله السمان

حول معنى (الأساطير)

انشرح صدري ليقظة الأستاذ (سلامة خاطر) الناقدة حينما قرأت ما كتبه في عدد الرسالة (984 ص 542) نافيا عن القرآن الأساطير، راجيا أن يكون الأستاذ توفيق الحكيم في إثباتها للقرآن راميا إلى معنى آخر غير المعنى المفهوم من الأساطير.

والحق الذي ينصره البحث العلمي الدقيق في منهجه الحديث هو أن الكلمات والعبارات تختلف مدلولاتها باختلاف الزمن وتطوره، فإذا أراد أديب أن يكتب أو يبحث فليجعل في حسابه فرق الزمن في تطور مدلول العبارة أو الكلمة.

وهذا أمر تدعو الحكمة (الحكيم) في كتابه (فن لأدب) أن يلحظ قدسية القرآن، فينزهه عن الشبهة، بل هذا خطأ منهجي يغفره أن نلحظ ما عناه القرآن الكريم نفسه من كلمة (أساطير) وأن ننوه عن حياة هذه الكلمة في مدارج التاريخ.

إن القرآن يريد بالأساطير في جميع آياته التي حكي بها شبهة المنكرين الصادين عن سبيل الله - يريد بها: الخرافات والأباطيل، والكذب والأضاليل. وجل القرآن أن يوصف بشيء من ذلك فليس فيه أساطير، وإذا أراد كاتب أن يصف قصصه فلينزل عند اصطلاح القرآن حتى يكون صادقا في التعبير عنه، معطيا للحق المنهجي قسطه كاملا غير منقوص، مراعيا روح عصر التنزيل،. لقد سمى القرآن الأساطير لهو الحديث في سورة لقمان: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله، ويتخذها هزوا).

وقد نهى الصحابة عن التعلق بها. . فقد ذكر المفسرون أن بعضهم كان يقرأ في (اسفنديار) فأنزل الله الآية: (أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن هو ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون) (سورة العنكبوت)

فإذا تحدثنا عن الفهم الصحيح لأي كلمة فلنتبع الطريقة التاريخية في الدرس، وبذلك نرتفع في بحوثنا الأدبية والعلمية، فوق الشبهات. إن كلمة من الكلمات (الرأي - التحريم - الكراهة - القياس) قد تباين مدلولها على مر الزمن في تاريخ الحياة الفقهية، عرف ذلك من عرك ميادينها.

وإن كل كلمة من الكلمات (الإعراب - النحو - الرفع - النصب - الجزم. . .) قد اختلف مدلولها في مدارج الزمن في حياة (النحو العربي) سبر غوره من مرن على (فناقله).

وإن كل كلمة من الكلمات (أدب - علم - فن) قد تباعد مدلولها القديم عن مدلولها الحديث في حياة العلوم والفنون، وإنه لا يتسنى لباحث في أية مادة عليمة أو فنية أن يكون دقيقا إلا إذا رعى هذا التطور التاريخي لمدلول الكلمات فيما يكتب أو يحرر.

فإذا قصد (الحكيم) بالأساطير معناها الفني المعاصر أو يحرر معناها القديم الغابر، فإنه - عندي - على كل حال ملوم.

إن قصص القرآن حق: (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق) (سورة البقرة) - هو فكرة: (فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) (سورة الأعراف) - وهو عبرة: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفتري ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون). (آخر يوسف).

وهو بذلك تثبيت لأفئدة المؤمنين.

فكيف تلتقي قصصه - وتلك حالته - بالأساطير!. اللهم غفرا.

محمد إسماعيل الشلبي

دار. العلوم سرني دفاع الأديب اللبيب محمود محمد السالم عن دار العلوم مع أنها لم تكن متهمة ولا مظلومة في كلمتي عن شعراء الشباب بالعدد الأسبق من الرسالة، وأنا أقر الأديب على رأيه الصحيح في الشعر الشعراء، وأشكره على ثنائه العاطر، ولكن الشيء الوحيد الذي أخالفه فيه، هو أن في الاستطاعة أن يحصي الناقد خمسة عشر شاعرا من أبناء دار العلوم أيام أن كانت مدرسة، أما بعد أ، صارت كلية جامعية، فهل يستطيع أحد أن يحصي لنا شاعرا أو اثنين؟ مع الاعتراف الكامل بمستوى دار العلوم الأدبي الرفيع في كلا العهدين.

أحمد أحمد العجمي