مجلة الرسالة/العدد 993/الكتب
مجلة الرسالة/العدد 993/الكتب
دواوين الشعراء الستة الجاهليين
شرح الأستاذ عبد المتعال الصعيدي وتنسيقه
نشر مكتبة القاهرة سنة 1952. ص 376 من القطع المتوسط
الدكتور زكي المحاسني
عناية الأدباء المحدثين بأدب لغتهم القديم دليل على أصالة ذلك الأدب. وأيما أمة أطرحت أصول أدبها فإنما هي قد جزت جذورها، وأنكرت أنسابها، فضاعت بين سمع الأرض وبصرها. وما شيء كان أجدر بالعناية في أدبنا العربي من الشعر الجاهلي، لأن فيه نبعة التراث الروحي لأدب الأمة العربية. وهذا سر عكوف الأقدمين على دراسة هذا الشعر يجمعونه ويمحصون فيه، ويروون قصائده، ويروقون رواياتها. ولقد عاق التلهف على دراسة الشعر الجاهلي في الفترة الحديثة ما طلع به بعض الأدباء من إنكار لصحة هذا الشعر، وما زعم الزاعمون من أن هذا الإنكار مرده دراسات لبعض المستشرقين. وإن الصواب الذي لا أرتاب فيه أن هذا الشك ذاته قد سبق الناس إليه الأصمعي وقد بان لي أن من عند الأصمعي كان مولد هذا الشك حين اختلفت لديه أبواب الرواية في الشعر الجاهلي، واضطراب الأسانيد في بعض أنحائه. وقد ترك السبيل مفتوحة أمام ذوى الشك في الأدب خلو النصوص الجاهلية للشعر من التقييد الحجري. فلو أن شعراء المعلقات بديلاً من أن تكتب لهم معلقاتهم على رقاق الغزلان بماء الذهب وتعلق على الكعبة قد نقشوها في الحجارة، لما تركوا سبيلاً لذلك الشك والارتياب الذي كدر علينا في فسحة من الزمن
نقاء الشعر الجاهلي
إن الدكتور طه حسين حين أنكر الشعر الجاهلي سنة 1926 كان كمن جاء إلى أسرة فيها الزوج الوقور والأم الحنون والولد المطيع، وهم جميعاً في خير وطمأنينة، فقال للأبوين أن ابنكما هذا مدخول النسب. قالها قولة جارفة فأقض على الأسرة مضاجعها، وهدم بناءها. ولم تكن أداته أكثر من شك وارتياب. ومن المحمود للدكتور طه حسين بعد ذلك أنه اعتلى منبراً في جامعة فؤاد الأول سنة 1945 سمعته وشهدته يقول من فوقه فيدلى باعترافات أدبية جديدة في أنساب الشعر الجاهلي الذي صح عنده أنه يمثل في تاريخنا الأدبي أدبا كلاسيكيا قديما. وقد أمسك بيده الأستاذ الفاضل عبد الوهاب حمودة قبل أن يغادر ذلك المنبر وصاح في الناس أيها الجامعيون أن طه حسين الذي أنكر الشعر الجاهلي يعترف به اليوم يرد إليه اعتباره.
هذه خواطر دارت بفكري وأنا أقلب كتابا حديثا فيه دواوين الشعراء الستة الجاهليين شرحه ورتبه صديقنا الأستاذ الجليل عبد المتعال الصعيدي. ومن المقطوع به أن يكون بدء الكلام على امرئ القيس وختامه على عنترة. وقد نسب شرح هذه الدواوين في أصلها إلى ثلاثة من علماء الأدب القديم أشهرهم الأعلم الشمنتري من سانتا ماريا بالأندلس. وفي عصرنا تناول هذه الدواوين بالشرح أحد فضلاء العلم في جامعة فؤاد الأول هو الأستاذ مصطفى السقا. حتى إذا حانت عناية الأستاذ عبد المتعال الصعيدي. ومن المقطوع به أن يكون بدء الكلام على امرئ القيس وختامه على عنترة. وقد نسب شرح هذه الدواوين في أصلها إلى ثلاثة من علماء الأدب القديم أشهرهم الأعلم الشنتمرى من سانتا ماريا بالأندلس. وفي عصرنا تناول هذه الدواوين بالشرح أحد فضلاء العلم في جامعة فؤاد الأول هو الأستاذ مصطفى السقا. حتى إذا حانت عناية الأستاذ عبد المتعال الصعيدي بالشعر الجاهلي أخرج هذا الكتاب بطبعة جديدة تضم هذه الدواوين بتناول ميسور. وعنى بشرحها على صورة موجزة كثيرة الجدوى. فهو يعطيك في معنى البيت على استغلاق وجهه وغرابة لفظه، شرحا موفيا للغرض من أقرب سبيل. وقد قدم لكل شاعر من هؤلاء الستة وهم امرؤ القيس فعلقمة فطرفة فالنابغة الذبياني فزهير فعنترة بنبذ يسيرة مكثفة، ألم فيها بتاريخ الحياة ثم بلمحات ثابتة في دراسة الشعر وتحقيق الرواية. والذي كنت أتمناه عليه، وقد يكون مطلوبا منه صنعه، أن يكون قد كتب لهذه الدواوين مقدمة، وإنما كتب تقديما في سطور. فهو لم يذكر رأيه في الشعر الجاهلي، ولم يتناول قضية هذا الشعر، وقد شغلت الناس زمنا في القديم وفي الحديث. كما لم يفضل شاعر على شاعر وإنما قصر همه على الشرح وحده. وذلك ضرب من ضروب التأليف الذي عرف في عصرنا الحديث ولدى الأقدمين، وقل شبيهه في الأدب عند الغربيين. فليس شائعا عندهم نشر ديوان للشعر ديوان للشعر مقصور على الشرح لألفاظه، وإنما لديهم الناشرون من الأدباء الذين يكثر تناولهم الدواوين بالدراسة والتعليق مع الشرح والتفسير، وقد تعذر الأقدمين منا والمحدثين في هذا الضرب من التأليف إذ المعول فيه على إبراز النصوص القديمة كما جاءت دون التقول فيها. وهذا مذهب أدبي له دعاته. فللنصوص القديمة حرمة لا ينبغي أن تمس بتقويل.
والقصد الذي ينبغي أن يدكه دارسوا هذه الدواوين هو الوقوف على صحيح معانيها لتمثل الشعر الجاهلي واهتضمامه في الفكر والإحساس. وحين يقنع المتأدبون المحدثون أن الرجعة إلى الشعر الجاهلي هي قوام الأدب العربي كله، وأن صفاء ذلك الشعر ونقاء معانيه هو الشعاع الأول الذي ينبغي أن تستمد منه كل روح في كل شعر عربي؛ فقد حملوا رسالة الأدب لا في العصر الحديث فحسب؛ وإنما في سائر العصور الأدبية التي توالت على العرب. وإني لأعد الشعر الجاهلي ضمان لغة العرب في الشعر، وناظم روحها الأصيلة مهما تجدد الأدب، وتطور الشعر والأستاذ الكبير عبد المتعال الصعيدي إلى إكبابه على التأليف في الموضوعات الدينية والأدبية التي اتسمت بالدقة والإحكام جدير بالثناء على جهده الذي بذله في شرح دواوين الشعراء الجاهليين وعنايته بتبسيط المعاني للطلاب خاصة وللقراء عامة
زكى المحاسني