مجلة الرسالة/العدد 993/تبعات السينما في حياتنا الاجتماعية

مجلة الرسالة/العدد 993/تبعات السينما في حياتنا الاجتماعية

مجلة الرسالة - العدد 993
تبعات السينما في حياتنا الاجتماعية
ملاحظات: بتاريخ: 14 - 07 - 1952



للأستاذ أنور الجندي

استفاضت المجلات الأوربية في الأسابيع الأخيرة في الحديث عن السينما والأفلام التي تعرضها، وكان الحديث هذه المرة جد غاية الجد، انطوى على تقدير ومراجعة العوامل التي تصيب المجتمع نتيجة لموضوعات هذه الأفلام.

وكانت الصحف الفرنسية الأسبوعية أكثر الصحف شغلاً لهذه الآثار الاجتماعية والاخلاقية، وتطرق الحديث إلى الشباب والشابات قبل سن المراهقة وأبانها، ومدى أثر الأفلام وموضوعاتها في شخصيته وكيانه، ونتائج الهامة المترتبة على ذلك في محيط الحياة العامة

وكانت إحدى المجلات الفرنسية قد قامت باستفتاء ضخم منذ عدة شهور في موضوع (السينما والشباب)، وتدفع إلى المعصية والخطيئة والإجرام.

وقدمت صحف أخرى إحصاءات ظهر منها أن 90 % من الأفلام المعروضة تنطوي قصصها على القتل والإجرام والاختلاس والإغراء والزنى والنصب والاحتيال.

وبذلك أصبح موضوع النتائج الاجتماعية للسينما والأفلام من الموضوعات الجديرة بالاهتمام في مصر، بعد أن لقيت مثل هذه الرعاية في البلاد الأوربية التي ابتدعت هذا الفن.

ولاشك أننا في الشرق قد بدئنا نحس مدى الخطر الضخم الذي يجتاح المجتمع نتيجة للأفلام المعروضة، والتي لا هدف لها ولا سياسة ثابتة توجهها.

وكان من الضروري - والفلم جزء من الثقافة العالمية - أن يشغل أمره بال المصلحين والكتاب والباحثين

ولست أشك لحظة في أن عنصر التسلية والمتعة، والخروج من النفس والجد، هو أبرز ما يهدف إليه القائمون على العمل السينمائي، غير أن ذلك لا يحول مطلقاً دون تقدير المدى الذي تستطيع أن تهضمه عقليات المراهقين والشبان والفتيات، مما له أبعد الأثر في تكوين السلوك الفردي والعقد النفسية.

وإذا كانت الشاشة تستجيب لرغبات الجماهير - في بعض الأحيان ألا أنه من الممكن اليسير أن يحاط ذلك بقيود تهدف إلى المحافظة على قواعد الخلق وتقاليد المجتمع.

ولسنا نطمع في أن تكون الشاشة موجهة مؤثرة منافحة عن المثل العليا في الخلق، أو عن الأمجاد الرفيعة المستمدة من التاريخ والماضي، ولكنا نريدها على أقل تقدير كريمة وطنية بحيث لا تطغى عليها الناحية المادية التجارية التي يحرص عليها الممولون، فتكون هدفها الأول والأخير

ويبقى أن كتابة القصة السينمائية وحبكتها الفنية، وبراعة عرضها، كل هذا كفيل بأن يكسبها أكبر عدد من المعجبين، ويدر على أصحابها الربح بصرف النظر عن العوامل المصطنعة التي يغرى بها فريق قليل من النظارة

وأنا لنرجو أن تنال هذه الصيحات الأوربية اهتمام المشرفين على السينما في مصر فيحرص على أن يتفادوا الآثار النفسية الإجرامية أو الآثمة، وأن يحولوا دون كل ما من شأنه إبراز معنى الغواية، وهي خطيرة الأثر على الشاب والشابة المراهقين.

وأنا لنرجو أن يتسع الميدان أمام العاملين، فلا يقصر عن المعاني الضيقة والأوهام والشهوات بعد أن خطت الأفلام الغربية خطواتها في مضمار الثقافة والتوجيه، وعرفت بأنها جميعها بلا استثناء تحمل فكرة معينة مدروسة.

وإذا كان الأوربيون اليوم يدرسون تبعات السينما وأثارها الخطيرة في المجتمع، فنحن أولى - ونحن نجري وراءهم دائماً - أن نأخذ عنهم هذه الخطوة دون أن نخشى أن نتهم بالرجعية أو القصور.

والسينمائي الناجح كالطبيب الماهر، يعرض الأداء ويصف الدواء، ويستطيع أن يحشد عوامل الإيحاء والسيكولوجية والفن في تحويل نفسية المريض وإقناعه.

ولا أظن أننا في كبير حاجة إلى هذه الاستعراضات الراقصة التي يتمسك بها المنتجون، وقد ظهرت أفلام دون أن تحشر هذه المناظر المبتذلة، فنجحت نجاحاً منقطع النظير، وقيل عنها في الخارج إنها رفعت رأس مصر عالياً، بعد أن كانت مصر متهمة بإنتاج الألوان الغثة وحدها

وجدير بالشاشة في مصر والشرق أن تحرص على عرض أمجاد الشرق ومحاسنه، ليكون ذلك - على الأقل رداً علي على ما تحرص عليه الأفلام الغربية من تشويه تاريخ الشرق ومسخه، ووضعه في صورة من ألف ليلة وليلة. . .

فلطالما عرضت الأفلام الغربية للشرق على نحو من التعصب والهوى، وهي بما لها من قوة التوزيع والانتشار استطاعت أن تقنع الكثيرين بأن هذه هي حقيقة الشرق، ونحن نستطيع - وفي أيدينا الوسائل ميسرة - أن نواجه هذه الحملة بتصوير صحيح لأمجادنا وقضايانا، من شأنه أن يضع الحقائق في نصابها

ومما هو جدير بالذكر أن الأمم المتحدة كانت قد طلبت من مصر في العام الماضي موافاتها بيانات عن أفلام تنتفع بها لجنة التربية والعلوم الثقافية للهيئة، لتوزيعها بعد اعتمادها على سائر الدول الأعضاء في العالم كله.

وقد حدد هذا الطلب بأفلام تصلح للعرض على الطلبة في المدارس، وعلى الجمهور المثقف، مما يعالج المشكلات العالية، من سياسية واجتماعية واقتصادية، ومن موضوعات صحية، وأساليب وقائية، ومن رعاية للطفل إلى نظام المنزل، إلى مزارع نموذجية لتربية الحيوانات، إلى مصايد الأسماك، ثم في مسائل التغذية واختيار الاطعمه، وطريقة تحضيرها وحفظها. . الخ.

ومع الأسف الشديد أن السينما المصرية لم تجد ما تقدمه لهذه اللجنة، لأننا لازلنا قاصرين عن بلوغ هذا الشوط. .

فالسينما هي إحدى المدارس الثلاث الخطيرة الأثر، البعيدة المدى في حياة الشعوب، وهي لذلك جديرة بأن تحاط بالكثير من العناية، وعن طريقها يمكن إصلاح المجتمع وتوجيه خير وجهة، بعد أن تغلغلت دور السينما في الأحياء وفي البلاد وفي القرى، حتى يمكن القول بأن 90 % من السكان يحضرونها، ومعنى هذا أن جزءاً ضخماً من مواردنا المالية، وخاصة موارد العمال والطبقات الوسطى، وهي موارد محدودة جداً تذهب إلى هذا الباب، ولما كنا نقاسي في حياتنا العاملة العامة ضغط وضيقاً، فإننا نجد في السينما باباً من أبواب التسلية، وفرجة من فرج تصريف العوامل النفسية المكبوتة، ولذلك فنحن في مثل هذه الحالة من الاستعداد للتلقي، نتأثر إلى ابعد حد مما يقدم لنا لاسيما الفتيات في سن مبكرة، والأطفال والشباب أبان المراهقة، ولعلنا نلحظ بوضوح تلك الحركات التقليدية الواضحة في تصرفات النشء الصغار، والتي هي منقولة نقلاً كاملاً عن حركات الممثلين والممثلات

ولهذه العوامل مجتمعة كان من حقنا على المصلحين أن يولوا مدرسة السينما عناية كبرى بحيث لا يقضي جانب التسلية والترفيه على روحنا المعنوية أو شخصيتنا الحقيقية.

أنور الجندي